المواساة فنّ ليتنا نتعلّمُه ونمارسُه

مع المتخصص في الشؤون الزوجية
الأستاذ محمد رشيد العويد*



يحتاج كل زوج من صاحبه أن يواسيَه إذا وجده حزيناً على فَقْد قريب أو عزيز، وأن يهوِّن عليه إذا عرفه مهموماً لأمر، وأن يعطف عليه إذا أحس بحاجته إلى الحنان والعطف.
وخيرُ مَن نتعلمَ منه هذه المواساة الزوجية حبيبنا النبي [؛ فقد كان عظيم الرحمة، كثير الشفقة، يهوِّن المصيبة على صاحبها، ويخفِّف من حزن الحزين ويبشِّره بالأجر الكبير على رضاه وتسليمه.
عاد النبي (ص) إلى بيته يوماً فوجد زوجته صفية رضي الله عنها تبكي. فسألها (ص): «ما يبكيك؟». قالت: قالت لي حفصة أنتِ ابنة يهودي! فقال النبي (ص): «إنك لابنة نبيّ، وإنّ عمك لنبيّ، وإنك لتحت نبيّ، فبِمَ تفتخر عليك؟»، ثم قال لحفصة: «اتقي الله يا حفصة».
فأي مواساة أجمل من هذه المواساة؟! وأي رحمة أعظم من هذه الرحمة؟! وأي عطف أكبر من هذا العطف؟!
فالنبي (ص) لم يستنكر على زوجته صفية بكاءها مثلما يفعل بعض الأزواج هذه الأيام؛ حين يقول أحدهم لزوجته وقد وجدها تبكي: ما أكثر بكاءك! أو: لست «شاطرة» إلا في البكاء! أو: دعي البكاء الآن وقومي لتضعي لنا الغداء! بل دافع عنها، وواساها، وردَّ عنها إساءة حفصة وردّ لها اعتبارها أيضاً، ونقلها نُقلة حكيمة رحيمة من كونها ابنة يهودي إلى قرابتها بثلاثة أنبياء.
فوائد المواساة
والآن، أيها الأزواج والزوجات، تعالَوْا نحيط بفوائد المواساة العظيمة لنشجّع على ممارستها في حياتنا الزوجية على أتمّ وجه فهي:
•     تشفي جروحاً في النفس أحدثتها كلمات قاسية، وتخفِّف من مشاعر حزينة أثارتها وفاة قريب أو عزيز، وتهوِّن آثار خسارة مالية في تجارة أو غيرها... وهكذا.
•     تورث المحبة في قلب الذي يتلقى المواساة تجاه من واساه.
•     تُبعد الشيطان الذي يريد بوساوسه أن يُحزن الزوجين ويوقِع بينهما العداوة والبغضاء، يقول الله تعالى: (إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا) (المجادلة 10).
•     تُبعد اللَّوم كثيراً وتبعد معه زيادة الأحزان والآلام؛ ذلك أن المواساة ضد اللَّوم الذي يزيد الحزن حزناً والجروح عمقاً وألماً.
•     تُكسب المُواسي أجراً عظيماً بما يقوم به من تخفيف آلام المصاب والمهموم والحزين. يقول النبي (ص): «من فرّج عن مسلم كُربة فرّج الله عنه كربة من كُرَب يوم القيامة» متفق عليه.
•     تعطي الزوجين مناعة ضد الخلافات إذا مورِسَتْ دائماً، وتبعد عنهما الشجارات والنزاعات، وترسخ الوفاق بينهما.
•     وأخيراً، تمنح المواساة كِل من الزوجيـن طاقة على مواصلة العمل وزيادة العطاء، وتحميهما من الإحباط.
وبعد، أيها المتزوجون، ليواسِ بعضُكم بعضاً، وليهوِّن أحدُكم على صاحبه ما أصابه، وليمسح عنه ألمه، وليحذر من تضخيم المصيبة عليه، وتهويل المشكلات في عينيه.
ليكن كل منكما قريباً من صاحبه، رحيماً به، عَطوفاً عليه، مواسياً له.
ـــــــــــــــــــــ
* مدير تحرير مجلة النور الكويتية.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين