المفطرات في مجال التداوي

تمهيد:أسباب تغير الفتوى

1-قرر علماؤنا أن الفتوى تتغير بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد، وقد عقد ابن القيم رحمه الله في كتابه المميز" إعلام الموقعين" (4/ 337) فصلاً طويلاً في هذا الباب عندما قال:" فصلٌ: في تغيّر الفتوى، واختلافها بحسب تغيّر الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد".

ثم قال:" هذا فصلٌ عظيمُ النفع جدًا، وقع بسبب الجهلِ به غَلَطٌ عظيم على الشريعة أوْجَبَ من الحرج والمشقة وتكليفِ ما لا سبيل إليه ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي هي في أعلى رُتَب المصالح لا تأتي به.

فإنَّ الشريعة مَبْنَاها وأَساسَهَا على الحِكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عَدْلٌ كلُّها، ورحمةٌ كلها، ومصالحُ كلها، وحكمةٌ كلها؛ فكلّ مسألة خرجت عن العدل إلى الجَوْر، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث؛ فليست من الشريعة.

2-قال ابن عابدين: «اعلم أن المسائل الفقهية إما أن تكون ثابتة بصريح اللفظ وإما أن تكون ثابتة بضرب اجتهاد ورأي.. وكثير من الأحكام تختلف باختلاف الزمان لتغير عرف أهله، أو لحدوث ضرورة، أو فساد أهل الزمان بحيث لو بقي الحكم على ما كان عليه أولا، للزم عنه المشقة والضرر بالناس، ولخالف قواعد الشريعة المبنية على التخفيف والتيسير ودفع الضرر والفساد، لبقاء العالم على أتم نظام وأحسن أحكام» (انظر رسائل ابن عابدين 2/125).

3-والفقيه محتاج للخبرة ِ والتجربة؛ لتصور الواقعة وثبوتها حتى يتمكن من الحكم عليها

ويحدث أن العلوم التجريبية قد تقرر حقيقة علمية، ثم تعدل عنها إلىَّ حقيقة أخرى توصل إليها العلماء المتخصصون في ذلك اجمالا بعد مواصلة البحث ِ والتجربة، كما أنه قد يكتشف من الحقائق العلمية التجريبية في مجال الطب وغيرها ما لم يكن معروفا

4-من أسباب تغير الفتوى

حــدوث معطيــات علميــة جديــدة تســتدعي تغيــر الحكــم الــذي بُنــي علــى

معطيــات علميــة قديمــة.

مثالـه: ذهـبَ الأئمـة الأربعـة إلـى القـول بـأن التَّقطيـر فـي الأذن مُفسـد للصـوم إذا وصـل إلـى الجـوف باتفاقهـم(أو الدمـاغ) للمالكيـة فيُمنـع الصائـم مـن ذلك.

إلاَّ أنَّ علمـاء التشـريح أَثبتـوا أَنـه ليـس بيـن الأُذن وبيـن الجـوف أو الدمـاغ قنـاة ينفـذ منهـا المائعــات إلاَّ إذا انخرمــت طبلــة الأذن. فــإذا وُضعــت قطــرات مــن الــدواء فــي الأذن الخارجيــة فإنهـا لا تصـل إلـى الأذن الوسـطى؛ فضـلاً عـن الجـوف، إلا إذا كانـت طبلـة الأذن مخروقـة.(1)

المطلب الخامس:من الجامعة الرمضانية

المفطرات في مجال التداوي

القرارت والتوصيات الصادرة عن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي

بشأن المفطرات في مجال التداوي(2)

بعد اطلاعه على البحوث المقدَّمة في موضوع المفطرات في مجال التداوي والدراسات والبحوث واستماعه للمناقشات التي دارت حول الموضوع بمشاركة الفقهاء والأطباء والنظر في الأدلة من الكتاب والسنة وفي كلام الفقهاء.قرّر ما يلي:

أولاًـ الأمور التي لا تُعتبر من المفطرات:

1) قطرة العين أو قطرة الأذن أو غسول الأذن أو قطرة الأنف أو بخاخ الأنف إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق.

2) الأقراص العلاجية التي توضع تحت اللسان لعلاج الذبحة الصدرية وغيرها إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق.

3) ما يدخل المهبل من تحاميل (لبوس) أو غسول أو منظار مهبلي أوإصبع للفحص الطبي.

4) إدخال اللولب أو المنظار أو نحوهما إلى الرحم.

5) ما يدخل الإحليل؛ أي مجرى البول الظاهر للذكر والأنثى من قثطرة (أنبوب دقيق) أو منظار أو مادة ظليلة على الأشعة أو دواء أو محلول لغسل المثانة.

6) حفر الأسنان أو قلع الضرس أو تنظيف الأسنان أو السواك وفرشاة الأسنان، إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق.

7) المضمضة والغرغرة وبخاخ العلاج الموضعي للفم، إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق.

8) الحقن العلاجية الجلدية أو العضلية أو الوريدية باستثناء السوائل (المحاليل) وباستثناء الحقن المغذية.

9) غاز الأوكسيجين.

10) غازات التخدير (البنج) ما لم يُعْطَ المريض سوائل (محاليل) مغذية.

11) ما يدخل الجسم امتصاصاً من الجلد كالدهونات والمراهم واللصقات العلاجية الجلدية المحملة بالمواد الدوائية أو الكيميائية.

12) إدخال قثطرة (أنبوب دقيق) في الشرايين لتصوير أو علاج أوعية القلب أو غيره من الأعضاء.

13) إدخال منظار من خلال جدار البطن لفحص الأحشاء أو إجراء عملية جراحية عليها.

14) أخذ عينات (خزعات) من الكبد أو غيره من الأعضاء ما لم تكن مصحوبة بإعطاء محاليل.

15) منظار المعدة إذا لم يصاحبه إدخال سوائل (محاليل) أو مواد أخرى.

16) دخول أي أداة أو مواد علاجية إلى الدماغ أو النخاع الشوكي.

17) القيء غير المتعمَّد بخلاف المتعمّد (الاستقاءة).

ثانياًـ ينبغي للطبيب المسلم نصح المريض بتأجيل مالا يضرّ تأجيله إلى ما بعد الإفطار من صور المعالجات المذكورة فيما سبق.

ثالثاً: أمور أخرى لها علاقة بالتداوي لم أجدها في قرارات المجمع.

أـ بخاخ الرَّبُو اختلفت فيه الأقوال لأنّه من الأمور المستجدّة:

1ـ فمنهم من قال بأنه مفطر؛ لأنه يدخل الرذاذ إلى الجوف، وبالتالي فإن مريض الربو المضطر الذي لايستغني عنه يفطر ويفدي بإطعام مسكين عن كل يوم.

2ـ ومنهم من قال: استعمال هذا البخاخ جائز للصائم في رمضان وغيره، وذلك لأن هذا البخاخ لا يصل إلى المعدة، وإنما يصل إلى القصبات الهوائية فتنفتح،فهو ليس بمعنى الأكل والشرب الذي يصل إلى المعدة،والأصل صحة الصوم حتى يوجد دليل الفساد(3).

*استعمال بخَّاخ الربو: في نهار رمضان لا يفسد الصوم،(4) وذهب إليه أكثر المجتمعين في الندوة الفقهية الطبية التاسعة التابعة للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت (سنة 1997م(وذلك للآتي:

- أن الرذاذ الذي ينفثه بخاخ الرَّبو عبارة عن هواء، حدوده الرئتان ومهمته توسيع شرايينها وشعبها الهوائية التي تضيق بالربو وهذا الرذاذ الأصل أنه لا يصل إلى المعدة، فليس أكلاً ولا شرباً ولا هو في معناهما.

- ولأنه لو دخل شيء من بخاخ الربو إلى المريء ومن ثم إلى المعدة فهو قليل جداً، فالعبوة الصغيرة تشتمل على 10 مليلتر من الدواء السائل وهذه الكمية وضعت لمائتي بخة فالبخة الواحدة تستغرق نصف عشر مليلتر وهذا شيء يسير جدًّا.

- ولأنه لما أبيح للصائم المضمضة والاستنشاق مع بقاء شيء من أثر الماء يدخل المعدة مع بلع الريق فكذلك لا يضر الداخل إلى المعدة من بخاخ الربو قياساً على المتبقي من المضمضة.

- وبالقياس على استعمال السواك، فقد ذكر الأطباء أن السواك يحتوي على ثمانية مواد كيميائية، تقي الأسنان، واللثة من الأمراض، وهي تنحلُّ باللعاب وتدخل البلعوم، وقد جاء في صحيح البخاري معلقاً، ووصله عبد الرزاق عن عامر بن ربيعة قال: ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يستاك وهو صائم ما لا أحصي))، فإذا كان قد عُفي عن هذه المواد التي تدخل إلى المعدة؛ لكونها قليلة وغير مقصودة، فكذلك ما يدخل من بخاخ الربو يعفى عنه للسبب ذاته. كما أن دخول شيءٍ إلى المعدة من بخاخ الربو أمر ليس قطعيًّا، بل مشكوك فيه، أي قد يدخل وقد لا يدخل، والأصل صحة الصيام وهو اليقين، فلا يزول بالشك.

وأنا أميل إلى الأخذ بهذه الرخصة رحمة ًبالناس، ويُسراً على المسلمين وخاصة أنه لاتتحق به شهوة البطن والفرج،التي في الامتناع عنها سِرّ الصيام وحكمته.

وأقول لمن يستعمله إذا وجدت طعماً في حلقك فابصقه.[وكان يفتي بها شيخنا الراحل مفتي محافظة حلب الشيخ محمد عثمان بلال رحمه الله].

ب ـ التبرُّع بالدم، وأخذ عينة للتحليل، ونقل الدم لمريض آخر، لايفطر عند الحنفية والشافعية.

جـ ما يدخل الشرج: التحاميل الشرجية، أو منظار أو أصبع للفحص الطبي.

ـ التحميلة الشرجية: تفطر عند جمهور أهل العلم،

ـ ولاتفطر عند السادة المالكية، لأنَّ وصول غير المائع للمعدة من منفذ أسفل ولو متسعاً لايضرّ، وفيه رخصة والحمد لله لمعالجة الآلام المبرِّحة(5).

الحقنة الشرجية: مفطرة للصائم عند جمهور أهل العلم،

وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز مفتي السعوديين السابق ـ رحمه الله ـ:

ماحكم أخذ الصائم الحقنة الشرجية للحاجة؟ فأجاب: حكمها عدم الحرج في ذلك إذا احتاج إليها المريض في أصحّ قَوْلَي العلماء، وهو اختيار ابن تيمية ـ رحمه الله ـ، وجمع كثير من أهل العلم لعدم مشابهتها للأكل والشرب(6).

د.العمليات الجراحية بالتخدير العام: إذا كان المريض بيّتَ الصيام من الليل. وأجرى التخدير والعملية بالنهار يصحّ صومه؛ لأنه ابتدأ نهاره صائماً قياساً على الإغماء عند الأحناف(7).

هـ.غسيل الكُلى: لايفطر الصائم.

أجاب الشيخ القرضاوي عن حكم صيام مريض الفشل الكلوي، في يوم غسل الكلى قال: أنا لا أرى هذا مُفطراً، لو أصرَّ الرجل أن يصوم، فمن الممكن أن يصوم ولا حرج عليه إن شاء الله، وإن كان يرى أن الله رخّص له الفطر.

(1) - »تغير الفتوى لتغير الزمان« عارف محمد الجناحي كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة الشارقة - الامارات العربية المتحدة 2018-06-20:ص:805

(2)- دورة مؤتمره العاشر المنعقد في جدة خلال الفترة من23ـ28صفر 1418هـقرار رقم 99/1/د10 والتوصيات الصادرة عن الندوة الفقهية الطبية التاسعة التي عقدتها المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالتعاون مع المجمع الفقهي وجهات أخرى في الدار البيضاء بالمملكة المغربية من9ـ12 صفر 1418

(3) انظر فتاوى علماء البلد الحرام (24ـ ص298) وما بعدها.

( 4) وقد رجح ذلك ابن باز، وابن عثيمين، وغيرهما،

(5) انظر فتاوى شرعية ـ دولة الإمارات (ج/5 /98)، وقارن بفقه العبادات على المذهب المالكي.

(6) انظر (الرسائل البازية ـ أشياء لاتفطر الصائم ص/6).

(7) ارجع إلى تفصيل الإغماء في البحث السابق.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين