المفاوضون في جنيف

 

وددت لو أنهم لم يذهبوا، وكذلك وَدّ مثلي كثيرون، ليس قبل أن يجبر المجتمعُ الدولي نظامَ الاحتلال الأسدي على تنفيذ شروط بدء التفاوض وأنفُه في الرغام. لكني لا أقول إنني مُصيبٌ وإنهم مخطئون، فقد اجتهدوا -في ضوء المعطيات السياسية المتغيرة- واتخذوا القرار الذي رأوه أقربَ إلى الحكمة والصواب.

 

لا أنكر أنني كنت في معسكر الداعين إلى مقاطعة لقاءات جنيف مقاطعة كاملة طالما لم تتحقق شروط بدء التفاوض، ولمّا أعلنت الهيئة العليا للمفاوضات مساء الجمعة عن موافقتها على الذهاب -بناء على وعود وتعهدات- خشيت أن تكون قد خذلتنا بلا مقابل. ولكن الحق يقتضي أن أعترف بأنها لم تفعل، وأنها تدير المعركة السياسية حتى هذه الساعة بكفاءة واقتدار، فإذا استمرت على هذه الصورة وثابرت على الصمود والتشبث بتحقيق الشروط، وإذا لم تتنازل ولم تستجب للضغوط، فنحن معها في هذا الجزء من المعركة السياسية كما كنا معها في الجزء الذي مضى منها.

 

إن ثقتنا هي بقوة الهيئة ونزاهة رجالها ووطنيتهم وحرصهم على سوريا، وقد ازددنا اطمئناناً بانضمام كبير المفاوضين، أخينا الفاضل محمد علوش، إلى الوفد المفاوض ممثلاً للفصائل. أما الوعود والتعهدات التي سمعنا بها فسوف نضيفها إلى "ألبوم الوعود الغربية" الذي نحتفظ فيه بنسخ من وعود القوم في مئة عام، منذ وعد ماكماهون الشهير الذي مرّت مئويته الأولى بهدوء قبل أشهر قليلة. إنه سجل الغدر الذي تعلمنا منه أن الواثق بوعودهم هو القابض على الماء، بل إن الثقة بهم هي قبض الريح.

 

انطلاقاً من ثقتنا بوطنية ونزاهة رجالنا، لا بالوعود الدولية، سنستمر بدعم هيئة التفاوض. سنشكر صوابها وننتقد تقصيرها، وسنستمر بمطالبتها بالثبات وعدم التنازل وعدم الرضوخ للضغوط.

 

*   *   *

 

ما زالت رسالتنا إلى إخواننا المفاوضين الذين نثق بحكمتهم وحرصهم وأمانتهم هي ذاتها التي عبّر عنها ملايين السوريين الأسبوعَ الماضي برمّته: "لا تتنازل". ناوروا وداوروا وحاوروا مَن شئتم كيف شئتم، ولكن لا تتنازلوا ولا ترضخوا للضغط فتفاوضوا القتلةَ قبل وقف القصف وفك الحصار وإطلاق المعتقَلات والمعتقلين.

 

وأولاً وأخيراً لا تنسوا أن إنجازكم الأكبر ليس تحقيقَ هذه الشروط فحسب، فإنما هي شروط "البدء بالتفاوض"، أما التفاوض نفسُه فلا قيمةَ له إلا إذا كان هدفه تحرير سوريا من الاحتلال. نحن حريصون على إنهاء القصف والقتل وفكّ الحصار عن المحاصرين، ولكنْ ليس هذا هو ما قامت الثورة من أجله، ولو كان هو ما تريده الثورة لما قامت أصلاً، لأنها يوم قامت لم تكن في سوريا مدن تحت القصف ومدن تحت الحصار.

 

لقد قامت الثورة لإسقاط النظام، واستمرت لإسقاط النظام، وسوف تمضي إلى آخر الطريق إن شاء الله، وآخر الطريق هو سقوط النظام. فلا يكن في ذهن أحد منكم -أيها المفاوضون الكرام- هدف دون هذا الهدف، ولا تتنازلوا عنه ولا تتهاونوا فيه، ونحن معكم ما ثبتّم عليه وما تشبثتم به، معكم الملايين الذين ينتظرون يوم الخلاص والتحرير.

 

#لا_تتنازل

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين