المعضلات الأليمة.. لكثير من شباب اليوم

من العقبات والمعضلات التي تواجه شبابنا هذه الأيام عدم التكيف مع طبائع الأشياء، وعدم الخضوع لنواميس الفطرة التي تتحكم في نظام الحياة الطبيعية الوادعة؛ فظاهرة النوم في الوقت الخطأ -على سبيل المثال- المستشرية بينهم، إذ ينام كثير منهم في ساعة متأخرة من الليل وبالتالي لا يستيقظون مبكرا لينجزوا أعمالا تصب محصلتها في صالح مستقبلهم وتطلعاتهم الحماسية للحياة المستقرة الآمنة والقائمة بذاتها، من الظواهر التي تستدعي حقا الدراسة وإعادة النظر.

 

فلا عجب أن يصابوا بالخلل في توازن الجسم، والترهل الذهني وغير ذلك من أعراض وأمراض، نسبة لـ"الإسراف المعكوس" -إن جاز هذا السبك- أو غير المألوف! يقول المولى عز وجل في محكم تنزيله: ﴿وجعلنا نومكم سباتا، وجعلنا الليل لباسا، وجعلنا النهار معاشا﴾ (سورة النبأ).

 

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "اللهم بارك لأمتي في بكورها"، والبكور هو أول النهار، ودعاء الرسول عليه الصلاة والسلام مستجاب كما نعلم

 

فلا غرو أن ترى هؤلاء الشباب يندبون حظهم العاثر ويشتكون من حياتهم غير السوية، ويلقون باللوم جزافا على الآباء والأمهات والمعلمين والقيمين على الأمر، من غير اعتراف بالذنب، أو استعداد للتنازل، ومجابهة الحقيقة الماثلة للعيان! ويتحسرون على ماضي أيامهم التي ولت سراعا، ويتوقون لما لا يتمشى مع مؤهلاتهم العلمية، ولما هو أكبر من الإمكانات العملية المنتجة! إذ يكون هذا بالطبع ضربا من "حلم الخيال"، حتى لحقت بهم العلل والترهلات العقلية والجسمية البائنة وغير البائنة، كما أسلفنا؛ فترى منهم من يعيش في حالات يرثى لها من التوتر والقلق والغبن على ما "حرموا منه"، وهم ينسبون هذا إلى "من فرط في مساعدتهم"، ويتبرؤون من كل ذنب ارتكبوه، براءة الذئب من دم ابن يعقوب.

 

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "اللهم بارك لأمتي في بكورها"، والبكور هو أول النهار، ودعاء الرسول عليه الصلاة والسلام مستجاب كما نعلم.

 

وحتى عند غير المسلمين، من مقومات النجاح عندهم التبكير، والنومة بعد طلوع الشمس مستنكرة ومستغربة لديهم، وهذا من المسلمات عند الشعوب الناهضة، على النقيض من تلك القاعدة "النائمة"!

 

لا أنسى سيدة ماليزية (في العاصمة كوالالمبور) كنا نراها مصطحبة ابنها الصغير الذي لم يبلغ السابعة من عمره، وهي واقفة في الشارع العام منتظرة الحافلة التي تقله إلى مدرسته الخاصة، في الوقت الذي نكون فيه ذاهبين إلى المسجد لأداء صلاة الفجر!

 

وبهذه المناسبة -إن أنسى- لا أنسى سيدة ماليزية (في العاصمة كوالالمبور) كنا نراها مصطحبة ابنها الصغير الذي لم يبلغ السابعة من عمره، وهي واقفة في الشارع العام منتظرة الحافلة التي تقله إلى مدرسته الخاصة، في الوقت الذي نكون فيه ذاهبين إلى المسجد لأداء صلاة الفجر!

 

ومن الشباب من يرفض النصح والتوجيه، مع أنهم في عمر يستوجب ذلك، وليس لديهم أساس علمي وتحصيلي مكين، بحيث يبدو جليا على ألسنتهم وعلى إنجازاتهم تباعا.

 

وكثيرا ما تأتي مواجهتهم بالنصح والإرشاد بنتائج عكسية، إذ يعتبرون ذلك تدخلا سافرا في شؤونهم الخاصة، وليس لأحد عليهم سلطان، حتى ولو كان أبا محبا لنفعهم، أو معلما غيورا على نجاحهم، أو أخا تؤرقه آلامهم!

 

إنهم يعيشون حالة من التناقض والتشتت الذهني وعدم الوعي بما هو خير أو شر لهم، وقد زاد الطين بلة أن هناك هوة تعليمية كبرى وسائدة، تعذر ردمها في الماضي -بكل أسف- وتستحيل معالجتها الآن بعد فوات الأوان، مما يدعو إلى الإشفاق عليهم حقا.

 

فبالإضافة إلى أنهم ينامون في الوقت الخطأ، يقرؤون المنشورات الخطأ، ويشاهدون عبر شاشات التلفاز والجوال المناظر الخطأ، أو بالأحرى، الخاطئة الآثمة، التي فرضت عليهم فرضا بحكم ما يسمى بواقع "الحداثة والتقدم"!

 

الغلو في المزاح والهرج الذي يذهب الهيبة والبهاء، إضافة إلى الخوض مع الخائضين في أحاديث لا نفع فيها، ولا طائل من ورائها، وإنما هي مجرد حصيلة إثارة وإمتاع

 

إذ يقبل ذاك الواقع -على عواهنه- أكثر القوم، بما طاب منه وما لم يطب، بحلوه ومره على السواء، من غير انتقائية أو دونما غربلة إن شئت!

 

هذا عدا الجنوح إلى الإسراف في اللهو واللعب، حتى انطبعت في أذهانهم مسلمات وتحيزات لا سبيل إلى الفكاك منها بسهولة. وكذا الغلو في المزاح والهرج الذي يذهب الهيبة والبهاء، إضافة إلى الخوض مع الخائضين في أحاديث لا نفع فيها، ولا طائل من ورائها، وإنما هي مجرد حصيلة إثارة وإمتاع؛ يخوضون فيها حتى ولو كان وقتها خصما من أيام العمر!

 

هذا، عدا تحديات الشارع الكثيرة الأخرى من المحرمات التي لا يسع المجال هنا لذكرها، في عالم مضطرب الأجواء والأهواء.

 

يذكرني ذلك كله بقول الشاعر:

 

سمعت صوتا هاتفا في السحر .. نادى من الغيب غفاة البشر

 

هبوا املؤوا كأس المنى قبل .. أن تملأ كأس العمر كف القدر

 

فإلى متى هذه الغفوة التي طالت؟ وإلى متى هذا السكون الذي كاد يطبق على الجميع؟ ألا يؤثر ذلك على نمط حياة الشباب وتطلعاتهم وطموحات بلدانهم المستقبلية في ظل تسارع المتغيرات من الأحداث، والاستكشافات العلمية الحديثة؟

 

هل سيحيون حياة طيبة بين وفرة المتطلبات على ما ببعضها من تحفظات أحيانا، وسهولة في تلقيها من غير كد أو تعب -خاصة في بعض الدول- حتى أودت بهم إلى تلك الحال المزرية؟ وما السبيل إلى الخروج من تلك الطامة الكبرى التي تكاد تعصف بهم عصفا؟!

 

أين أولو الرشد وأولو الألباب من هذا كله؟ وأين تأثيرهم الفاعل المنفعل؟ وهل ينعكس على الشباب تطبيقيا من خلال مداراتهم لهم، وسعيهم إلى هدايتهم إلى سواء السبيل؟ أم هي مجرد صيحات وصرخات في واد لقوم مغلوبين علي أمرهم؛ لا يملكون قرارهم، ولا يهرعون حتى إلى إسعاف بنيهم وبناتهم على الأقل (إن لم يستطيعوا فعل أكثر من ذلك)؟ كل هذا في غمرة اللامبالاة والغفلة التي يئن تحت وطأتهما كثيرون من حيث يدرون ولا يدرون.

 

وتنبثق جراء ذلك أزمة الهوية الثقافية لأولئك الشباب التائهين الذين من المفترض أن يكونوا واعدين بالخير العميم بحكم إمكاناتهم وطاقاتهم الهائلة، بعدما غدت عندهم أثرا بعد عين، في ظل تعتيم الوعي وشح الترشيد، نتيجة عدم تشخيص مشاكلهم ومتطلباتهم بعناية وهدوء، ليتسنى التعامل معها بطرائق سليمة وحكيمة، طبقا لمقتضى الحال، وقبل فوات الأوان، حيث لا ينفع الندم حينها.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين