المعادلة الخاسرة

والله إنها لصفقة خاسرة بكل المقاييس، وكل الأدلة، وآلاف البراهين تؤكد أمام عقل الإنسان وفؤاده وقلبه وحسّه أن الله جل في علاه هو خالق كل شيء، وأنه سبحانه وتعالى على كل شيء وكيل، وأنه بيده وحده مقاليد السماوات والأرض؛ أي قوانينها وسُننها ومقدراتها ومصائرها وكينونتها وصيرورتها.. بيده وحده لأنه هو جل جلاله الذي خلقها، ولأنه هو وحده المتكفل بتسييرها وحفظها وإدامتها، ألا يحتم هذا أن تؤمن الناس كافة بالله الواحد، الخالق، الوكيل.. وهم يجدون أنفسهم، دقيقة بدقيقة ولحظة بلحظة، قبالة معجزة الخلق الكوني ذي المليارات من المجرات والسدم والمجموعات الشمسية والنجوم والكواكب والأقمار، التي لولا الإرادة الإلهية الواحدة القديرة المهيمنة لتبعثرت وتشتتت وارتطم بعضها ببعض، وصارت هباء منذ آلاف السنين ومئاتها وملايينها.

 

وهم يجدون أنفسهم دقيقة بدقيقة ولحظة بلحظة، قبالة معجزة خلق الإنسان بتركيبه المدهش، ووظائف أعضائه المعقدة الدقيقة.. بعينيه ولسانه وشفتيه، بأجهزته الهضمية والتنفسية والعصبية والعظمية والجنسية، والتي تعمل بشكل محكم يقوم على سلسلة طويلة معقدة من الموافقات التي ينبني بعضها على بعض، ويؤول بعضها إلى بعض، بحيث تنعدم بكل المعايير الرياضية مقولة الصدفة العمياء؛ يقول تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (الزمر).

 

إننا لو فكرنا بمفردة واحدة من معجزة خلق الإنسان هذه، لقادنا ذلك دونما لفّ أو دوران، إلى أن وراء هذا الإحكام المطلق في الخلق، وجود خلاّق عظيم يملك قدرات مطلقة على الخلق والتسيير، وأنه - جلّ جلاله - على كل شيء وكيل.

 

يكفي أن ننظر إلى معجزة العين بتركيبها المعقد المدهش، بملايين حجيراتها الضوئية، وبقدراتها على التقاط الصور والأشياء المقلوبة وعكسها لكي يراها الإنسان مستوية على سوقها، يكفي أن نفكر بطبقات العين القرنية والشبكية والسائل الزجاجي وغيره مما لا يمكن بحال من الأحوال، وبأية نسبة من النسب، أن تكون الصدفة العمياء هي التي ركبتها هذا التركيب الدقيق، المعقد، المدهش، الذي قاد رجلاً كـ «دارون» زعيم ما يسمى بخرافة «الإلحاد العلمي» إلى أن يقول في مذكراته الشخصية بالحرف: «كلما فكرت في تركيب العين البشرية هزّتني قشعريرة.. أنا لا أعتقد بغياب الله عن هذا الإبداع».

 

يكفي أن ننظر إلى معجزة الشفتين واللسان، وتمكين الإنسان بهما، من بين سائر المخلوقات الأخرى، من النطق، والتخاطب مع الآخرين، من الذي شقهما بهذه الجمالية، والقدرة العملية في الوقت نفسه على الأداء؟ ومن الذي وضع اللسان في هذا الوضع الذي يمكن الإنسان ليس من النطق فحسب، بل من التذّوق والاستمتاع؟

 

ويوماً بعد يوم تجيء كشوف العلم الأكثر حداثةً لكي تؤكد المعطيات القرآنية في الخلق الكوني والإنساني على السواء، فيما يجيء مصداقاً للآية الكريمة: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (فصلت:53).

 

مبدأ الامتداد والتوسّع الكوني عبر منحنياته اللانهائية والذي اكتشفه عالم الفيزياء المعروف «أينشتاين» يجيء مطابقاً للآية الكريمة: {وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} (الذاريات:47).

 

وثمة جملة من الاكتشافات الحديثة التي توصل إليها علماء الكوزمولوجي عبر السنوات الأخيرة من مثل وجود النجوم الطوارق التي تطرق في أعماق الكون فتثقب كل ما يمرّ بها من أجرام، والتي سبق وأن أقسم بها كتاب الله: {وَالسَّمَاء وَالطَّارِقِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ النَّجْمُ الثَّاقِبُ} (الطارق).

 

النجوم المكانس التي تمضي بهدوء في مسرح الكون الكبير فتكنس في طريقها كل ما تصادفه من أجسام والتي سبق وأن أقسم بها كتاب الله: {فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوَارِ الْكُنَّسِ} (التكوير).

 

العثور على التسمية الدقيقة لما كان يسمى خطأً بالفضاء الكوني، فإذا بها تحديداً «الدخان»، فيما يحيلنا إلى الآية الكريمة: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} (فصلت).

 

فماذا عن عالم الأحياء؟ عن عوالم النمل والنحل التي أكدت البحوث البيولوجية أنها مبرمجة بآلاف الخلايا الحساسة والذكية التي تمكنها من أداء مهماتها المدهشة الاقتصادية والهندسية والأمنية، فيما سبق وأن حدثنا عنه القرآن الكريم وهو يقّص علينا شيئاً من هذين العالمين؟

 

إنه الله جلّ جلاله، والكون العظيم شاهد على خلقه وقيمومته.. والإنسان والأحياء تؤكد هذا الخلق والقيمومة.

 

الله جلّ جلاله، بالمواصفات المتفردة التي تحدثنا عن أسمائه الحسنى، وصفاته المعجزة، وأفعاله التي تتشكل بكلمة كن فيكون.. فأين حكام الأرض، وطواغيتها الصغار، الفانون، الراكضون وراء شهواتهم المنصرمة والمستهينون بشعوبهم من هذا كله؟!

 

فيا أيها الملاحدة، أيها الشكاكون، أيها الفجرة، أيها الأغبياء، انتبهوا، فإن أرقام المعادلة مكشوفة بتفاصيلها أمام عقولكم وأعينكم، فأقرؤوها جيداً قبل أن تخسروا الفرصة ولات حين مندم!

 

أيها الملاحدة، أيها الشكاكون، أيها الفجرة، أيها الأغبياء  أزيحوا طبقة الران عن قلوبكم وعقولكم، اكسروا صدأ الأفئدة، وأنصتوا جيداً إلى نبضها العميق الذي يخفق باسم الله؛ {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} (آل عمران).

 

أيها الملاحدة، أيها الشكاكون، أيها الفجرة، أيها الأغبياء.. إلى أين؟

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين