المسلمون والإبداع الحضاري في الهند

إن تاريخ المسلمين في الهند تاريخ ناصع أنار مدارج السلوك والقيم لشعوب الهند مختلفة الأعراق والمعتقدات والأديان، لقد ساهم المسلمون في جعل الهند وحدة سياسية واحدة ومتكاملة، مما يزيد فخرا واعتزازا بأن الهند وما فيها من العجائب والطوائف حلّت محل التقدير والإعجاب. وإن مواقف الإبداع والرقي التي وصفها المسلمون في الهند بسواعدهم وإرادتهم الكبيرة تشير إلى دور المسلمين في الإبداع الحضاري على المستوى العالمي.

ارتقت الحضارة الإنسانية في تطورها من خلال الأخذ والعطاء والتأثير المتبادل. واللغة هي أقدم الوسائل للاتصال بين الشعوب. وقد مرّ الاتصال الإنساني بمراحل شهد خلالها تطوّرات ظاهرة انتقلت معها العملية الاتصاليّة من الإشارات البسيطة إلى التكنولوجية الجبّارة الحديثة.

كان للتنوع العرقي والثقافي والمعرفي الذي مر على حكم الإسلامي في المدائن الهندية أسباب مباشرة وراء تلك المدن في العالم الإسلامي لإبراز صورة المدن بأرقى حالاتها ، ومن هنا تجلت حالة التنافس بين المدن الهندية في انعاش الحركة العلمية وتطورها، وهكذا ضربت هذه المدن الهندية في ظل الحكم الإسلامي كل واحدة منها مثلا في ذلك التطور والازدهار.

نتيجة لمؤثرات الحضارة الإسلامية وتمازجها مع ثقافة الهند، قد انعكس في تطور علمي وثقافي كبير حيث برزت أسماء لمدن الهند لمع تاريخها نشاطا وازدهارا في ظل الحكم المسلمين. أصبحت المدن الهندية الشهيرة مراكز اشعاع حضاري يعزز المعرفة الإنسانية ويدفع نحو التقدم والرقي.

لقد ساهم المسلمون في جعل مدن هندية كثيرة مراكز عليمة مبدعة ومتطورة، لا تقل إبداعا وابتكارا عن بقية المدن الإسلامية الأخرى في العالم الإسلامي، إذ فاقت مدينة دلهي وآجره ولاهور في مضمار التعليم والصناعة المعرفة الإنسانية. وظلت هذه المدن راعية لثقافة ومعارف الحضارة الإسلامية في الشرق قرون عديدة.

حافظت المدن الهندية وفي مقدمتها مدينة دلهي على مكانتها العلمية وذلك بالرعاية والعناية الفائقتين التي أبداها أباطرة المغول المسلمين في الهند. وقد بلغت المدينة الهندية ذروة التطور والازدهار في عصر الإمبراطور جلال الدين محمد أكبر.

شهدت حضارة المسلمين في الهند تطورا كبيرا في المجال الثقافي والعلمي، وأن الإنتاج العلمي والإبداع المعرفي الذي وضعه المسلمون في الهند يعتبر ثروة علمية وتراثية عظيمة ساهمت في إثراء الثقافة الإنسانية فضلا عن الثقافة الإسلامية.

شكل المسلمون في الهند وحدة حضارية لها شخصية مستقلة استمدت مكوناتها من التراث العربي الأصيل ومن الحضارة الهندية العتيقة. كان لهم نشاط ملموس في جميع مجالات الحياة الهندية كما كان لهم إسهامات جليلة في إثراء التراث العربي الإسلامي. نهض من أرض الهند على مر العصور أدباء وشعراء عرفوا بفصاحة اللسان العربي المبين، وخرج منها صفوة من العلماء ولفيف من رجال الفكر والقلم الذين قاموا بدور بارز في مجال التصنيف والتأليف وتركوا آثارا خالدة، لا يسوغ لمؤرخ تاريخ الأدب العربي والثقافة العربية الإسلامية أن يغض البصر عنها ويبخس حقها.

تحمل الهند في أحضانها آلافا من تلك المآثر العلمية وتحتضن عددا كبيرا من النوادر واللآلئ الثمينة التي فاضت بها أقلام أعلام الهند.

لقد أبدع علماء الهند المسلمين في رفد المعرفة الإنسانية بأصناف متنوعة من المعارف والعلوم والآداب، وكان لهم نصيب وافر في تدوين المعرفة والفنون التي تعكس حالة التطور والتقدم العلمي في الهند في عصر دول المسلمين.

لا غرو في أن المسلمين في الهند قد شيدوا مئات المكتبات التي توجد فيها ذخائر كبيرة من الكتب وجداول وقوائم خاصة بالمطبوعات العربية في علوم الحديث والتفسير والفقه والطب والمنطق والكيمياء والفيزياء والهيئة والتاريخ والجغرافيا. والمؤلفات العربية التي أصدرتها هذه المعاهد على الموضوعات المختلفة هي مهوى الأفئدة ومحط الأبصار لدى العلماء والباحثين في مشارق الأرض ومغاربها.

إن الهند كانت قبل دخول الإسلام بلادا متخلفة ومنقطعة عن العالم كله. وكان الناس يعانون من الشقاء والبؤس من أجل تفاوت الطبقات، ومن جور الأديان وانتشار الفساد. وكان المجتمع الهندي كبحر يأكل السمك الكبير فيه السمك الصغير حتى دخل المسلمون، فتغير مجرى التاريخ وانقلب تيار المجتمع الهندي. فكان دخول المسلمين في هذه البلاد نقطة التحول من التخلف إلى التقدم، ومن الجمود إلى الحركة. ومن عبودية الناس إلى الأخوة والمساواة والحرية، ومن التقاليد البالية القديمة إلى التقدم والتطور الحديث.

شرقت شمس النهضة في الهند مع دخول المسلمين وبدأت الهند تتقدم وتزدهر حتى طار صيتها في كل ناحية من أنحاء العالم. فمن أراد أن يعرف ما نقله المسلمون إلى هذه البلاد من ثمرات الحضارة ونتاج العقول، وما أضافوا عليها من الجمال والكمال، فلينظر إلى ما كانت الهند قبل دخول المسلمين، ثم يقارن بين ذلك وبين ما تجملت به بعد ما استمر الحكم الإسلامي مدة من الزمان وما هي عليه الآن.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين