المسلمة بين عملها وقوله تعالى {‌وَقَرْنَ ‌فِي ‌بُيُوتِكُنَّ}

رأيت بعض الكرام يستدل بآية {وقرن في بيوتكن} على منع خروج المرأة إلى العمل، والحقيقة أن تسليط سيف النصوص على عنق المرأة لقمعها وتعويدها السلبية باسم الدين؛ لا يختلف ضرره كثيرا عن الفاعلية بالشكل الذي تدعو إليها الحركات النسوية.. كما أن هذا الاستدلال خطأ من عدة وجوه، منها:
الوجه الأول: الأمر بالقرار بالبيوت خاص بأمهات المؤمنين رضوان الله عليهن، كما نبه على ذلك المفسرون، قال الطاهر بن عاشور رحمه الله في تفسيره: (هَذَا أَمْرٌ خُصِّصْنَ بِهِ وَهُوَ وُجُوبُ مُلَازَمَتِهِنَّ بُيُوتَهُنَّ تَوْقِيرًا لَهُنَّ، وَتَقْوِيَةً فِي حُرْمَتِهِنَّ، فَقَرَارُهُنَّ فِي بُيُوتِهِنَّ عِبَادَةٌ... وَهَذَا الْحُكْمُ وُجُوبٌ عَلَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ كَمَالٌ لِسَائِرِ النِّسَاءِ) (التحرير والتنوير ج22 ص10). فبعض ما جاء في الآية خاص بأمهات المؤمنين وبعضه عام بالاستناد ألى أدلة أخرى وضحت ذلك.
الوجه الثاني: وآية (وقرن في بيوتكن) على القول بعموم حكمها خصصت بمخصصات كثيرة، باستثناء خروج المرأة للصلاة أو لشراء حاجة، أو للحرب، أو للزيارة أو العلم، فأصبح الاستدلال بها ظنيا في مقابل نصوص كثيرة صريحة تجيز للمرأة الخروج في أحوال كثيرة معروفة في السنة النبوية. والاستدلال بالظني في مقابل النص الظاهر خطأ أصولي فادح.
الوجه الثالث: المرجع في تفسير الآيات وتطبيقاتها ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وليست الآراء والفهوم الشخصية التي تصادم نصوص الشريعة، وقد أباح النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة الخروج إلى العمل المباح في حوادث كثيرة، منها: ما جاء عند الإمام مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: طَُلقت خالتي، فأرادت أن تجد نخلها فزجرها رجل أن تخرج، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ((بلى فجدي نخلك، فإنك عسى أن تصدّقي أو تفعلي معروفاً)).
والخلاصة:
توجد أعمال كثيرة يمكن أن تقوم بها المرأة من المنزل، كما أن عملها خارج بيتها متسترة محتشمة مباح - إن لم يلتبس بمخالفة شرعية - بل لها فيه الأجر والثواب العظيم.. وأما الاستدلال بآية *القرار في البيوت* في هذا الموضع فهو خطأ مرده عدم الاطلاع على ما كتبه المفسرون فيها.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين