المستحبّ والمكروه في فلسفة التشريع الإسلامي

من يتصفّح جزئيات الشريعة الإسلامية يلاحظ – كما لاحظ الفقهاء وأصّلوا لذلك – وجود نوعين من الأحكام تحت الواجب والحرام، فليست الشريعة كلها إما واجب يجب القيام به ويأثم من يتركه، أو حرام يجب اجتنابه ويأثم من يقع فيه، بل هناك "مستحبّ" يؤجر من يقوم به ولكن لا يأثم من يتركه، و"مكروه" يُؤجر من يجتنبه ولكن لا يأثم من يقع فيه.

ولعل بعض الناس يستكثر هذه الأحكام الزائدة عن الواجب والحرام، ويرى أنّه يكفيه من دينه أن يلتزم الواجب ويكفّ عن الحرام، أما المواظبة على المستحبّات وتجنّب المكروهات فيجد فيها مشقّة، ويفرح لكونه لا يأثم إن تركها!

وهذا نظر قاصر؛ ففي نظري أنّ هذا التوزيع لمساحة واسعة من الأحكام ضمن المستحب والمكروه فيه مراعاة للنفس البشرية من الله الخالق الحكيم.

فالنفس البشرية مجبولة – كجزء من عناصر الابتلاء الدنيوي – على التفلّت من التكاليف، وعلى الإخلاد إلى الراحة والركون للشهوات واتباعها ما لم تضبط ذلك إرادةُ قلب مملوء بمحبّة الله والشوق لنيل رضاه، مع الخوف من العذاب ورجاء النعيم في الجنّة.

ولكن النفس إلى جانب ذلك قابلة للترويض، فهي – كالعضلة تقريبا – يجب تدريبها على الجهد الأعلى ليصبح الجهد الأدنى منه أكثر سهولة عليها، ومن هنا تأتي أهمية المواظبة على المستحبّات (كالإكثار من تلاوة القرآن والذكر والنوافل والصدقات) واجتناب المكروهات (كاجتناب كل ما جاء فيه نهي كراهة والابتعاد عن الشبهات) في أنّ هذه المواظبة تُكسب النفس همّة تجعل القيام بالواجب واجتناب الحرام أسهل عليها، فالذي اعتاد على النوم على وضوء باكرًا بنيّة القيام للفجر، وتلاوة القرآن قبل النوم كل يوم، وقيام الليل كل ليلة؛ سيكون أكثر قدرة – نفسيا وجسديّا – على المواظبة على صلاة الفجر. ومن هنا قال مَن قال من علماء المسلمين: إنّ إضاعة المستحبّات بالكلية يؤدي إلى انخرام الواجبات والتفريط بها؛ لأنها غدت بغير طبقة واقية.

فهذه المستحبّات والمكروهات من رحمة الله بعباده ورأفته بهم، وهي فضلا عن كونها تُعينهم على إحسان القيام بما أمرهم به؛ زيادةٌ في الأجر والحسنات يوم القيامة. فانظر إلى هذا الربّ الرحيم بعباده، وانظر إلى سطحية تلك النظرة التي تجد في هذا الخير المفتوح لها تكاليف تُثقل كاهل العباد!

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين