المرأة وجدلية الرئاسة

من النّاحية النّظريّة البحتة، عندما توكل الإمارة أو الرّئاسة في الدّولة إلى المرأة لتكون صُوَريّة فخريّة اعتباريّة، لا فعليّة تنفيذيّة يعود لها اتّخاذ القرار النّهائي تفرّداً به، وإن عبر مجلس شورى أو برلمان أو ما شابه..فلعلّ ذلك لا يتعارض أو يتصادم مع ما جاء في المنع في شريعتنا الغرّاء من تولّي المرأة الإمارة أو قيادة الدّولة..هذا إن افترضنا أنّ لها مؤهّلات استثنائيّة من قوّة الشّخصيّة ورجاحة التّفكير والتّجربة الطّويلة في بعض أمور الشّأن العام..

لكن لعلّه لا بدّ من ملاحظة ما يلي:

1) إنّ المرأة بتكوينها الّذي تغلب فيه العاطفة عموماً وترجح على العقل والحكمة في التّدبير، وهذا من إعجاز الخالق عزّ وجلّ في تكامل العلاقة الخَلقيّة والتّوازن السّليم بين الجنسيْن والتّفاعل الإيجابي بين العقل والعاطفة، ومن أبرز أمثلتها والشّواهد عليها العلاقة الزّوجيّة وتبعاتها من استقرار نفسيّ بين الرّجل والمرأة وما يليها من تربية سليمة للأولاد بنين وبنات...يجعلها لا تصلح لتكون لها الكلمة الفصل في حمل المسؤوليّة الأولى لإدارة هذه الشّراكة والسّير بها بحكمة وتؤدة وعقلانيّة، وإن كانت مشورتها مطلوبة ومستحسنة دون إلزام للأخذ بها..فضلاً عن إدارة دولة تتطلّب من العقلانيّة والصبّر والحكمة ورباطة الجأش وقوّة العزيمة واستيعاب الصّدمات وصلابة الموقف والشّجاعة في اتخاذ القرارات المصيريّة ما تتطلّب خصائص عضويّة ونفسيّة عصبيّة لا خلاف في تفوّق الرّجال فيها، بل ندرة من الرّجال على المرأة بطبيعتها وطبعها وتكوينها ومهامّها الّتي خلقها الله لها..

2) يكفي استشهاداً لذلك ما ذكر الله في كتابه الكريم من قوامة الرّجل على المرأة، قوامة مسؤوليّة وتكليف، فضلاً عن تشريفٍ فقط إن أدّاها الرّجل حقّها من حمل للأمانة وتحمّل للمسؤوليّة الملقاة على عاتقه، وهو ما لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بالزّنود المفتولة والصّوت الخشن وإطلاق الأوامر يمنة ويسرة ظلماً للمرأة وأكلاً لحقوقها وغيره..

3) إنّ ما سبق وأوردتُ أعلاه حالة استثناء لقاعدة عامّة، ويُخشى، حتّى ولو استوفت المرأة والنّظام المرعي الشّروط النّظريّة لإمارتها كما أسلفنا، أن يُفتَح الباب على مصراعيْه في مستقبل منظور لكي تولّى المرأة الإمارة من دون توفّر هذه الشّروط كلّها أو بعضها، وأهمّها إلزاميّة نتيجة الشورى وتقديمها على أيّ اعتبار ومنصب، فيُصبح الإستثناء سابقة يُبنى عليها كيفما جرى الحال، ويُصبح أصل لذاته وبذاته..

4)أخيراً وليس آخراً، ومع خلاصة مفادها أن لا تولّى المرأة الإمارة أو المسؤوليّة الأولى في الدّولة من حيث المبدأ وعلى أرض الواقع، لعلّه لا بدّ من الإشارة إلى نقطتين مهمّتين في نظري على هامش هذه المسألة:

5) لا ضير بل من المستحسن وصولاً إلى المطلوب من تحقيق المصلحة العامّة أن تتولّى المرأة المؤهّلة المسؤوليّة الأولى في إدارة مجامع أو جمعيّات أو هيئات أو نشاطات أو غيرها..لأمور وقضايا ترتبط حصراً بالمرأة واهتماماتها ووظائفها الخاصّة والعامّة ودورها المحوريّ في نهضة المجتمع وتوازنه، ومن أهمّها النّواحي التربويّة والتّوجيهيّة وغيرها من قضايا وهموم اجتماعيّة وما أكثرها..

6) لا ينبغي أن نغفل عن ضرورة بل لزوم أن يتضمّن مجلس الشّورى في الدّولة، والّذي ينبغي أن تكون نتيجة الشورى فيه ملزمة للمسؤول الأوّل والقائد أو الأمير، أن يتضمّن مجلس الشورى هذا، وهنا الشّاهد، مجموعة مناسبة من النّساء المؤهّلات ليدلين برأيهنّ وتتمّ مشورتهنّ تماماً كما الرّجال، على أن يُعطى عند التّصويت على القرارات الصّوت الواحد لكلّ امرأتيْن..

والله أعلم، وهو المستعان ووليّ الأمر والتّدبير..

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين