المرأة في عصر الثورة السورية... المناضلة والشهيدة ومربية الأحرار
 
خولة حسن الحديد

كانت المرأة السورية تتحمل عبئاً كبيراً من أعباء الحياة في المجتمع السوري قبل الثورة الباسلة ، وقد تضاعف هذا العبء مرات في ظل الثورة لتدفع الضريبة الأكبر من تبعات واقع الحال الذي حوّله النظام السوري إلى جحيم في كل المناطق الثائرة .
لا يمكن لأي سوري يدرك الواقع الصعب الذي تعيشه الأسرة السورية منذ عقود أن ينكّر الدور الكبير للمرأة ، ففي غالب الأحيان كانت المرأة هي الرافعة الحقيقية التي منعت السقوط المريع لآلاف الأسر السورية في بئر الفقر والحاجة والتشرد، ومهما تبجحنا بمسألة نيل المرأة لحقوقها في ظل حكم حزب البعث الفاسدن ووصول عدد من النساء إلى مناصب عليا في الدولة ، فإنّ الواقع الحقيقي للمرأة السورية ينافي تلك الصورة التي دأب إعلام النظام على تلميعها بمشاركة من بعض من النساء أنفسهن اللواتي كنّ يسعيّن إلى مزيد من المكاسب التي اكتسبنها دون الالتفات إلى الواقع المرير للآلاف من النساء السوريات في الضواحي وأطراف المدن والقرى ، وكأنّ هؤلاء يسقطن من حساب مؤتمرات المرأة وقضاياها .. آلاف من الأميّات في مدننا وقرانا ..وآلاف من الأرامل يربين أيتاماً بلا معيل، وآلاف من اللواتي يغادرن بيوتهن مع شروق الشمس ولا يعدن إلا مع غروبها وهنّ يقمن بالأعمال الزراعية التي تحتاج إلى جهد عضلي كبير يعجز عنه الرجال أحياناً .. تعجن المرأة الفلاحة في سوريا تراب الأرض بعرقها لتستنبته خيراً وخبزاً يكفي عائلتها ذل الحاجة ، تعيل أخوات وبنات وأمهات أسر بأكملها من خلال العمل الزراعي الذي يمتد طوال العام ويواصلن مهمتهن كربات بيوت بعد العودة من المزارع بفرح كبير وقدرة مذهلة على العطاء؟؟ كل هؤلاء النسوة لا تتكلم عنهن مؤتمرات قضايا المرأة ذات الثوب المخملي ، ومثلهن الآلاف يعملن في مصانع النسيج والأحذية والمنتجات الكيماوية والغذائية في ظل ظروف صحية وبيئية خطيرة أحياناً مقابل اجور زهيدة جداً، وفي بعض مناطق سوريا الزراعية المنتجة لبعض أنواع الصناعات الغذائية تقوم تلك القطاعات بشكل كامل على جهد المرأة ، وفي كثير من المناطق ما كانت لتقوم زراعة ولا ما يستتبعها من إنتاج لولا جهد المرأة ، وهي ذات المناطق التي تفتقر إلى أبسط مؤسسة حكومية تلبي احياجات المرأة حيث لا مراكز صحية حقيقية ولا مراكز للأمومة والطفولة ليتضاعف عذاب المرأة وقهرها وحتى أحياناً موتها ؟؟ فكم من امرأة توفيت خلال ولادة عسيرةلأنها لم تصل إلى مستشفى مدينة مجاورة ؟؟ وكم منطقة زراعية تغيب عنها أماكن التطعيم والتوعية والعناية بصحة المرأة وأطفالها ... كما أن تلك المناطق ذاتها والتي يقوم عليها جزء كبير من اقتصادنا الوطني هي التي تفتقر إلى أماكن التعليم والتعليم البديل وحتى محاولة وجود أبسط البدائل التي تكفي المرأة التي تعيل أسرتها أبسط احيتاجاتها ؟؟ ومع ذلك لم تعوّل المرأة على الدولة ومؤسساتها ..تعلمت صبايا سوريا كل المهن النسائية البيتية من خياطة وتطريز ونسيج، تعلمت كل أنواع صنع الأغذية بيتياً .. تعلمت حتى صنع زينة النرجيلة التي يستمتع بتدخينها رجالنا ..كل ذلك لتتجنب الحاجة وطلب المعونة وتحمي أسرتها وتصون كرامتها وكرامة عائلتها ..وإلى جانب ذلك كله تقوم بواجب تربية الأبناء والأخوة .. هؤلاء الأبناء الذين ثاروا على الظلم والطغيان وقالوا إنّ كفى ؟؟ وسطروا أروع قصص الشجاعة والتفاني ليعبروا بالفعل عن البيوت التي ربتهم والنساء التي أنجبتهم .
 
المرأة السورية المتعلمة والمثقفة لم تكن بأقل كفاحاً ونضالاً بأشكاله المتعددة ، وخاصة لجهة الوقوف إلى جانب قضايا أهلها وأبناء شعبها ، وقد كشفت الثورة السورية عن وجوه مشرّفة وناصعة البياض سيسجلها التاريخ كصفحات تتشرف بها سوريا ، عشرات الصبايا من الكاتبات والإعلاميات والطبيبات والحقوقيات يتحديّن الظلم والقمع والقهر كل يوم مقابل فضح أفعال النظام ، ومنهن من تعرضن للاعتقال والتعذيب وتهديد عائلاتهن وقطع أرزاقهن وفصلهن من العمل وخاصة من ينتمين إلى طوائف يظن النظام إنها معه بالكامل ..فقد تعرضت عشرات الصبايا من بنات الطائفة العلوية إلى التهديد والاعتقال والضغط على عائلاتهن لأنهن شكلن عنصراً فعالاً في الثورة من خلال المشاركة في المظاهرات وزيارة بيوت العزاء ، وفضح همجية النظام بكتابتهن، وأثبتن إنه ليس له طائفة إلا طائفة الفساد والبغي والجور ، ووصل الأمر حتى الطعن بشرفهن وسمعتهن وفبركة القصص الدنيئة التي لا تعبر إلا عن أخلاق راويها ،وكون هذا النظام الفاسد بلا أخلاق ولا يملك أيّ قيمة إنسانية اتخذ من النساء رهائن لكي يتوصل إلى ذويهن من أخوة وآباء ناشطين أو اعتقل ذويها لإجبارها على تسليم نفسها للأمن، وكلنا يعرف قصة الناشطة رزان زيتونة كيف اعتقل زوجها وأخيه كي تسلم نفسها ، وكلّنا يعرف الجريمة الدنيئة التي ارتكبت بحق الشهيدة زينب الحصني التي اختطفت وبقيت رهينة ليسلم أخاها نفسه للأمن ومن ثم يصفي الأمن أخيها الشهيد محمد الحصني ويقتل زينب ابنة التاسعة عشر ..الزهرة المتفتحة ويمثل بجثتها بطريقة يندى لها جبين الإنسانية ..
 
ولم تكن المرأة السورية ضحية أفعال النظام وسلوكه من اعتقال وتعذيب فقط، وإنّما كان للمرأة حصتها من الشهادة وقد تشرفت عشرات النساء بذلك، وكانت أول شهيدات الثورة الشهيدة حميدة النطرواي "الفياض" من مدينة تلبيسة التي صفيّت هي وابنها وهي عائدة من العمل في مزارع البيوت البلاستيكية بمدينة بانياس، لتوالى بعدها قافلة الشهيدات من درعا وريف دمشق وإدلب وجسر الشغور ودير الزور والرستن وكل مكان قال للقتلة لا نريدكم أن تحكمونا ..
 
آلاف الشهداء تركن نساءهن أرامل وأمهات لأطفال، و غالبيتهن في أعمار الصبا وأطفالهن في عمر الطفولة المبكرة .. وتصمد المرأة السورية أمام كل هذا ..آلاف الشهداء تشيعهن الأمهات بالدعاء وطلب الرحمة ويشيعن أحزانهن إلى أرواح ستبقى هائمة فوق المقابر حتى تلحق بفلذات الأكباد ... آلاف الأخوة تبكيهن الأخوات فإذا غاب السند فمن لي بعد أخي وشقيق روحي ؟..مئات الأحبة فقدتهن الخطيبات والحبيبات .. لتستقبلهن عتمة القبور وليضيؤوا أيام سوريا وكرامتها بنور الشهادة.
 
آلاف المهجّرات مع عائلاتهن في الأردن ولبنان وتركيا وضمن مناطق سوريا الداخلية ..أصبحن نسياً منسياً من منظمات حقوق المرأة السورية والطفل والهلال الأحمرالسوري ، وغيرها من جمعيات نسائية انتشرت في عهد بشار الأسد كالفطر ليتبين إنها ليست سوى جمعيات للبحث عن مصالح شخصية ومكاسب لاعلاقة للمرأة على أرض الواقع بها .. ولم يكتفِ النظام الفاجر بتشريد النساء وعائلاتهن بل جند وسائل إعلامه لتشويه سمعتهن من خلال مداخلات أبواقه المدافعة عنه فمرة يقال إنهن نساء المسلحين ، ومرة تشوه سمعتهنّ ومن خلال شراء ذمم بعض الإعلاميين الأتراك الذين أشاعوا أنباء عن اغتصاب النساء في المخيمات وتشغيلهن بالدعارة ورغم نفي الأهالي لتلك التقارير ونفي وزارة الخارجية التركية وفتح تحقيق بذلك إلا إن إعلام النظام ينتج البرامج الحوارية والندوات حول هذا الموضوع ..وكأنّ هناك من يصدقهم غير أزلامهم وأبواقهم .. ولأن المرأة هي جرح الرجل ونقطة ضعفه ومقتله دائماً يلجأ أزلام النظام الفاجرين إلى طعن المعارضين بنسائهم وتشويه سمعتهم ... وصدق من قال : "ما أشطر العاهرة في الحديث عن الشرف" .
 

إن نساء سوريا منارة .. وفخر لكل سوري ، المرأة السورية مكافحة ومناضلة وفلاحة وعاملة وثائرة وشهيدة هي درع للبيت السوري وللأسرة السورية وما زالت تدفع الضريبة الأكبر من تبعات أفعال هذا النظام الفاسد .. كل أم فقدت ابنها هي أمنّا ..وكل أرملة شهيد أختنا ..وكل مناضلة هي صوتنا ..وكل ثائرة هي نحن بكامل ما نريد ونطمح ..وكل شهيدة منارة شامخة .. وستبقى المرأة السورية صامدة بشموخها وعزتها وكرامتها المصونة ورأسها مرفوع عالياً رغم أنف المجرمين والقتلة وعديمي الخلاق والإنسانية ... المرأة السورية هي عزذة سوريا ومجدها القادم لأنها مصنع الأبطال الشجعان الذين واجهو أعتى الآلات العسكرية بصدروهم العارية وعندما كانوا يعودوا شهداء كانت تتلو لهم النساء الأدعية وتحوّل جنازاتهن إلى أعراس بزغاريدهن ويفخرن بأنهن قدمن الشهداء ..وعندما استشهدت زينب الحصني خرجت كل النساء لتقول كلنا زينب ..ودم زينب دمنا ... من يعرف أي امرأة هي المرأة السورية سيدرك تماماً نهاية النظام الفاسد الحتمية فالمرأة عندما تهز سرير طفلها بيدها اليمنى فإنها تهز العالم بيدها اليسرى ..وهاهي المرأة السورية تهز العالم بيمناها ويسراها. 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين