بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين ، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد :
الابنة الغالية :
الأخت الكريمة :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في مقالات ثلاث مضت ذكرت لكنَّ طرفاً من أخبار وأحوال المرأة عند : الإغريق (اليونان) والهند والرومان ، ومقالة اليوم عن أمة الفرس :
ـ 4 ـ
المرأة في بلاد الفرس
بقلم: حاتم الطبشي
كان الفرس إحدى القوتين العظميين في العالم : فارس والروم ، وبلغوا غايةً من القوة وبسط النفوذ والسلطان على كثير من الممالك ، مما زاد من غنى الإمبراطورية الفارسية نتيجة ما يجبى إليها من خيرات هذه الممالك ، وكان الفرس رجالاً أشاوس في حروبهم ، وأبطالاً من الشجاعة والقوة بمكان ، سيطروا على كثير من الأمصار ، وسنوا القوانين ، ووضعوا الأنظمة ، أحكموا قبضتهم ، وحكموا بالعدل في كثير من الأحيان واشتهروا بذلك .
أما فيما يتعلق بالمرأة فكانوا على النقيض من ذلك ، سنوا لها قوانين ، لكنها كانت ظالمة ، ووضعوا لها الأنظمة ، لكنها كانت جائرة ، تفرض عليها أشد العقوبات لأقل الهفوات ، في وقت كان الرجل له مطلق الحرية دون حساب ، والعقاب لا يكون إلا على المرأة ، وويل لها إذا تكررت الخطيئة منها ، حيث لا مناص حينئذ من القتل .
وكان محجوراً على المرأة في بلاد فارس أن تتزوج من رجل غير زرادشتي ، وأما الرجل فله مطلق الحرية في التصرف على هواه .
وكان من جملة معاناة الأنثى عندهم أنها وفي فترة الطمث تنفى من مكانها إلى مكان بعيد خارج المدينة ، ولا يجوز لأحد مخالطتها إلا الخدم الذين يقدمون لها الضروريات من طعام وشراب وغيرها .
أما الطامة الكبرى ، والمصيبة العظمى عندهم فهي :
الزواج بالمحارم
وقد ذكر العلامة الشيخ أبو الحسن الندوي([1] في كتابه المسمى : ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمينمايلي([2] : ))
أما فارس التي شاطرت الروم في حكم العالم المتمدن ، فكانت الحقل القديم لنشاط
كبار الهدامين الذين عرفهم العالم ، كان أساس الأخلاق متزعزعاً مضطرباً منذ عهد عريق في القدم ، ولم تزل المحرمات النسبية التي تواضعت على حرمتها ومقتها طبائع أهل الأقاليم موضع خلاف ونقاش ، حتى إن يزدجرد الثاني الذي حكم في أواسط القرن الخامس الميلادي تزوج بنته ثم قتلها ([3])، وأن بهرام جوبين الذي تملك في القرن السادس كان متزوجاً بأخته([4]) .
ويقول البروفوسور آرتهر كرستن سين : ولم يكن يعد هذا الزواج معصيةً عند الإيرانيين ، بل كان عملاً صالحاً يتقربون به إلى الله ، ولعل الرحالة الصيني هوئن سوئنج أشار إلى هذا الزواج بقوله : إن الإيرانيين يتزوجون من غير استثناء([5]) .
ثم ظهر " ماني " في القرن الثالث المسيحي ، وكان ظهوره رد فعلٍ عنيف غير طبيعي ضد النزعة الشهوية السائدة في البلاد ، حيث دعا إلى حياة العزوبية لحسم مادة الشر والفساد من العالم ، فحرم النكاح ، ودعا إلى قطع النسل بهذا التحريم ، فقتله بهرام سنة : 276 م ، ولم تمت دعوته بموته ، بل عاشت إلى ما بعد الفتح الإسلامي .
ثم ثار المجتمع الفارسي على تعاليم ماني المجحفة ، وتقمص دعوة " مزدك " الذي ولد عام : 487 م ، فأعلن أن الناس ولدوا سواء ولا فرق بينهم ، فينبغي أن يعيشوا سواء لا فرق بينهم ، ولما كان المال والنساء مما حرصت النفوس على حفظه وحراسته ، كان ذلك عند مزدك من أهم ما تجب فيه المساواة والاشتراك ( [6]).
قال الإمام الشهرستاني ([7] عن مزدك هذا : أحل النساء ، وأباح الأموال ، وجعل الناس شركاء فيها كاشتراكهم في الماء والنار والكلأ ([8]) ، وحظيت هذه الدعوة بموافقة الشبان والمترفين ، وصادفت من قلوبهم هوى ، وسعدت كذلك بحماية البلاط الكسروي ، حتى انغمست إيران بتأثيرها في الفوضى الخلقية ، وطغيان الشهوات .)
وقال الإمام الطبري ([9] في تاريخه : افترص السفلة ذلك ، واغتنموه وكاتفوا مزدك وأصحابه وشايعوهم ، فابتلي الناس بهم ، وقوي أمرهم ، حتى كانوا يدخلون على الرجل في داره فيغلبونه على منزله ونسائه وأمواله لا يستطيع الامتناع منهم ، ولم يلبثوا إلا قليلاً حتى صار الرجل لا يعرف ولده ، ولا المولود يعرف أباه ([10]) .)
وأصبح المجوس لا فرق بينهم وبين الإباحيين والزنادقة في الأخلاق والأفعال ، مما كان مؤذناً بزوال دولتهم ، وهذا ماحصل بالفعل .
" وإذا أردنا أن نهلك قريةً أمرنا مترفيها ففسقوا فيها ، فحق عليها القول فدمرناها تدميراً "
صدق الله العظيم
[1]- هو الشيخ الداعية العلامة المجاهد أبو الحسن علي الحسني الندوي ، من علماء الهند المشهورين الناشطين ، من الأعضاء المؤسسين لرابطة العالم الإسلامي ، كثير المساهمات في الخير والدعوة ، طاف أرجاء المعمورة داعياً إلى الله تعالى ، بارع بالعربية متقن لها ، بَرٌّ تقي متواضع ، له مؤلفات كثيرة مفيدة ، منها : ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ، وكتاب مذكرات سائح في الشرق العربي وغيرها ، كنا نصلي العشاء والتراويح في المسجد الحرام في رمضان 1422 فنعاه الشيخ محمد عبد الله السبيل إمام المسجد الحرام ، وصلى عليه صلاة الغائب ، ثم تابع صلاة التراويح ، رحمه الله رحمة واسعة .
[2]- صفحة 38 .
[3] - تاريخ العالم للمؤرخين ( 8 : 84 ) :
[ HISTORIAN,S HISTORY OF THE WORLD ] .
[4] - إيران في عهد الساسانيين لمؤلفه : آرتهر كرستن سين ، أستاذ الألسنة الشرقية في جامعة كوبنهاجن بالدانمارك ، والمتخصص في تاريخ إيران ، ترجمة الدكتور محمد إقبال من الفرنسية إلى الأردية ص 439 .
[5] - المرجع السابق صفحة : 430 .
[6] - ماذا خسر العالم للندوي ، ص : 39 .
[7] - هو الإمام محمد بن عبد الكريم بن أحمد أبو الفتح الشهرستاني ، نسبةً إلى شهرستان في خراسان ، ولد فيها عام 479 هـ وتوفي فيها عام : 548 هـ ، كان إماماً مبرزاً فقيهاً متكلماً ، واعظاً محاضراً ، لطيف المحاورة ، طيب المعاشرة ، له مؤلفات كثيرة ، منها : الإرشاد إلى عقائد العباد ، نهاية الإقدام في علم الكلام ، الملل والنحل ، باختصار من مقدمة كتابه : الملل والنحل .
[8] - الملل والنحل للشهرستاني ( 1 : 86 ) .
[9] - هو الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ، ولد في آمل بطبرستان عام 224 هـ ، ورحل إلى الري وأخذ عن علمائها ، ثم إلى بغداد والشام ومصر ، وبرع في الفقه والحديث والتاريخ والتفسير ، حتى لقب : بشيخ المفسرين ، قال عن نفسه : حفظت القرآن ولي سبع سنين ، وصليت بالناس وأنا ابن ثمان سنين ، وكتبت الحديث وأنا ابن تسع ، له مؤلفات كثيرة نافعة ، من أشهرها : جامع البيان في تفسير القرآن ، وتاريخ الطبري تاريخ الملوك والأمم ، توفي رحمه الله تعالى عام 310 هـ ، باختصار من مقدمة كتابه : تاريخ الطبري .
[10] - تاريخ الطبري ( 2 : 88 )
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول