المرأة في الجزيرة العربية ـ6ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
الابنة الغالية:
الأخت الكريمة:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كانت المرأة عند العرب الجاهلية تورث كما يورث المتاع، وهي بعد وفاة زوجها من حق أكبر أبنائه، فإن ألقى عليها ثوبه صارت زوجته بالمهر الذي دفعه إليها أبوه، وهذا هو نكاح المقت، والذي وردت الآية بالنهي عنه:
" ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء، إلا ما قد سلف، إنه كان فاحشةً ومقتاً وساء سبيلاً " [ النساء: 22 ].
وإن سبقته فذهبت إلى أهلها فهي أحق بنفسها ([1].)
وكغيرها من الجاهليات، فقد أذلَّت جاهلية العرب المرأة وامتهنتها ودنَّست كرامتها حيث اعترفت بنظام البغاء رسمياً وشجعته، وكانت بعض الحرائر يفعلنه وكثير من الإماء، حيث كان الرجل في الجاهلية يفرض على مملوكته الشابة مبلغاً من المال شهرياً تؤديه من أعمال العهر والفجور، ولم يسلم من هذا الأمر إلا من عصمه الله تعالى، فهذا عبد الله بن أُبَيّ رأس النفاق، والذي أزمع أهل المدينة على تتويجه ملكاً عليهم قبيل الهجرة النبوية، كان له ست إماء شابات جميلات، وكان يكرههن على البغاء طلباً لكسبهن، ورغبة في تكثير خدمه من مواليدهن، وكان يقدمهن لضيوفه، وكانت إحداهن تدعى: معاذة، وكانت قد أسلمت وأرادت التوبة، ولكن عبد الله بن أُبَيّ شدد عليها، فأقبلت إلى أبي بكر رضي الله عنه ([2] وشكت إليه ذلك، فذكره للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فأمره بقبضها، فصاح عبد الله بن أُبي رأس النفاق وزعيم المنافقين: من يعذرنا من محمد يغلبنا على مملوكتنا ([3]، فأنزل الله فيه وفي أمثاله: " ولا تُكرِهوا فتياتكم على البغاء إن أردْنَ تحصُّناً لتبتغوا عرض الحياة الدنيا... [النور:33]. ))
هذا صنيع من كان سيتوج ملكاً على القوم، فما بالك بما كان يفعله الرعاع ؟.
نظرة على الوضع الاقتصادي للمرأة العربية:
لم تكن المرأة العربية بأحسن حظاً من غيرها من النساء، بل كانت محرومةً من أي تملك أو تصرف مادي، فليس لها أي حق في ميراث، وليس لها أن تتصرف في ملكها – إذا ملَّكوها – كما تشاء،
قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: والله كنا في الجاهلية ما نعد النساء شيئاً حتى أنزل الله فيهن ما أنزل، وقسم لهن ما قسم ([4].)
وهذه صورة أخرى من صور ظلم المرأة في الأمور المادية، وسوء استغلالها، دون مراعاة لحقوقها:
روى الترمذي عن جابر رضي الله عنه قال: جاءت امرأة سعد بن الربيع بابنتيها من سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله هاتان ابنتا سعد ابن الربيع، قتل أبوهما معك يوم أحد شهيداً، وإن عمهما أخذ مالهما، فلم يدع لهما مالاً، ولا تنكحان إلا ولهما مال، قال: يقضي الله في ذلك، فنزلت آية الميراث فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمِّهما فقال:" أعطِ ابنتي سعد الثلثين، وأعطِ أمهما الثمن، وما بقي فهو لك").
وبعد:
فهذا غيضٌ من فيض، حيث أوردت ما أوردت للتعريف من خلال نماذج مختارة، نستدل بها على الوضع المأساوي للمرأة في تلك المجتمعات، والتي على تباعدها واختلاف ثقافاتها ولغاتها وأنماط حياتها: كانت تسوم المرأة ألوان العذاب والإذلال والامتهان.
[1]- شقائق الرجال للشيخ: حسني شيخ عثمان، العدد 179 من: دعوة الحق، الصادرة عن رابطة العالم الإسلامي
[2]- هو رأس النفاق عدو الله وعدو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: عبد الله بن أبي بن مالك الخزرجي المشهور بابن سلول، وسلول جدته لأبيه، مات بالمدينة عام 9 للهجرة، الأعلام 4/65.
[3]- تفسير القرآن العظيم للإمام ابن كثير ( 3: 290 ).
[4]- شقائق الرجال، صفحة: 30.
[5]- سنن الترمذي، ( 4: 414 ) رقم: 2092، قال أبو عيسى: حديث حسن صحيح
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول