أختي الغالية :
ابنتي العزيزة :
ذكرنا في الحلقة السابقة من سلسلة : المرأة عبر التاريخ : (1- المرأة عند الاغريق)
واليوم هذه نبذة عن حال المرأة عند الرومان :
2- المرأة عند الرومان
تبوأ الرومان ذروة المجد والرقي في العالم بعد اليونانيين ، وفي هذه الأمة نرى تلك السلسلة من الصعود والهبوط ، فحينما خرج الرومان من عصر الوحشية وظلمة الجهل ، وظهروا على مسرح التاريخ لأول مرة ، كان الرجل رب الأسرة في مجتمعهم ، له حقوق الملك كاملةً على أهله وأولاده ، بل بلغ من سلطته في هذا الشأن أن كان يجوز له حتى قتل زوجته في بعض الأحيان .
ولما تخففت فيهم سورة الوحشية ، وتقدموا خطوات في سبيل المدنية والحضارة ، تخففت القسوة في تلك السلطة ، وجعلت الكفة تميل إلى الاستواء والاعتدال شيئاً فشيئاً ، وقيدوا النساء والشباب بقيود مثقلة من نظام الأسرة ، فالعفاف كان شيئاً ينظر إليه بعين الإجلال ولا سيما بالنسبة للنساء ، حيث كان يعد مقياساً للشرف وكرم المحتد ، وكان مستوى الأخلاق عندهم عالياً ، وما كان مباحاً عندهم ولا مرضياً في أخلاقهم أن يتعاشر الرجل والمرأة بدون عقد مشروع ، وما كانت المرأة تتبوأ العزَّ والكرامة في المجتمع إلا بكونها أماً لأسرة .
والمومسات وإن كانت طبقتهن موجودة ، وكان للرجال نوع حرية في مخادنتهن ، إلا أن عامة الرومان كانوا ينظرون إليهن نظرة احتقار وازدراء وتعيير ، وكذلك الأمر بالنسبة للرجال المخادنين .
ثم أخذت نظرية الرومان في النساء تتبدل برقيهم وتقلبهم في منازل المدنية والحضارة ، ووصل هذا التبدُّل إلى نظمهم وقوانينهم المتعلقة بالأسرة وعقد الزواج والطلاق ، إلى أن انقلب الأمر ظهراً لبطن ، وانعكست الحال رأساً على عقب ، ففقد عقد الزواج مكانته ، وأصبحوا لا يهتمون بتبعات العلاقة الزوجية إلا قليلاً .
ومنحت المرأة جميع حقوق الإرث والملك ، وجعلها القانون حرةً طليقةً ، لا سلطة عليها للأب ولا للزوج ، ثم سهَّلوا من أمر الطلاق تسهيلاً جعله شيئاً عادياً يلجأ إليه لأتفه الأسباب ، فهذا " سينكا " الفيلسوف الروماني الشهير ( 4 ق . م – 56 م ) يقول : إنه لم يعد الطلاق اليوم شيئاً يندم عليه أو يستحيا منه في بلاد الرومان ، وقد بلغ من كثرته وذيوع أمره أن جعلت النساء يعددن أعمارهن بعدد أزواجهن .
وقد ذكر " مارشل " ( 43 – 104 م ) امرأة تزوجت عشرة رجال ، وكتب "جووينل " ( 60 – 140 م ) عن امرأة تقلبت في أحضان ثمانية أزواج في خمس سنوات ، وأعجب من ذلك ما ذكره القديس " جروم " ( 340 – 420 م ) عن امرأة تزوجت في المرة الأخيرة الرجل الثالث والعشرين من أزواجها ، وكانت هي أيضاً الزوجة الحادية والعشرين لبعلها([1]).
ثم بدأت تتغير نظرتهم إلى العلاقات والروابط القائمة بين الرجل والمرأة من غير عقد مشروع ، وقد بلغ بهم التطرف في آخر الأمر أن صار كبار علماء الأخلاق منهم يعدون الزنى شيئاً عادياً ، فهذا " كاتو " الذي أسندت إليه الحسبة الخلقية سنة ( 84 ق . م ) يجهر بجواز اقتراف الفحشاء في عصر الشباب ، وذاك " شيشرون " المصلح الشهير يرى عدم تقييد الشبان بأغلال الأخلاق المثقلة ، ويشير بإطلاق العنان لهم في هذا الشأن .
ولما تراخت عرى الأخلاق وصيانة الآداب في المجتمع الروماني إلى هذا الحد ، اندفع تيار من العري والفواحش وجموح الشهوات ، فأصبحت المسارح مظاهر للخلاعة والتبرج الممقوت والعري المشين ، وزينت البيوت بصور ورسوم كلها تدعو سافرة إلى الفجور والدعارة والفحشاء ، حتى راجت مهنة المومسات والداعرات ، وانجذبت إليها نساء البيوتات .
ونالت مسرحية " فلورا " حظوةً عظيمةً لدى الروم لكونها تحتوي على سباق النساء العاريات .
وكذلك انتشر استحمام الرجال والنساء في مكان واحد بمرأى من الناس ومشهد ، وانتشرت المقالات الخليعة والقصص الماجنة العارية ، وما يسمى اليوم بالأدب المكشوف
فكان من نتيجة انغماسهم في الشهوات البهيمية ومجاوزتهم الحد في إيجاد طرق لإطفاء أوارها أن زالت دولة الرومان وتمزق جمعها كل ممزق .
" وكذلك أخذُ ربكَ إذا أخذ القرى وهي ظالمةٌ إن أخذه أليمٌ شديدٌ " صدق الله العظيم[2]
[1] - الحجاب لأبي الأعلى المودودي ، ص : 22 .
[2] - من كتابي : المرأة وأثرها في الأمة صفحة : 15 .
جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول