المحكمة الشرعية في حلب وريفها

تعريف بالمحكمة:

 

جهة قضائية أسّست في 23 أيلول 2014 في محافظة حلب، بعد حل ما يعرف بـ«الهيئة الشرعية» الرباعية التي شُكّلت بداية 2013 من اتفاق أربعة فصائل: لواء التوحيد، صقور الشام، أحرار الشام (وتُلحق بهم حركة الفجر)، وجبهة النصرة، والتي كانت تسعى إلى إدارة مدينة حلب بشكل كامل ومنافسة المجلس المحلي. بينما اختصت المحكمة بفضّ الخصومات وانضمت إلى مجلس القضاء الأعلى في أيلول 2016.

 

وللتعرف عليها أكثر التقت «عين المدينة» رئيس المحكمة عمرو شميس.

 

كل محاكم المناطق المحررة ترفع شعار الحكم بما أنزل الله، فبماذا اختلفت المحكمة الشرعية عن غيرها؟

 

من أبرز ما ميّز المحكمة الشرعية في حلب وريفها أنها اعتمدت القانون العربي الموحد، وكذلك اشتراطها في تعيين القضاة حيازتهم الإجازة في الشريعة أو الحقوق، كما أنها نظّمت إجراءات رفع الدعاوى فاعتمدت مبدأ التقاضي على درجتين كفالة لحق الطعن والتظلم ولتصحيح ما قد يقع من أخطاء. ومما ميّزها أيضاً اعتماد مبدأ تأمين «ضمانات المحاكمة العادلة» لكافة المتقاضين. ومن المهم الإشارة إلى أننا -خلال وجودنا- حافظنا على التعاون مع المحاكم الأخرى بما يحقق مصالح المواطنين ويرفع ضرر تعدد المحاكم عنهم.

سجن المحكمة

وبحكم كونها أكبر الجهات القضائية في حلب، كان لها سجن تم إيداع الموقوفين والمحكومين فيه وفق تقسيم محدد مرتبط بالجنس والعمر ونوع الجرم ومدة العقوبة. مع الإشارة إلى أن السجن لم يكن يحوي أسرى المعارك، إذ إن ذلك من اختصاص الفصائل العسكرية. وقد تمكن جهاز المحكمة من تأمين جميع السجناء بما يضمن سلامتهم قدر المستطاع وفق ظروف الحصار والقصف الهمجي الذي عاشته حلب.

 

عرّفت المحكمة نفسها بأنها مؤسسة قضائية مستقلة، فكيف يستقيم هذا مع تعاونكم مع بعض الفصائل؟

 

لا شك في أن للعسكر دور مهم في دعم المحكمة والاعتراف بها بحكم الأمر الواقع. وقد سعينا جاهدين لكسب تأييد الفصائل بهدف توظيفه في تحقيق العدل بين الناس، وقد نجحنا في ذلك إلى حد لا بأس به. فأنشأنا علاقات تعاون مع عدد من الفصائل، كان من أبرزها العلاقة المميزة مع الجبهة الشامية التي قدمت لنا الدعم المادي والقوة التنفيذية، وكان أثر ذلك واضحاً في ارتفاع مستوى أداء المحكمة. وبعد تهجيرنا من حلب كانت هناك نية لإعادة افتتاح المحكمة في ريف حلب الغربي ومتابعة عملها، إلا أن هجوم هيئة تحرير الشام على الجبهة الشامية حال دون ذلك، وتم الاكتفاء بمحكمة اعزاز المركزية.

 

مصير الموقوفين والمحكومين خلال الحصار

 

في هذه الفترة العصيبة التي مرّت بها مدينة حلب تعرّضت المحكمة، كغيرها، لشتى أنواع القصف، وتضرّرت بشكل شبه كامل؛ فكيف تعاملتم مع هذه المتغيرات؟

خلال الحصار، ونتيجة اشتداد قصف الروس، قامت الدوائر القضائية في المحكمة بعمل مكثف -وفق الأصول الموجزة ودون إخلال بضمانات المحاكمة العادلة- بحسم غالبية الدعاوى التي تحوي موقوفين، وأصدرت العديد من قرارات العفو عن العقوبات الكاملة أو المتبقي منها في الدعاوى البسيطة التي ليس فيها حق شخصي، أو التي تنازل المدعي فيها عن حقه أو تصالح مع المدعى عليه، ورغم ذلك بقيت بعض دعاوى الموقوفين التي لم تحسم بعد. ومع تقدم قوات النظام واقترابها من مبنى المحكمة صدر قرار بإخلاء سبيل من تبقى من الموقوفين والمحكومين حرصاً على سلامتهم وخشية أَسرهم من قبل النظام، فلم يقع أي منهم بيده.

 

ماذا حلّ بالوثائق والمستندات التي كانت بحوزتكم، علماً بأن وصولها إلى يد النظام قد يشكل خطراً كبيراً على بعض المدنيين حتى؟

 

تعرّض محيط المحكمة، قبيل التهجير، لحملة من القصف المكثف والعنيف، ما أدى إلى تهدّم جزء من المبنى واندلاع حرائق بأجزاء أخرى، وأسفر ذلك عن تلف القسم الأكبر من الملفات والوثائق والأوراق القضائية، علماً بأنه كان من المحال نقلها إلى مكان آخر بسبب شدة القصف وتسارع سقوط أحياء المدينة آنذاك.

ورغم ذلك خاطر كوادر المحكمة بأنفسهم للوصول إلى بعض القاعات والغرف، وإتلاف ما تبقى من ملفات الدعاوى المؤرشفة والمحسومة، خوفاً من وقوعها بيد النظام وقيامه بملاحقة المدنيين الذين كانوا أطرافاً فيها، سواء أكانوا مدّعين أم مدّعى عليهم أو حتى مجرّد شهود.

 

علمنا أن هناك أموالاً كانت مودعةً في صندوق المحكمة، فما هو مصير هذه الخزينة التي تعود حقوقها لبعض أصحاب الدّعاوى؟

 

قبيل تهجيرنا قمنا -كإجراء وقائي- بجرد كافة الأموال الموجودة في صندوق المحكمة والمودعة فيها وتنظيم بيان مالي مفصّل بها، وذلك لحفظ حقوق أصحاب تلك الأموال. وبعد خروجنا تم تسليم كافة المبالغ إلى المكتب المالي في الجبهة الشامية وفق إيصالات استلام رسميّة؛ ليصار إلى تسليمها لمستحقيها.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين