المجلس الوطني ترحيب وتذكير

 

وبعد فترة طال أمدها ، أطل علينا المجلس الوطني بوجهه النهائي ، لتكتمل العناصر الأساسية للثورة السورية بهذا الحدث السياسي المنتظر ،

ولست الآن في صدد الحديث عن تأثير هذا الحدث سياسيا ، فلهذا وقت آخر ، ولكن أريد أن أسجل بهذه المناسبة كبير إعجابي بالعبارة التي انطلقت في بداية انعقاد المجلس على لسان الأستاذ رياض الشقفة ، حيث قال أثناء الافتتاح: إني أرحب بهذا المجلس الذي أرغمنا الشباب على حضوره وعقده ، ولما سمعت هذه الكلمات تمنيت أن أكون حاضرا ، لأملأ القاعة بالتكبير والتصفيق ، وأجعلها ساعة تاريخية من الزمن ، وأقوم لأقبل رأس الأستاذ رياض شقفة ، أقول هذا مؤكدا على الإعجاب والإجلال لهذا الموقف الذي عبرت عنه هذه الكلمة ، وفي تلك اللحظة بالذات ، فهي تعبِّر بحد ذاتها عن مدى الجهود التي بذلها كل الأطراف ، وعن القوة التي كانت وراء هذه المواقف ، والتي كانت تدفع بكل طرف إلى قاعة اللقاء ، ومشهد الاتفاق ، حيث كانت هذه القوة الثوريَّة الضاغطة تمثِّل القوة الوحيدة والأساسية التي تمكنت من فرض نفسها على كل الأطراف ، وجعلت الجميع يتجاوزون كل العقبات النفسية ، والاختلافات الإيديلوجية ، والتجمدات التاريخية ، والتقوقعات الشخصية .
إنها ثورة الشباب التي فرضت نفسها على كل من عمل بالسياسة سابقا ، أو من يدخلها اليوم هواية ، أو من يمد عنقه في تجمعاتها ليسجل موقفا ،
فرضت الثورة نفسها على هؤلاء جميعا لِتُحدث ثورة داخل صفوفهم ، ولينفخوا الروح في كيانات أفرادهم ، ويَهُبّون لجمع صفوفهم , تلك التجمعات التي كانت على شفا جرف هار من الانقسامات والإحباطات قيادات وأفرادا ، فأنقذت الثورة هذه التجمعات من الهول الذي كانت عليه ليحاور بعضهم بعضا ، ويبثوا قيم الاحترام والتشاور ورص الصفوف وحُسن التقدير للجهود ، وضرورة التعاون البَنّاء ، وليس التلاقي لترميم المتهالك من البناء ،
كل التقدير لهذه الثورة ، ثورة القيم التي أبرزتها كلمة الأستاذ الشقفة ، يُعلن من خلالها نقلة نوعية تنطلق لبناء المرحلة الجديدة الثابتة ، التي وهب الله فرصتها ومنح عافيتها لتسربل الكثيرين ممن أقدّهم اليأس المرير ، هذا هو الأمر الأول .
والأمر الثاني الذي أود ذكره هو أن قيام هذا المجلس الذي يرجو الجميع أن يصل روَّاده إلى المأمول منهم بمزيد من التفاهم ورص الصفوف ، والتأكيد على المشترك ، بعيدا عن الدعاية الخاصة لكل طرف مما قد يعقد روح التلاقي، ويضعف قوة التحرك ، ويؤخر الجميع عن تحقيق الهدف المشترك .
الذي نود ذكره والتذكير به أن هذه الوسيلة التي ينتظرها الشباب الثوار ينبغي أن تعطى قدرها ، وأن نفرح بإنجازها ، ولكن بمقدار وحدود ، بحيث لا تُضعف شيئا من يقيننا بأن هذه الثورة هي نعمة من المولى تعالى ، قدّر أن نقوم من خلالها بإيقاظ الأمة وبعث الروح فيها من جديد ، وإن استمرار هذه الثورة هذه المدة الطويلة لم يكن إلا بعون من الله وحُسن الاعتماد عليه والتوكل عليه ، ومقابلة عطاياه وفضله بمزيد من الثبات والتقدم وبذل التضحيات بدون تأخر .
وإنه يجب ألا ننسى أن الذي شقَّ الآفاق ، وبلغ عنان السماء ، وكان له أبلغ الأثر ، هو هتافكم أيها الشباب في ساحة البذل والعطاء ، وتقديم الأرواح من الشهداء ، هتافكم الذي زلزل الأرض فترنحت أقدام صفوف الأعداء ، ودحر كل أسلحته ، وأرعب كل مرتزقته ، وأنتم تقولون من أعماق قلوبكم وبملء أفواهكم وقوة عزائمكم : يا الله ما لنا غيرك يا الله .
نعم إنه الهتاف الذي ملأ كل القلوب بفيوض اليقين ، وحملته الأجواء ليردده كل العالمين ، واستدعى الأطفال إلى ميادين الرجال ، وحرك القاعدين من أشباه الرجال فجعلتهم في صفوف الأبطال ، وجاء بالمرأة من سكونها ليسمع الناس تكبيرها وتهليلها ،
هذا النداء الذي جعل روح حمزة الخطيب تتلاقى مع أرواح .. مطر وقاووش .. ليهتفوا :                         يا الله ما لنا غيرك يا الله ،
علينا ونحن نرى بوادر التحرك السياسي تظهر بعد انتظار ، أن ندرك أنها وسيلة من وسائل التحرك ، وليست وسيلة من وسائل التدفق ، فهي كغيرها تحتاج إلى قوة يقينكم وعظيم توكلكم على بارئكم ، ودوامكم على وقوفكم في محراب التجائكم مع كل إخوانكم ، ففي ذلك سر قوتكم في ضغطكم على كل مؤسسة تدعمكم وكل مشروع يؤيدكم ، حتى يبقى اتجاهه منضبطا باتجاهكم ، وسيره محددا بقبلة ثورتكم ، وقوته مستمرة عبر صمودكم وثباتكم ،
وأقول أخيرا: مرحبا بالمجلس الوطني ...
بهذه اللوحة الفسيفسائية التي بدأت تظهر من جديد بعد غياب طويل ، تصور حقيقة أبناء سورية ، الذين يشكلون بألوانهم المتناسقة أجمل لوحة أتحفت الوطن في العالم قديما ، وعبث بألوانها البعث العابث بعد أن عبث به المستبد الطاغية .
مرحبا بهذا اللحن الوطني الذي تمازج عازفوه .. فأسمعونا لحنا اشتاقت أسماعنا إليه ، مرحبا بنشيد الإسلام يرعى العروبة ، مرحبا بنشيد الأوطان يحيط بذراعيه أمجاد أبنائه من الأكراد والآشوريين ، مرحبا بالهتاف المتصاعد من كل الحناجر تردد نداء الحرية والكرامة ، وتقرر بجمعها المتوحد ان لا مذلة بعد اليوم ،     ولا غفلة ولا نوم ،
وإلى متابعة الطريق لتحقيق المأمول .. بعون الله وحفظه فهو خير مسؤول .
 

بقلم الشيخ : نور الدين قرة علي

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين