المبالغة في الضحك - بين التبسم والقهقهة
المبالغة في الضحك
للشيخ ناجي الطنطاوي
الضحك والبكاء غريزتان في الإنسان خصَّ الله سبحانه بهما الإنسان دون سائر المخلوقات ، فهو إذا فرح ضحك وإذا حزن بكى، قال تعالى : [وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا] {النَّجم:ـ43 44}
أي: إنه فطر الإنسان وقدَّر له الأسباب التي يضحك ويبكي لأجلها ، فالضحك مطلوب في بعض حالات السرور، ولكن القهقهة وهي المبالغة في الضحك مذمومة، وكثيراً ما نرى الناس في مجالسهم ومنتدياتهم وسهراتهم يذكر أحدهم القصة الطريفة أو يلقي النكت المستحبة فتنفجر لها أفواه الحاضرين بالضحك الكثير والقهقهة بالأصوات المرتفعة المنكرة التي تشمئز منها نفوس العقلاء وتنفر منها أفئدة الفضلاء.
وللقهقهة مساوئ كثيرة، منها: أن كرام الناس يأنفون منها ويتجنَّبونها ويعدونها نقصاً في المرؤءة وشيناً للكرامة ويذمون صاحبها.
 ومنها: أن السفهاء والجهال إذا رأوا صاحبها اجترؤوا عليه لأن احترامهم إياه ينقص أو يزول من نفوسهم.
 ومنها: أن صاحبها إن كان جاهلاً ازداد جهله وإن كان عالماً انحطت منزلته وضعف قدره ونقص علمه.
 ومنها: أن هذا النوع من الضحك يحجب عن صاحبه عيوبه ونقائصه وينسيه ذنوبه الماضية ، فلم يعد يبالي بالندم عليها والتوبة منها، وقد يؤدي به ذلك إلى الإقدام على ارتكاب ذنوب جديدة لأن الضحك يحجب عن قلبه مراقبة الله والمخافة من عقابه.
ومنها: التوقف عن ذكر الموت والاستعداد له لأن الضحك ضرب من اللهو الذي ينافي الخشوع ، ومنها أنه يكتب على الضاحك وزره ووزر من ضحك معه لأنه المتسبب بذلك .
وأخيراً: فإن كثرة الضحك تميت القلب وتعقب بكاءً طويلاً في الآخرة .
قيل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه : هل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحكون؟ قال: نعم، والإيمان والله أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي.
 وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: « والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً ولخرجتم إلى الصعدات ـ أي إلى الطرق ـ تجأرون إلى الله »
وعلى المسلم أن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم فقد كان أكثر ضحكه التبسم ، وكان أحياناً يضحك أعلى من التبسم بقليل وكان نهاية ضحكه أن تبدو نواجذه، وكان يضحك مما يُضحك منه ومما يُتعجب من مثله، ويُستغرب وقوعه كما ذكر الإمام ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ .
 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين