اللسان العربي

حاضرتُ أمام أحدَ عشرَ مُستشرقاً في مكتبة الكونغرس في سنة 1992عن ضبط الفعل ولفظ الضاد. ذكرتُ لهم أنّ البيئة بيئتان: بيئة داخلية تتمثل في الأبوين، وأخرى خارجية تتمثل في المجتمع، وأنني مسلم قد حرَص أبي وأمي عليّ في تعليمي القرآن الكريم: ترتيلاً وتجويداً. وكيف كان شيخي (الكُتّاب) يعلّمنا ونحن براعم لم ندخل المدرسة الابتدائية بعدُ، يعلمنا لفظ حروف العربية عامة، وحرف الضاد خاصة، والتشديد على الأحرف اللّثويةِ: هل تعلمون كيف علّمَنا لفظ الضاد؟ قال: لِيُحاولْ كلّ منكم أن يعَضَّ على طرف لسانه... والويل لمَنْ يسهو ويلفِظُ الضاد من غير العَض...

يا ليتني سجلت لكم أصوات المستشرقين، والتقطت منظر أفواههم وهم يحاولون. قال أحدهم:

 الآن عرَفتُ معنى قولهم:" العربية لغة الضاد"!. قلت: مهلاً، أتدرون معنى الضاد؟ قالوا: لا. قلت لهم: إنّ شركات البترول عندما نقّبت عن بئر نفطية احتضنتْ معها (الهُدهُد)، ذلك الطائر الذي يطير عالياً، ثم يقبض هاوياً في النقطة الغنية بالبترول بعد أن يسبر غورها من عل..  إنّ معنى (الضاد) هو صوت الهدهد صاحب الأخبار الدقيقة المُهمة التي كان سليمان-عليه السلام- يتلقفها.

وقلت لهم: إنّ المثال أفصح من المقال. سَلوا شركاتِ النفط أولاً، ثم افتحوا كتاب (منثور الفوائد للأنباري) تحظَوْا بمعاني حروف العربية من ألفها الذي يعني الفرد من كل شيء إلى يائها التي تعني حكاية الموتى.

 ما زلت أذكر أستاذنا الدكتور نور الدين عتر ونحن طلاب في بداية السنة الثالثة في كلية اللغات من جامعة حلب، قائلاً: تحفظون جزء تبارك غيباً ( عن ظهر قلب )، قالت الطالبة: هدى ورد. طبعاً هذا للمسلمين. تبسّم قائلاً: للطلاب والطالبات، ومادة الإسلاميات للجميع.

نعم، القرآن كلام الله، تتعلم منه، من هذه الآية:" سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى": أنّ (مِن) لابتداء الغاية، وأنّ (إلى) لانتهاء الغاية. فلا تسمح لقلمك أن يكتب: [ من...حتى ]؟!، يرشدك إلى لفظ الكلمة، سواءٌ أكانت فعلاً أم اسماً... يَمِيزُ لك الخبيث من الطيّب في الأسلوب: نحن كثير، ولكنّ القليل الذي تَلْمَذَ لأسلوب القرآن، ولكتب أجدادنا الأقدمين، ولْيسأل الإخصائي منّا نفسَه: هل قرأ للجاحظ، وابن العميد، وابن المقفع....? مارون عبود كان يكنى أبا محمد، وأنستاس الكرملي، ومكرم عبيد كانا قد حفظا القرآن، وجورج قرداحي أفاد من أسلوب القرآن الكريم، وبابا شنودة نهل من أساليب القرآن حتى إنه قال للشيخ الشعراوي يوماً: فيه اللسان العربي المبين، ليس اللغة العربية.

كيف ستنقرض؟

إنّ التشهد هو جوهر الإسلام، فلا يقال إلا باللغة العربية، والقرآن لا يتلى ولا يجوّد إلا باللغة العربية، والصلاة التي هي عماد الدين وأم العبادات لا تقام إلا باللغة العربية، والأذان الذي هو هتاف الإسلام لا يُرفَع إلا باللغة العربية، وأمّات كتب الحديث والفقه والسيرة...لا تُستوعَب إلا باللغة العربية.

قال أبو منصور الثعالبي، رحمه الله في فاتحة كتابه: (فقه اللغة وسر العربية): "مَنْ أحبّ الله تعالى، أحبّ رسوله (محمداً) صلى الله عليه وسلم، ومن أحب الرسول العربي أحب العرب، ومن أحب العرب، أحب العربية، ومن أحبّ العربية عُنِيَ بها، وثابر عليها، وصرف هِمّته إليها، ومن هداه الله للإسلام، وشرح صدره للإيمان ن وآتاه حُسْن سريرة فيه، اعتقد أنّ (محمداً) صلى الله عليه  وسلم خير الرسل، والعرب خير الأمم، والعربية خير اللغات والألسنة، والإقبال على تفهمها من الديانة؛ إذْ هي أداة العلم، ومِفتاح التّفقّه في الدين، وسبب إصلاح المعاش والمعاد. ولو لم يكن في الإحاطة بخصائصها، والوقوف على مجاريها ومصارفها، والتّبحّر في جلائلها ودقائقها، إلا قوةُ اليقين في معرفة إعجاز القرآن وزيادة البصيرة في إثبات النبوّة التي هي عمدة الإيمان، لكفى بها فضلاً يَحْسُن أثره، ويطيب في الدارين ثمره".

لن ننسى المعجمات وكتب اللغة وكتب الأدب والشعر العربي الأصيل... إنّ علماء الغرب قد أفادوا كثيراً من كتاب (الخصائص) لابن جني.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين