اللحظة التعليمية

اللحظة التعليمية

 

يوسف السند

 يتحدث مع ولده؛ وباستمرار يحاوره ويسامره؛ يجر منه الكلام عله يتواصل مع ولده أكثر مما يتواصل هو وولده مع جهاز التواصل.. وهذا هو المعيار!

وأصبح صاحبنا يبحث عن اللحظة التعليمية: وما أدرك ما اللحظة التعليمية؟!

هي الظرف الزمني أو التعليمي أو الاجتماعي الذي يعيشه المتعلم ويكون مناسبا أكثر من غيره لتوصيل المعلومة للمتعلم معلمه الرباني!

ومن أفضل البشر في استغلال اللحظة التعليمية هو رسول الله محمد تي

لنعش مع بعض اللحظات التعليمية التي نقات لنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم..

- رؤية القمر ليلة البدر والتربية على الحرص والحس الإيماني لأمر الصلاة:

عن جرير بن عبد الله البجلي -رضي الله عنه- قال: كنا عندَ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فنظرَ إلى القمرِ ليلةَ البدرِ، فقالَ: «إنَّكم سترون ربَّكُمْ كما تروْن هذا القمر، لاَ تُضَامُونَ في رُؤْيَته، فَإن استطعتم أنْ لاَ تُغْلَبُوا على صلاة قبل طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا، فَافْعَلُوا». وفي رواية: «فنظر إلى القمر ليلة أربع عشرة». قال إسماعيل: افعلوا لا تفوتنكم. (رواه البخاري)

 

حقيقة الفقر وزخرف الدنيا

حين يتقاتل الناس على الدنيا ويجعلونها في قلوبهم؛ حينئذ يكون للمعلم الرباني نظرة للدنيا وحقيقتها يبينها لجيل قد يغفل وقد يجهل حقيقة الدنيا، فيقص الرباني هذه القصة ويبين هذا الموقف الرائع:

أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ : بَعَثَ أبَا عُبَيْدَةَ بنَ الجَرَّاحِ إلى البَحْرَيْنِ يَأْتي بجِزْيَتِهَا، وكانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هو صَالَحَ أهْلَ البَحْرَيْنِ وأَمَّرَ عليهمُ العَلَاءَ بنَ الحَضْرَمِيِّ، فَقَدِمَ أبو عُبَيْدَةَ بمَالٍ مِنَ البَحْرَيْنِ، فَسَمِعَتِ الأنْصَارُ بقُدُومِ أبِي عُبَيْدَةَ، فَوَافَوْا صَلَاةَ الفَجْرِ مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ تَعَرَّضُوا له، فَتَبَسَّمَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حِينَ رَآهُمْ، ثُمَّ قَالَ: أظُنُّكُمْ سَمِعْتُمْ أنَّ أبَا عُبَيْدَةَ قَدِمَ بشيءٍ قالوا: أجَلْ يا رَسولَ اللَّهِ، قَالَ: فأبْشِرُوا وأَمِّلُوا ما يَسُرُّكُمْ، فَوَاللَّهِ ما الفَقْرَ أخْشَى علَيْكُم، ولَكِنِّي أخْشَى أنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كما بُسِطَتْ علَى مَن كانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كما تَنَافَسُوهَا، وتُهْلِكَكُمْ كما أهْلَكَتْهُمْ. (رواه البخاري).

 

 حقيقة الدنيا وحقارتها:

ويتكرر التذكير بالدنيا وحقارتها؛ لأن على رأس كل معصية حب الدنيا محذراً الجيل؛ ومخوفاً من الولوج في أوديتها مع جهل حقيقتها. وقد بِيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم للصحابة الكرام رضي الله عنهم حقيقة الدنيا بمشهد واقعي رأوه وشاهدوه؛ وهكذا الربانيون لا يدعون موقفاً يفوتهم بين أبنائهم وأحفادهم وأهليهم وطلابهم وأحبابهم إلا اقتنصوه مبينين العبر والدروس والفوائد والحكم.

عن جابر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مر بالسوق والناس كَنَفَتَيَهِ، فمر بِجَدْيٍ أَسَكَّ ميت، فتناوله فأخذ بأذنه، ثم قال: «أيكم يحب أن يكون هذا له بدرهم؟» فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء وما نصنع به؟ ثم قال: «أتحبون أنه لكم؟» قالوا: والله لو كان حياًكان عيباً، إنه أسك فكيف وهو ميت! فقال: «فو الله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم».

إنها لحظات بل ودقائق وساعات يقضيها الجيل بين أجهزة التواصل والبرمجيات والألعاب والملهيات؛ فليكن للرجل الرباني ذكاء تواصل وخبرة دعوة يريد توصيلها بحكمة ومهارة؛ يقتنص بها لحظة تعليمية ريما تغير وتؤثر على جيل يُراد له الشر..

لحظة تعليمية يغالب بها ويجاهد أهل الالحاد والكفر والضلال ويهزم الشاذين والإباحيين والضالين العاصين من الحشاشين والمدمنين الذين يريدون إرغام الأجيال على اعتناق مذهب الإباحية والشذوذ والضلال؛ فينشد فيهم مترنما وداعياً لتبني والتزام منهج الإسلام وصراط العقيدة الكبرى؛ قضية الكون العتيد.

إن السعادة أن تعيش ** لفكرة الحق التليد

لعقيدة كبرى تحل ** قضية الكون العتيد

وتجيب عما يسأل الحير ** ان في وعي رشيد

من أين جئت؛ وأين أذهب؟ ** لم خلقت؟ وهل لأعود؟

فتشيع في النفس اليقين ** وتطرد الشك العنيد

وتعلم الفكر السوي ** وتصنع الخلق الحميد

وترد للنهج المسدد كل ** ذي عقل شرود

تعطي حياتك قيمة ** رب الحياة بها يشيد

ليظل طرفك رانياً ** في الأفق للهدف البعيد

فتعيش في الدنيا لأخرى ** لا تزول ولا تبيد

وتمد أرضك بالسماء ** وبالملائكة الشهود

هذي العقيدة للسعيد ** هي الأساس هي العمود

من عاش يحملها ويهتف ** باسمها فهو السعيد

 

والحمد لله رب العالمين.

 

الهوامش:

(1) Commonwealth Educational Trust. Foundations of Teaching for Learning: Being a Teacher.

(2) يوسف القرضاوي، عن مجلة التربية الإسلامية» السنة السادسة. 278 نقلاً عن المنطلق لمحمد أحمد الراشد.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين