اللاجئ السوري.. في قبضة الأيام الصعبة

اللاجئ السوري.. في قبضة الأيام الصعبة

 

عامر زياد جلول

منذ بداية الثورة سنة 2011، دخل الشعب السوري منزلقا خطيرا، في صراع لم يقتصر على أن يكون إقليميا، إنما تحول سريعا إلى صراع دولي بسبب الموقع الجيو-سياسي والجيو-اقتصادي لسوريا، فحوّلت تلك الحرب حياة السوريين إلى جحيم.

واليوم بدأت تظهر نتائج الحرب على المستويين الإنساني والاجتماعي؛ فهذه الحرب أدت إلى تمزيق النسيج الاجتماعي القائم في سوريا، حيث تحول أكثر من نصف الشعب السوري إلى شعب مشرد في دول كثيرة يعيش في تيه وضياع، ففي لبنان -حسب الإحصاءات- دخل نحو المليون ونصف المليون لاجئ، واليوم بدأت السلطة السياسية في لبنان بالمطالبة بترحيل السوريين إلى ديارهم، معتبرين أن سبب أزمة لبنان الاقتصادية هو الوجود السوري بسبب ما تتحمله الدولة اللبنانية من أعباء في التعليم والكهرباء وغيرها، ولكن هنا يجب أن نسأل، هل هذه الدعوات والمطالبات هي لأسباب اقتصادية بحتة أم هي ابتزاز سياسي؟ هل اللاجئ أسهم في انهيار البلد أم هذا تزوير وترويج؟

 

الحرب أدت إلى تمزيق النسيج الاجتماعي القائم في سوريا، حيث تحول أكثر من نصف الشعب السوري إلى شعب مشرد

مع بداية الأزمة اللبنانية، دخل لبنان نفقا مظلما لا يدري أحد متى الخروج منه، بدأت الأزمة كأزمة سياسية، ولم تنته بالوضع النقدي والاقتصادي، فلقد وصلت نيران الأزمة إلى البنى التحية للمجتمع الإنساني وللدولة نفسها، فلم يسلم شيء، ولم يبق في المشهد العام تقريبا إلا السلطة السياسية المتمثلة في الأحزاب الطائفية، ولكنها مشوهة بعد أن تراجعت نسبيا بعد نتائج الانتخابات الأخيرة، فكل المؤسسات تعاني اليوم، القضاء والمؤسسات الأمنية والعسكرية وغيرها، فهذه الأزمة فتحت باب التفاوض مع الصندوق النقد الدولي كي تقترض الدولة اللبنانية أموالا لانتشال ما تبقى من مؤسسات. وبسبب طبيعة النظام السياسي وسماته الطائفية، طبعا، فإن اضمحلال الدولة أدى إلى تراجع جماهيرية الأحزاب لأنها تتغذى من مالية الدولة وخزينتها، وفي المقابل، فإن صندوق النقد ليس جمعية خيرية، فهو مؤسسة دولية لها قوانينها وشروطها كي تقدم أي مساعدة مالية لأي دولة، ومن أهم الشروط التي اشترطتها على الدولة اللبنانية هي الإصلاحات الاقتصادية.

من هنا، بدأت الدولة اللبنانية باتباع أسلوب جديد يقوم على تهديد أوروبا بإغراقها باللاجئين، وحادثة طرابلس الشهيرة خير دليل على ذلك، طبعا هذا الأسلوب القديم الجديد لم يعد ينفع مع الدول الأوروبية، فلقد استخدم القذافي سابقا هذه الطريقة للابتزاز، وغيره أيضا، واليوم تتبع السلطة اللبنانية النهج نفسه كي تحصل على النتائج نفسها غير مدركين أنهم لن يفلحوا في ذلك.

ولكن قبل ذلك، علينا أن نقسم السوريين إلى جزئين، كي نفهم المشهد أكثر، القسم الأول وهو غير اللاجئ بالمعنى الصحيح والثاني هو لاجئ؛ فالقسم الأول هو ذلك المستفيد والقادر على الدخول والخروج من دمشق إلى لبنان والعكس صحيح عبر معبر المصنع تحت أعين الأمن العام اللبناني، وهذه العملية تحصل يوميا بأعداد كبيرة وغفيرة، فإذا كانت الدولة اللبنانية من مبدأ الدافع والعبء الاقتصادي تريد أن تعيدهم، فلماذا لا تمنع هؤلاء من العودة إلى لبنان؟ مع العلم أن معظم هؤلاء هم أولاد النظام السوري، أما الجزء الثاني -وهو اللاجئ الذي هرب من بطش النظام وآلته الحربية القاتلة- فهو يعيش في مخيمات صعبة تحت الحر القاتل والشتاء القارس من دون أي مقومات للحياة رغم كل المساعدات الدولية التي لم ير منها إلا القليل.

ولكن لماذا السلطة اللبنانية ترفع هذا الصوت حاليا؟ دعونا نقوم بشرح بسيط، سنة 2019 -على سبيل المثال- كتبت الصحف اللبنانية عن اختفاء 9 ملايين دولار من وزارة التربية، نفى الاتحاد الأوروبي وقتها الذي تسلم مذكرة الأساتذة المستعان بهم في دوام بعد الظهر في التعليم الرسمي أن يكون هناك عجز في تمويل تعليم اللاجئين السوريين عن العام الدراسي 2018-2019، مما طرح علامات استفهام بشأن مصير مستحقات الأساتذة وصناديق المدارس، وبسبب هذه الألاعيب قررت المنظمات عدم التعاطي مع الدولة والدفع المباشر للسوريين، فهذا يعني أن المسؤول لن يستطيع بعد الآن أن يمارس سرقاته، فلقد نصح لودريان الرئيس عون بـ"تجنب سياسة الابتزاز؛ لأن الاتحاد الأوروبي لن يستجيب للأمر".

ولكن في حقيقة الأمر -حسب ما نقل موقع ميدان (التابع لشبكة الجزيرة) عن تقرير كتبته مجلة "فورين أفيرز" (Foreign Affairs) عن مدى أهمية اقتصاد اللاجئ طبعا إن كانت هناك دولة أو إدارة حكيمة وسليمة- فلقد أسهم اللاجئون السوريون في ازدهار ألمانيا المتزايد خلال هذه السنوات، في كل عام منذ 2016، وكان عدد اللاجئين في السلك الوظيفي الذين أتقنوا اللغة الألمانية أو المندرجين في التعليم الحكومي أو التدريب المهني يتزايد بوتيرة ثابتة بفضل سياسات الإدماج الألمانية، التي تحسنت مع اكتساب الخبرة. ويسمي ديتريش ترانهاردت، الخبير بشؤون الهجرة بجامعة مونستر، لاجئي 2015-2016 بـ"النجاح المتصاعد"، في مقارنة إيجابية بين مسار الفوج الحالي وبين موجات سابقة من اللجوء والهجرة. ووفقا للتقرير الصادر عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة لعام 2017، فإن اللاجئين السوريين أسهموا في ضخ 800 مليون دولار في السوق المصري خلال السنوات 2011-2017، ووفقا لبيانات وزارتي الاستثمار والتعاون الدولي والتجارة والصناعة المصريتين أن عدد الشركات السورية لعام 2018 يعادل ربع الشركات الأجنبية في مصر، أما في لبنان -حيث كثيرا ما تكون أزمة السوريين الشماعة التي يستند إليها الكثير من الأصحاب القرار اللبناني لتبرير فشلهم- فوفقا للإحصاءات الصادرة عن الجامعة الأميركية في بيروت عام 2017، فإن اللاجئين السوريين يسهمون في الاقتصاد اللبناني بما يعادل 378 مليون دولار سنويا تحت بند إيجارات سكن، وكان قد غرد مدير الأبحاث في معهد عصام فارس بالجامعة ذاتها في مايو/أيار 2017 على تويتر أن إنفاق السوريين ومساهمتهم في الاقتصاد اللبناني يصل إلى ما يعادل 1.04 مليون دولار يوميا، عدا عن استحداث اللاجئين السوريين لـ12 ألف وظيفة بين اللبنانيين مقارنة بعام 2016.

رغم كل ذلك، فإنه يجب علاج موضوع عودة اللاجئين بطريقة إنسانية بعيدة عن الابتزاز السياسي والخطابات الاستغلالية، وعودتهم يجب أن تكون عبر رعاية وضمانات عربية وأممية وإيجاد حل شامل للقضية السورية التي دخلت عامها الـ12 من دون أي أفق للحلول المنطقية والعادلة.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين