الكراهية الإيجابية

تقول لي ابنتي سلمى مسرورةً: "أنا بحبّ كلّ إشي".

ثم التفتت إليّ وسألتني: "بابا.. إنت بتحبّ كل إشي"؟

لم أكن أتوقّع السؤال، وأخفيتُ عنها ابتسامة ساخرة في خيالي: "مسكينة، ما زالت لا تعرف الحياة".. ولكنها لفتت انتباهي إلى أنّنا كلّما كبرنا أكثر أخْلتْ المحبّة في قلوبنا مساحات أوسع لكراهية الأشياء، ولولا ذلك لأتلفنا نفوسنا إذ أبقيناها كالأطفال مُحبّةً لكل شيء، منجذبة نحو كل خطر!

نحن نرى الأطفال جميعًا جميلين رائعين، لأنّ نفوسهم خالية من الكراهية. حتى حين يعبّرون عن استيائهم أو غضبهم أو كراهيتهم لشيء ما، فإنّهم يبدون متصنّعين مضحكين، فهم لم يُتقنوا لغة الكراهية بعد!

رويدًا رويدًا، ستدرك سلمى أنها لن تكون قادرة على محبّة أشياء مثل: بشّار، السيسي، الكفر، الظلم، النفاق، الفحش، البذاءة، الكذب، السرقة، الغش والخداع.. ستعتاد على كراهية هذه الأشياء حتى يظلّ قلبها حيًّا، امتثالا للحكمة النبوية الخالدة: "فمن كرهَ فقد برئ، ومن أنكر فقد سلِم".

ستدرك أنّ كراهيتها للباطل والظلم والكذب هي كمال تحقيق محبّتها للحقّ والعدل والصدق، وأن أولئك البالغين الذين يدّعون محبّة كل شيء هم إمّا منافقون أو مجانين!

ستدرك أنّها لا تكره شخصا لذاته، بل تشفق على جميع البشرية بجميع أعراقهم وألوانهم وأديانهم، وتحمل في قلبها رسالة الرحمة للعالمين.. ولكنها تكره ما تختاره كياناتهم الاختيارية ممّا لا يُرضي الله ولا يحبّه سبحانه.

ستتعلّم أنّ الله {لا يحبّ المعتدين} و{لا يحبّ الفساد} و{لا يحبّ كلّ كفّار أثيم} و{لا يحبّ الظالمين} و{لا يحبّ من كان مختالا فخورا} و{لا يحبّ من كان خوّانا أثيما} و{لا يحبّ الجهر بالسوء من القول إلا من ظُلم} و{لا يحبّ المفسدين} و{لا يحبّ المعتدين} و{لا يحبّ المسرفين} و{لا يحبّ الخائنين} و{لا يحبّ المستكبرين} و{لا يحبّ كل خوّان كفور} و{لا يحبّ الفرحين} (أي: الأَشِرين البَطِرين الذين لا يشكرون الله على ما أعطاهم) و{لا يحبّ الكافرين}.

ستدرك أنّها "كراهية إيجابية"، تدفعها لتجنّب جميع ذلك، وللعمل على تغييره..

ستدرك أنّ قلبها النقيّ أطهر وأزكى من أن ينطوي على محبّة ما يكرهه الله ورسوله، وأنّ مهمّتها في هذه الحياة هي الحفاظ على حياة قلبها وتخليصه من شوائب الإشراك والكفران، حتى تستحق الوصف القرآني {إلا من أتى الله بقلبٍ سليم}.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين