القيادة التربويّة الفذّة سرّ اكتشاف المواهب وتربيتها وتوجيهها

أساليب تربوية ومفاهيم دعوية من حياة الشيخ أحمد عز الدين البيانوني

رحمه الله تعالى

قلّ في الناس العصاميّ الألمعيّ، الذي قد يستغني عن مثل هذه القيادة الفذّة، وحتّى ذلك العصاميّ الألمعيّ لو دقّقنا البحث لوجدنا في حياته شخصيّة مؤثّرة، ولو لم تكن بصورة مباشرة، أو من أولئك الأحياء المعاصرين.

ولا يخفى أنّ للقيادة التربويّة التي نعنيها شروطها ومواصفاتها، وسماتها وملامحها، ولا نستطيع أن نتوسّع في تفسيرها في هذه النقطة، لأنّنا سنخرج بذلك عن طبيعة بحثنا وحدوده، وهو من قبيل البيان الموجز، والمواقف العمليّة، والملامح المعبّرة أكثر من أن يكون بحثاً تفصيليّاً مسهباً.. وإنّ كلّ النقاط اللاحقة هي تفصيل مبين، لما تُلمح إليه هذه النقطة الموجزة وتجمله..

وإذا كان لابدّ لنا من الإضاءة المغنية على تلك القيادة التربويّة الفذّة فنقول: إنّها القيادة التي تستعذب العمل التربويّ المضني، كما يستعذب الظمآن الماء السلسبيل.. وتضحّي في سبيله كما يضحّي التاجر الحريص الناجح بوقته وراحته، ورغباته ولذائذه، في سبيل نجاح تجارته، وبلوغ غايته.. فهي قدوة في شخصيّتها، وفي فهمها وسلوكها، وهي دقيقة مُتابِعة، محبَّبَة آسرِة، مُلاحِظة نبيهة، متّزنة واعية، تعطي كلّ موقف حقّه، وتحسن اختيار الأساليب والوسائل، التي تبلّغها أهدافها المرجوّة، دون أن تركب المسالك الوعرة، أو تتّخذ المواقف المُعنِتة.

ونجد مصداق ذلك فيما وصف الله تعالى نبيّه المصطفى صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم، فقد قال تعالى ممتنّاً على الْمُؤْمِنِينَ: { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ، عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ، حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ، بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)} التوبة.

ومثله قوله تعالى: { وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ.. (7)} الحجرات.

ولو كان هناك من الصفات ما هو أعظم من هذه الصفات لأكرم الله بها نبيّه صلى الله عليه وسلم، وأثنى عليه بالتحلّي بها..

فهذه الصفات أجمع ما ينبغي أن يكون عليه المربّي، ليوصف أنّه من أهل القيادة التربويّة الفذّة.. وإنّما وصفناها قيادة تربويّة فذّة، لأنّ كثيراً من الآباء والأمّهات والمربّين لا يقدرون على بعضها، فضلاً عن أن يتّصفوا بجميعها..

وربّما ظنّ بعض المربّين أنّ انتسابه إلى مهنة التعليم، واشتغاله فيها، تجعل منه مع الأيّام مربّياً متميّزاً.. وما أبعد هذا الظنّ الواهم عن الحقيقة، وما أظلمه لها.!

كما أنّ دخول الزوجين مرحلة الأبوّة والأمومة عندما يوهب لهم البنون والبنات، لا يجعل منهما مربّيين فاضلين، متحقّقين بصفات التربية ومؤهّلاتها بمجرّد ذلك.. فضلاً عن الاتّصاف بالقيادة التربويّة الفذّة، كما أشرنا.

ولكنّنا ابتلينا في زماننا بكيل الألقاب جزافاً، حتّى أصبحت فاقدة لحقائقها ومعانيها، وتحتاج إلى إضافة صفات أخرى ليقدّر السامع ما يراد بها..

ولقد رأينا في شخصيّة الشيخ أحمد رحمه الله قيادة تربويّة فذّة، سواء على مستوى الأسرة، أم على مستوى عمله التعليميّ والتربويّ، أم على مستوى نشاطه الدعويّ، وسنجد بإذن الله في النقاط التالية من تفصيل ذلك ما يبرهن على هذه الحقيقة ويؤكّدها.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين