القوى العظمى لا ترى بأسا بإطالة أمد الصراع السوري ما دامت فيه المصلحة

 

اختتم العام 2013 أيامه في سورية على صعيد الأجندة الدولية فيما يخص القضية السورية بتأجيل موعدين هامين، ما يؤكد مجددا التراخي الدولي في التعامل مع الملف السوري على مدار أعوام الثورة الثلاثة.

 

فموعد اجتياز أهم مرحلة من مراحل نزع السلاح الكيميائي السوري والذي كان محددا بتاريخ 31 من الشهر المنصرم، وذلك بنقل المواد الأشد سمية عبر ميناء اللاذقية، لم يتم الوفاء به كما كان مقررا، كما أن موعد إرسال الدعوات إلى الأطراف المعنية بمؤتمر جنيف2 من قبل الأمم المتحدة والذي قال الأمين العام بان كي مون إنه سيتم قبل نهاية العام 2013 تأجل أيضا.

 

منذ أن اتفق الجانبان الأمريكي والروسي على صفقة تسليم السلاح الكيميائي مقابل التراجع عن توجيه ضربة عسكرية تأديبية بدا أن الصفقة كانت مفتاح الحل السياسي وأن كل العقبات التي كانت تحول دونه بمثابة تفاصيل بإمكان القوتين العظميين العمل على حلحلتها من خلال الضغط على حلفاء كل منهما، وبالتالي، فقد تلا الاتفاق الأمريكي الروسي على نزع السلاح الكيميائي السوري اتفاق آخر بين الجانبين على تفعيل الدعوة إلى مؤتمر جنيف2 والعمل على تكريس هذه الفعالية على أنها المنعطف الحقيقي في الصراع الدائر في سورية والمعبر الوحيد الحتمي للحل المنشود والذي يستحق ممارسة شتى أنواع الضغوط على أطراف الصراع في سورية في سبيل إنجاحه.

 

فعلى صعيد عملية نزع السلاح الكيميائي، أشارت تصريحات الساسة الأمريكيين والروس بعيد الاتفاق المتعلق بها إلى احتمال استغراقها مدة أطول من المتوقع، وهو الأمر الذي دأب على ترديده مسؤولو منظمة حظر السلاح الكيميائي المكلفة بالعملية طيلة المرحلة الأولى، وهو ما حصل بالفعل مع تأخر نقل المواد الأشد سمية عن الموعد المقرر، ما يشي بتعمد ما متوافق عليه في مكان ما على استطالة العملية قدر الإمكان.

 

وعلى الرغم من كل ما يقال منذ تفعيل الدعوة إلى عقد مؤتمر جنيف2 عن أن الحل السياسي لا يزال بعيد المنال مع وجود عقبة أساسية في بنية المعارضة السورية والمتمثلة - من وجهة نظر الخطاب السياسي لمجموعة "أصدقاء سورية" ومثله الخطاب الروسي - في تشتت المعارضة وتمزقها وصراعاتها الداخلية وعدم امتلاكها رؤية موحدة، فعلى الرغم من كل ذلك شهدنا عددا إضافيا من العقبات التي وضعت بعيد الاتفاق أو تم استدعاؤها لتصبح موضع خلاف يبرر ضعف الجهود الدولية المبذولة لتسهيل الحل السياسي الشامل وليس فقط التأجيل المستمر لمؤتمر جنيف2.

 

فقد برزت مشاركة إيران في المؤتمر - والتي لم تكن موضع نقاش في السابق - كإحدى أهم المسائل الخلافية بين الدول الكبرى، وهو ما أغرى نظام الأسد مؤخرا بإضافة معزوفة التمسك بمشاركة إيران على قائمة سيمفونية خطابه السياسي المتعلق برؤيته لمؤتمر جنيف وطرق إنجاحه، كما جاء على لسان وزير خارجية النظام وليد المعلم قبل نحو أسبوع.

 

ومن تلك العقبات مسألة الضمانات التي اشترطها الائتلاف الوطني لحضور المؤتمر، حيث كانت هذه المسألة من أقدم الشروط وأكثرها تفهما في هذا الصدد، ولكن التعامل الغربي معها تغاضى عن أهميتها وقلل من شأنها، وذهب السفير الأمريكي إلى التصريح في حديثه مع أفراد من المعارضة بأن لا ضمانات لدى الولايات المتحدة أو أي أحد يقدمها للمعارضة وأن الخيار الوحيد المتاح أمام الأخيرة هو التفاهم مع الروس لتحصيل أكبر قدر ممكن من المكاسب منهم، وفقا لما نشره عضو الائتلاف الوطني جمال الوادي على صفحته الرسمية حينما روى الحوار الذي دار بينه وبين فورد في هذا السياق.

 

إذن، فما يروج له على أنه الحل السياسي وما تضغط الدول التي توصف بأنها صديقة للشعب السوري للذهاب إليه وهو جنيف2 لا يبدو مقنعا لهذه الدول ذاتها للتحرك نحو توفير أجوائه الدافعة لعقده على أقل تقدير.

 

وقد توجه عضو الهيئة السياسية في الائتلاف حسان الهاشمي إلى مجموعة "أصدقاء سورية" على صفحته الرسمية بالقول: "توقفوا عن الضغط علينا فلن نقبل الشراكة مع المجرم الذي يقتل أطفالنا وأمهاتنا وأخواتنا وشيوخنا وشبابنا كل يوم، ولن نقبل بأي دور لمؤسسته الأمنية والعسكرية في مستقبل سورية" مؤكدا أن المأساة السورية لو كانت قائمة في بلد آخر غير سوريا لتغير أسلوب التعامل الدولي وأداؤه الذي وصفه بالمخزي.

 

في حين صرح رئيس الائتلاف أحمد الجربا في حديثه لصحيفة الحياة بعيد لقائه بالرئيس الفرنسي والاتصال الذي تلقاه من وزير الخارجية الأمريكي أن عددا من وزراء خارجية بعض الدول يريدون لمؤتمر جنيف أن يكون مؤتمرا للإعلام كي تعرض القنوات المعارضة جالسة أمام ممثلي النظام برعاية وزراء خارجية العالم، وأن كل مشارك يلقي خطابا ثم يغادر، ليقول هؤلاء الوزراء بعد ذلك للسوريين اذهبوا والقتال مستمر، معتبرا أن "هذا أمر معيب"، وتساءل الجربا هل تريدون انعقاد المؤتمر أم أنكم تريدون إنجاحه؟

 

ما سبق يؤكد على أن المعارضة السورية لمست التباطؤ المتعمد في التعامل مع الملف السوري ويعزز القناعة بأن عدم إيمان الأطراف السورية بالحل السياسي ليس هو العقبة أو المانع من حصوله، بل إن إرادة بعض القوى العظمى بإطالة أمد الصراع في سورية من خلال دعم الثوار تارة، وإنعاش نظام الأسد المتداعي تارة أخرى، ومن خلال اختراع عقبات أمام أي حل وتسهيل أخرى، لا تدع مجالا للشك بأن وضع الملف السوري على حاله وفي مرحلة الصراع القائمة يلبي أكبر قدر ممكن من المصالح العائدة لهذه القوى، الأمر الذي يرفع الإشكال في فهم المعاملة المزدوجة من قبل حلفاء الثورة مع الثورة في حين أن حلفاء النظام مستمرون في تعاملهم مع النظام بطريقة واحدة طيلة الصراع.

 

ولعل أفضل ما يلخص أسباب التعامل الغربي البارد مع الملف السوري تقرير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA الذي نشرته صحيفة وول ستريت جورنال، حيث تتوقع CIA امتداد الصراع في سورية لـ 10 أعوام على الأقل، مؤكدة أن لدى الأسد القدرة في الحفاظ على السلطة في المستقبل القريب، ولكنه من جانب آخر لا يملك القدرة على السيطرة من جديد على جميع الأراضي السورية لأسباب تتعلق بالعشائرية والقرب من الحدود العراقية المفتوحة.

 

كما زعم تقرير الوكالة بأن الولايات المتحدة لا تستطيع إملاء الأحداث في سورية، مضيفة أن فرصة الإطاحة بالأسد لا تلوح في الأفق، في ظل عدم وجود معارضة موحدة ومنظمة، مستبعدة حدوث هذا الأمر حتى وإن استثمرت الولايات المتحدة مبالغ ضخمة في تنظيم المعارضة على حد تعبيرها.

 

ومع ترجيحنا للسيناريو الذي تطرحه نبوءة وكالة الاستخبارات الأمريكية إلا أننا نختلف حول كيفية تحققها وسبب الترجيح، فالواضح أن التوقعات الأمريكية الاستخباراتية لم تأت عن فراغ كما أنها ليست محض عملية رصد للحاضر واستشراف للمستقبل، بل هو رغبة وإرادة وإجراءات تترتب على ترجيح هذا السيناريو، وهنا تجدر الإشارة إلى ما ذهب إليه بعض المعلقين من أن أفضل تعبير ينطبق على تقرير الوكالة هو ما يدعى في الغرب بـ self-fulfilled prophecy أو نبوءة ذاتية التحقيق!

مسار للتقارير والدراسات - 4 كانون الثاني 2014

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين