القراءة: فائدتها وطريقة الاستفادة من الكتب

القراءة هي الحياة، نَعَمْ هي حياة الإنسان الحقيقية،لأن الذي يقرأ ينمو ويكبر عقلُه وقدرُه، والذي لا يقرأ يذبُل ويذوب، وتتعطَّل قدراتُه وملكاتُه، فالقراءةُ لها شأنٌ كبيرٌ في نيل العلوم واكتساب المعارف والثقافات.

والإنسان القارئ هو الذي يجعل القراءة جزءاً من حياته حتى تصبح هوايةً ملازمةً له، يستطيع بعد فترة وجيزة من حياته أن يتفوَّق على أقرانه في تفكيره وأسلوب تعامُله مع الحياة؛ بل في نظر الآخرين أيضاً، وبمواصلة القراءة سيصبحُ تناولُ الكتاب ليس وسيلة للعلم والمعرفة والثقافة فحسب، بل سيصبح أيضاً متعة ونزهة لا يدانيها شيء آخر على الإطلاق.

ويتفق كثير من خُبراء التعليم والتربية على أن للقراءة دورًا أساسيًا في تحصيل مختلف المواد الدراسية طوال سنوات الدراسة، غير أن القراءة وسيلة للتنمية الفكرية والوجدانية، ووسيلة للمتعة والراحة النفسية، وللقراءة أثرٌ كبيرٌ في صناعة العلماء والمخترعين والساسة والمبدعين، والقراءةُ ذات أهمية كبيرة في حياة الإنسان، فهي العاملُ الأساسي في كسب الخبرات والمعارف.

فالقراءةُ هي معينُ المعرفة، وغذاءُ العقل، إنها السبيل الأول لتوسيع المدارك، وتطوير المعلومات، وكسب الثقافة، والباعثُ على الإبداع والابتكار؛ بل هي الحجرُ الأساسيُّ لتقدُّم الأمم ورُقِيّ الشعوب، وإن الأمة الواعية المتفوّقة هي الأمةُ القارئةُ، وقد سُئِل فولتير مرَّة عمن سيقود الجنس البشري في هذا العالم؟ فقال: "أولئك الذين يعرفون كيف يقرؤون".

وقد أكد القرآن الكريم تأكيداً بالغاً على القراءة، فقد ورد في الوحي الأول: "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ*"(العلق:1-5).

وتعد القراءة منذ القدم أهمَّ ما يميز الإنسان عن غيره من أفراد المجتمع، بل هي من أهمّ المقاييس التي تقاس بها المجتمعات تقدُّماً أو تخلُّفاً، وأعني بالإنسان القارئ الذي يعرف القراءة والكتابة: بل الذي يحبُّ القراءة، ويقبل تلقائياً عليها، بل يكاد يفضِّلها على طعامه وشرابه: لأنها غذاءُ عقله، ونورُ بصيرته، بها يعرف نفسه، ومن خلالها يعيش في محيطه ويتفاعل معه، فمثل الذي يقرأ والذي لا يقرأ كمثل الحي والميت.

وللقراءة فوائد متعددة، وثمرات كثيرة كما كتب الدكتور متعب بن زبن المطيري في كتابه "القراءة متعة ومهارة"، نذكر لك منها باختصار:

"القراءةُ تزيد العلم وتنمِّيه، تنفي الجهل وتقلِّله، تقوِّي الذاكرة، تنضج العقل وتكمله، تنقل لك التجارب والخبرات، تطلق لسانك، وتثري لغتك، تكشف لك الأسرار، تختصر لك الزمان والمكان، تعوضك عن الرحلة للطلب والسفر، فيها العظة والعبرة، تسليك في الوحدة، تطرد عنك الهم والسأم، القراءة تريحك من جليس السوء، تجدد المعلومات، تمنعك من الوساوس والأمراض النفسية، تملأ بها فراغك فيما ينفع وتحفظ وقتك، تضفي عليك المهابة والملاحة، ترفع همتك لتحصيل الفضائل، تعلي من قيمتك وقدرك، تحبب الناس في مجالستك والاستفادة منك، القراءةُ تمنعك من الأخلاق السيئة، تعيش حياة هادئة جميلة بعيداً عن المنغِّصات، تستفيد من عقول العلماء وعلومهم، تتعظ بما حصل للناس من خير وشر، تبتعد عن الفتن، تنمي مهاراتك على الكتابة والتأليف، تحبب إليك لقاء الله تعالى وتزيد الإيمان، تنشطك للعبادة والطاعة، وتحفزك لفعل الخير، تعلمك الأخلاق الحسنة والقيم النبيلة، تهدي لك فوائد أغلى من الذهب والفضة، تحل لك الأسئلة والإشكالات، وتصحح الأفكار، تكشف لك الدنيا على حقيقتها، تتعرف على المذاهب والمدارس الفكرية".

الكتاب النافع حديقة فيها من كل زوج بهيج، تجمع القراءة بين الفائدة والمتعة والتسلية، قد أجمع العقلاء على أنها أنفع هواية، والقراءة طريق المجد والرفعة والصعود، والقراءة النافعة انتصار للإسلام على يد أهله، والذي لا يقرأ لا يسهم في صنع الحضارة، فالقراءة باختصار مفتاح لكل خير.

فنظراً إلى أهمية القراءة وضرورتها وفوائدها في حياة الإنسان، لا بُدَّ لك أن تُعَوِّدَ نفسَك على القراءة، وتُكْثِرَ منها مُقْبِلاً عليها، لأن القراءة في مختلف العلوم النافعة مهمَّة جداً لبناء شخصية متوازنة من سائر الجوانب، ثم ركِّزْ عنايتك على علم تميل إليه نفسُك لتستفيد منه أكثر وتَتَخَصَّص فيه أكثر، وعليك أن ترتب برنامجاً لاستغلال أيام العطلات في قراءة الكتب، وتصحب معك كتباً مختارة بمشورة أستاذ أو مربٍّ، والكتابُ خير جليس في الزمان، لأنه مأمون الجانب، فلا أذى ولا شر، ولا يحتاج في مجالسته إلى مؤونة، يقول أبو الطيب المتنبي:

أعزُّ مكان في الدُّنَى سرْجُ سابح=وخيرُ جليس في الزمان كتاب

ويقول أحمد شوقي:

أنا مَن بدَّل بالكُتُب الصَحَابا=لم أَجِدْ لي وافياً إلا الكِتَابَا

صاحبٌ إن عِبْتَه أو لم تَعِب=ليس بالوَاجِد للصَّاحب عَابَا

كلما أخْلَقْتُه جدَّدَني=وكَسَانِي من حِلَى الفضل ثِيَابَا

صُحبةٌ لم أشك منها رِيْبة=ووِدَادٌ لم يكَلِّفْنِي عِتَابَا

أما طرق القراءة والاستفادة من الكتب، فقد ذكر خبراء التعليم ثلاث خطوات مثمرة للقراءة:

الخطوة الأولى: نظرة مبدئية، وهي معرفة العنوان، ومعلومات الغطاء الخلفية والأمامية، وتاريخ النشر، والمقدمة، وقائمة المحتويات أو الفهرس، وسيرة المؤلف الشخصية.

والخطوة الثانية: قراءة الكتاب، وعندما تتخذ قراراً لقراءة أي كتاب، فمن الأفضل أن تحدد وقتاً تقريبياً للانتهاء منه أو من الفصول التي تحتاجها، وخذ قسطاً من الراحة عندما تشعر بأنك غير قادر على التركيز فيما تقرأ سواء بسبب النعاس أو التعب أو الملل أو الجوع، وبعدها يمكنك أن تتابع، وركِّز اهتمامك على المعلومات المهمة التي فيها إحصاءات أو نقولات عن العلماء أو تحليلات موضوعية.

والخطوة الثالثة: تثبيت المعلومة وكتابتها، وكثيراً ما نتذكر أننا قرأنا كتاباً ما، لكننا وللأسف لا نستذكر منه أي معلومة أو فكرة، ذلك أن الإنسان كما تقول الدراسات ينسى في فترة وجيزة ما بين 40% إلى 50% من المادة المقروءة.

وهناك أنواع للقراءة حسب أهدافها، منها: القراءة التخصُّصيَّة، والقراءة التصفُّحيّة، والقراءة السريعة، والقراءة الدراسية، وقراءة الاستماع.

وللقراءة معوقات يجب على القارئ التنبُّه لها، منها: عدم وضوح الغرض من القراءة، وصعوبة مادة الكتاب، والتوقُّف عند بعض المصطلحات والكلمات الصعبة، وقراءة الكلمات كلمة كلمة بدلاً من قراءتها جملة جملة، والرجوع إلى الفقرة السابقة، وتحريك الأصبع على السطور، وتحريك الشفتين أثناء القراءة، والإضاءة غير الصحية، والجلوس بشكل خاطئ، والتوتر والجوع والسهر...، وغيرها من هذه المعوقات التي تحول بين تحقيق الهدف والاستفادة من الكتاب كما كتب الدكتور متعب بن زبن المطيري.

والكتب التي تقرأ عادة، إما أن تكون كتباً أدبية أو سياسية أو شعبية أو تاريخية، أو كتباً علمية، أو كتباً تخصصية، أو مجلات وجرائد دورية، أو كتباً دينية، وهذا كله يحتاجه القارئ لتنمية شخصيته وفكره من جميع الجوانب.

وهناك نصائح تفيدك وتزودك بمتعة القراءة، فمثلاً اقرأ في المجالات التي تحبها، واقرأ في أوقات الصفاء الذهني والعقلي، ولا تعتقد في ضرورة قراءة الكتاب كاملاً، اقرأ منه ما يعجبك ويناسبك، واجعل لك كتاباً للسفر والرحلات تستفيد منه، وزود مكتبتك بالكتب المتنوعة في شتى المجالات لتنمي معلوماتك من جميع الجوانب، وكتب الأدب التي تزخر بالمتعة والفائدة.

وأما الكتاب المفيد الجيد فهو الذي يبني علماً ويشيد صرحاً، فالقراءة الجادة والكتاب النافع هو الذي يصنع العلماء والمثقفين، ولو فتشت في أحوال العلماء لوجدت أن الذي صنعهم، وأخذ بأيديهم هي تلك القراءات الجادة التي ينصرفون إليها بكرة وأصيلاً، فعن طريق إدامة النظر وغربلة ما يقرؤون والنظر الفاحص فيه حصلوا ما حصلوا.

المصدر: مجلة رابطة الأدب الإسلامي العدد 111

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين