الفيس بوك ونقلُ المحادثات

 

وهذه القضية هي من أبشع انعكاسات العالم الواقعي في العالم الافتراضي؛ وهي ليست حكرًا على العالم الأزرق بل تنتشر بكثرة في عالم الواتس اب وغيره من برامج الدردشة، وتتمثّل هذه العقدة المقرفة في نقل المحادثات الثنائية أو الجماعية خارج حدود المتحاورين أو المتحدثين على أشكال وصور مختلفة، وتتشابك فيها الغيبة والنميمة والافتراء والبهتان، وقبل أن نعرض بعض صور نقل المحادثات مع تعليق على كلّ صورة من هذه الصور لا بدّ من التأكيد على نقاط أساسيّة:

 

• إنّ عادة نقل الأحاديثِ لغيرِ حاجةٍ معتبرةٍ ولو لم يكن فيها ضرر أو أذى ماديّ أو معنويّ أو نفسيّ لأحد هو مما يجب أن يترفّع عنه الانسانُ فهو يتنافى مع أدنى درجات الذوق الرفيع والخلق الكريم؛ فكيفَ إن ترتّب عليه أذى يلحقُ بالمنقول عنه أو عنهم فوالله إنّ هذا لمن ابتلاءات الزمن المرّ وامارة انعدام الأمانة والذوق والخوف من الله تعالى الجليل الكبير المتعال.

 

• الأصلُ في المحادثات الثنائيّة التي تجري بين شخصين، أو المحادثات الجماعيّة التي تجري في المجموعات، أنَّها أمانة لا يحلّ نقلُها إلَّا بإذنِ أصحابِها ولو لم يتَواصَوا على عدم النَّقل، ولا عبرةَ بتقديرِ النَّاقلِ في أنَّها عاديّة وغير ذات قيمة، بل العبرةُ بتقديرِ المنقول عنه أو عنهم وإذنهم في ذلك، وينطبق على هذه المحادثاتِ قولُ النبيّ صلى الله عليه وسلّم: (إذا حدّث الرجل بالحديث ثم التفتَ فهي أمانة)، فكانَ مجرّد الالتفات من المتحدّث ليتأكّد أنّ هناك من ليس يسمعه سببًا في جعلِ حديثه أمانة لا يحلّ نقلها، فكيفَ إذا أوصى وتعاهد المتحادثان أو المتحادثون على عدم نقل الحديث، فإنّه والله أوثقُ عهدًا ونقلُه أعظمُ خيانةً وجرمًا.

 

ومن صور نقل المحادثات التي تجري في العوالم الافتراضية:

 

الصورة الأولى: نسخ أو تصوير المحادثة كما هي دون تغيير أو تحوير فيها، ولكنّها قد تؤدي إلى الإفساد بين النّاس وإيغار صدورهم على بعضهم أو تؤذي بعضهم معنويًا او نفسيّا او ماديًّا، أو تفسد علاقة أسريّة أو انسانيّة؛ فهذا والله هو المشي بالنميمة، فكيف إن كانَ فيها هتكُ سترٍ أو افتضاح عرضٍ فعندها فليترقّب فاعلُ ذلكَ فضيحتَه على رؤوسِ الأشهاد في الدّنيا والآخرة وما ربّك بغافلٍ عمَّا يعملون، ورضي الله عن أبي بكرٍ إذ قال: لو أخذتُ سارقًا لأحببتُ أن يستره الله، ولو أخذتُ شاربًا لأحببتُ أن يستره الله عز وجل، وقد سأل رجلٌ الحسن رضي الله عنه فقال: يا أبا سعيد، رجلٌ عَلِمَ من رجلٍ شيئًا، أيفشي عليه؟ قال متعجّبًا ومستنكرًا: يا سبحان الله!! لا.

 

الصورة الثانية: اجتزاء النقل من المحادثة، بحيث ينقلُ جزءًا من الكلام بقصدِ إيصال فكرةٍ معينةٍ للمنقولِ إليه عن المنقول عنه أو عنهم، وهذا ينمُّ عن فسادِ طويّةٍ وغيابِ أدنى درجات الوازع الإيمانيّ، وهو يدخلُ في التقوّل على المسلمِ بل على الإنسانِ ما لم يقله، وهذا تجتمع فيه النميمة والغيبة والكذب والبهتان والافتراء كلها معًا، وقد قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ ، أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ) وقد فسّر رسول الله صلى الله عليه وسلّم ردغة الخبال بأنّها عُصارة أهل النار؛ وهي ما يخرج من أجسادهم من قيحٍ وصديد، فتفكّروا أيّها الغارقونَ من حيثُ لم تنتبهوا واخرجوا من ظلماتِ هذه العقدة المهلكةِ في الدّارين.

 

#عقد_الفيس_بوك

#روحك_روحك

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين