الفصام النكد بين الاعتقاد والسلوك

أخطر قضية يُعاني منها المسلمون حاليًا هي الفصام النكد بين الاعتقاد والسلوك، والتدين المغشوش الذي يركز على المظاهر ويهمل جوهر الإسلام، وللأسف يحاول البعض من ضعاف الأنفس أن يستغل بعض مظاهر التدين مثل اللحية الطويلة والثوب القصير وعلامة الصلاة المحفورة في الجبهة والخمار أو النقاب ويجعل منها أدوات لخداع الناس وإيهامهم بأنهم يتعاملون مع أشخاص متدينين، وهم في الحقيقية يتعاملون مع أناس أخبث من الشياطين.

 

من مظاهر التدين المغشوش التمسك بالبدع والخرافات والدفاع عنها وكأنها أصل من أصول الدين، مع أنها لم ترد في الكتاب والسنة ولا في أقوال الصحابة والسلف الصالح

 

مظاهر التدين المغشوش

أبرز مظاهر التدين المغشوش هي إظهار الورع والتقوى والخشوع أمام الناس، وهي أمور ينبغي أن تنعكس على سلوك الإنسان وتعاملاته مع الآخرين، ولكن هذه الأمور تكاد تختفي عند أصحاب التدين المغشوش، فلا تجد في تعاملاتهم أي ورع أو صدق أو بعد عن ظلم الناس وأكل حقوقهم بالباطل.

 

ومن مظاهر التدين المغشوش التمسك بالبدع والخرافات والدفاع عنها وكأنها أصل من أصول الدين، مع أنها لم ترد في الكتاب والسنة ولا في أقوال الصحابة والسلف الصالح.

 

وأصحاب التدين المغشوش يحرصون على تطبيق السنة وفي المقابل يضيعون الفرائض وهي أولى بالأداء.

 

من نماذج التدين المغشوش المنتشرة في مجتمعاتنا: الموظف المرتشي الذي يعطل مصالح الناس، ويعطي الحقوق لغير أصحابها، طمعًا في لعاعة من الدنيا

 

نماذج التدين المغشوش

نماذج التدين المغشوش في مجتمعاتنا العربية والإسلامية لا حصر لها، ويأتي في مقدمتها: الرئيس المؤمن المتدين الذي يتحدث عن ضرورة تجديد الخطاب الديني، ويحرص على صلاة الجمعة، وتجده حاضرًا في المناسبات الدينية، ومع ذلك يداه ملطختان بدماء الأبرياء، وينهب أموال الشعب، ويستأثر بجزء كبير منها، ويقدم الباقي لأعداء الأمة لكي يبقى على كرسيه.

 

ومن نماذج التدين المغشوش المنتشرة في مجتمعاتنا: الموظف المرتشي، الذي يعطل مصالح الناس، ويعطي الحقوق لغير أصحابها طمعًا في لعاعة من الدنيا. ومنها: الموظف الذي يهمل في عمله، وأذكر أنه كان لي زميل في العمل كانت لحيته طويلة ويحرص على الصلاة معنا، ولقبه المشهور به هو "الشيخ فلان"، وكان من أكثر الموظفين تسيبًا وتفلتًا وإهمالًا في العمل، وقد عاتبته يومًا على ذلك فغضب مني!

 

وأكثر نماذج التدين المغشوش انتشارًا في مجتمعاتنا هي: التاجر "الحاج" الذي يحرص على الصلاة والعمرة والحج، ويغش في البيع والشراء!

 

وأسوأ نموذج للتدين المغشوش، هو: ذلك الشاب العابد الذي يحرص على الصلاة في المسجد وعلى قراءة القرآن وحضور دروس العلم، وفي المقابل يعقّ والديه وينهرهما ويسيء إليهما.

 

ومثله في السوء من ينشغل بإصلاح الناس ويكرّس حياته للدعوة في سبيل الله، ويهمل أهله ويقصر في رعاية أولاده وتربيتهم.

 

وللتدين المغشوش نصيب عند النساء، ومن نماذجه: تلك السيدة المنتقبة الورعة التي تحافظ على الصلاة وتواظب على حضور مجالس العلم، ومع ذلك تهمل حقوق زوجها وتسيء إليه أو تهمل تربية أولادها!

 

أصحاب التدين المغشوش دود ينخر في جسد الأمة، ويؤخر نهضتها، فعندما يُفقد الصدق في التعامل، ويشيع الكذب، وتضيع الأمانة، وتنتشر الخيانة بين الناس، يصبح الحديث عن النهوض والتقدم لا معنى له.

 

مخاطر التدين المغشوش

التدين المغشوش الذي يركز على المظاهر ويهمل جوهر الإسلام، أخطر على الإسلام من الكفار والمنافقين ومن جميع أعداء الإسلام، لأن هذا النمط من التدين يسيء للإسلام، ويسيء للمسلمين، ويظهرهم بمظاهر الانتهازيين الذي لا يراعون حرمة، ويرتكبون أفعالًا تتنافى مع ما جاء به الإسلام من قيم ومبادئ.

 

وأصحاب التدين المغشوش دود ينخر في جسد الأمة، ويؤخر نهضتها، فعندما يُفقد الصدق في التعامل، ويشيع الكذب، وتضيع الأمانة، وتنتشر الخيانة بين الناس، يصبح الحديث عن النهوض والتقدم لا معنى له.

 

والتدين الصحيح الذي جاء به الإسلام ودعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم لا يوجد فيه انفصام بين العقيدة والعمل، وهو ما يتضح جليًا في نصوص الكتاب والسنة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه "قيلَ للنبي صلى الله عليهِ وسلم: يا رَسولَ اللهِ! إنَّ فلانةَ تقومُ اللَّيلَ وتَصومُ النَّهارَ وتفعلُ، وتصدَّقُ، وتُؤذي جيرانَها بلِسانِها؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليهِ وسلم: لا خَيرَ فيها، هيَ من أهلِ النَّارِ. قالوا: وفُلانةُ تصلِّي المكتوبةَ، وتصدَّقُ بأثوارٍ، ولا تُؤذي أحدًا؟ فقال رسولُ اللهِ: هيَ من أهلِ الجنَّةِ"، أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (119).

 

والإسلام كل متكامل لا انفصام فيه بين الاعتقاد والعبادات والمعاملات، وعقيدة المسلم لا بد أن تنعكس على سلوكه وتعاملاته مع الآخرين من المسلمين وغيرهم، والعبادات في الإسلام لها دورها في تهذيب السلوك وإصلاح وصيانة العلاقات بين أفراد المجتمع، ومن خلال التكامل بين الاعتقاد والعبادات والمعاملات ينصلح حال الفرد وحال المجتمع.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين