الفريضة الغائبة والتوازن المطلوب - وجوب المحبة بين المسلمين
الفريضة الغائبة
والتوازن المطلوب
ما هو الأصل في التعامل بين المســـــــــــلمين ؟ الخلاف أم الاتفاق ؟ الكراهية أم المودة؟ الشقاق أم الوفاق؟
ضاعت الجهود، وضعفت القوى فـــي صراعات داخلية، فهذا يكفر ذاك، وذاك يشتم هذا، وكأّن لا عمل لدى البعض إلا الضرب فـــي الداخل، فهل هذه تعاليم الإسلام ؟ وهل جاء الإســـــلام ليُدخل المسلمين في حرب ضروس فيما بينهم ؟
وكأننا لم نكتف بما فعله عدونا من تفريقنا إلــــى دويلات صغيرة ضعيفة، حتى أخذنا نحن نعمــل على تفرقة أنفسنا فكريا إلـــــــى شــيعٍوأحزاب، وبالطبع  ـ كل حزبٍ بما لديهم فرحون ـ ولم تكن هذه الفرقة على مستوى الدول وإنما باتت فـــــي المسجد الواحد والبيت الواحد، ولســـــــــان حال البعض يقول: إن لم تكن معــــــــي فأنت ضــدي
وتتساءل: ألم تكن هذه حال العرب قبل الإسـلام ؟ فجاء الإسلام فوحَّدهم وجعلهم امةُ واحدة ؟ وأذاب كل الفروق والخلافات الجاهليـــة ونقلــهم من عصبيات وقبليات متناحرة إلى أمة متآلفـــــة متحابة فيما بينها ؟
والعجيب أن هذا الإسلام الذي وحّد وجمـع وألّف هـــــــو نفسه اتخذه البعض سببــاً للفرقة والنزاع والشقاق والبغضاء، وهـــا نحن المسلمين نحصد الثمار المُرة لهذا الزرع العجيب
1- انشغل المسلمون عن القضايا الكبرى التــــي تهدد وجودهم ، من قضية فلسطين إلـــى العراق وأفغانستان مروراً بالعولمة والأفكار المستوردة، بل حتى عن لقمة العيش التـــــــي باتت مهـــددة.
2- ازدادت الفجوة بين المسلمين أنفســـهم وانتقل التباين من تباين جغرافي إلى تباين فكري دينــي.
3- غياب الاستراتيجيــــــــــــة العملية فــي حياة المسلمين، واستسلام الكثير لواقع لا يمــلك تغيره.
4- غفلنا عــن واجب الدعوة إلــــــــى هذا الدين وتفرغت طاقاتنا فـــي مهاترات داخل الجـســـــد المسلم
5- تناسينا فــــي هذا الخضم الأقليات المســــلمة وتركناها فريسة لحملات التنصير المركزة.    
 وجوب الوحدة وتحريم الخلاف
الإســــــلام يأمر بوحدة الصف ويُــحرم الخلاف والتنازع: ( واعتصموا بحبل الله جميعـــــــــاً ولا تفرقوا)، ثم يتوعد على الفرقة، ( ولا تكـــــــونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعدما جاءتهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم ) آل عمران 105
بل اعتبر الخلاف المفضي للكراهية مــن صفات المشركين فقال: [.. ولا تكونوا من المشـــــركين. من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون] الروم 32
 ومما ينبغي معرفته أن الخلاف في الإســـــــلام ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: خلاف مرفوض، وهـــو كل خلاف يتعلق بكليات العقيدة والدين ، أو ممـــــا اصُطلح عليه (بما علم من الدين بالضرورة) كوجـــــوب الصلاة والزكاة والحجاب ونحوه.
فهذا لا يسوغ الاختلاف فيه، ومن يخالف فيـــــه يخرج عن دائرة الإسلام.
القسم الثاني: خلاف مقبول، أو ما يســمَّى بخلاف التنوع، وهذا كثيرٌ جداً فـــــــــي مسائل العبادات والمعاملات، ويكفي أن تراجع كتب الفقه حتــــى ترى الكثير.. الكثير مــــــــن مسائل الخلاف بين العلماء قديماً وحديثاً وهذا شيء طبيعـــي وعادي
لكن البعض اعتبر هذا النوع مـــــــــــن الخلاف مرفوضاً، وعليه أخذ يُعادي ويُســـــــخف كل من يُخالفه، ولا يُطيق صبراً في رؤية المخالف له في المذهب أو الفكر، وهنا حصلت الطامة وحصل الشقاق وضاعت المحبة والوئام بين المســـلمين.
بالمناسبة الصحابة لم يختلفوا في المسائل الفقهية العملية فحسب،  بل اختلفوا في بعض المســــائل العقائدية الاختلاف: هل رأى الرسول صــــــلى الله عليه وسلم ربه ليلة المعراج، حيث يثبتـــــــه ابن عباس وتنفيه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وبشدة، وغيرها من جزئيات العقيدة ولكن مـــــع هذا لم يكفر هذا الفريق ذاك، أو العكس كما هــو حاصل اليوم في مسائل أقل خطورة.
والسبب أن الصحابة رضي الله عنهم علمــوا أن من أهم الواجبات بينهم وجود المحبة والمناصحة  والرحمة، وأن الخلاف لا يفسد للـــود قضية كما يقال.
 
أدلة وجوب المحبة بين
المسلمين
المشكلة أننا نتعاطى مع النصوص الواضحــــــة الدلالة في وجوب المحبة كأنـــها تُخاطب غيرنا، وأننا لا علاقة لنا بها البتة ، ومن هذه الأدلـــــــة:
ـ قوله تعالى: ) محمد رســـــــول الله والذين معـه أشداء على الكفار رحماء بينهم ] الفتح 29 رحماء، وصف للعلاقة بين المسلميــــن
ـ وقوله تعالى: [  والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ] التوبة71 ، وأول معنــــى للولاء: الحب والمودة
ـ ويقول ممتناً على الرسول ^ [ وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما فــــــــي الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم ] الأنفال 63
ـ ويؤكد الرسول فرضية الحب بين المســــــلمين بقوله: « والذي نفسي بيده  لا تدخلـــوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أدلكم علـــــى شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم » البخاري.
 وبعض المسلمين اليوم من يتقرب إلــى الله بعدم رد السلام على أخيه المسلم ، ضـــارباً بهــذه الأحاديث عرض الحائط ومتناسياً أن ردَّ السلام من الواجبات
ـ ويُشبه المجتمع المسلم بجسدٍ واحدٍ، بـــــــروحٍ واحدةٍ ،  ببناءٍ واحدٍ :« مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى »  رواه مسلم .
 إن من يُبغض بعضه ليس سليماً، ومن يقطـــــع عضوا من جسده يُعبر عن مرضٍ عُضال.
وإذا كان البعض لم يفهم الرسالة فإن النبي صلى الله عليه وسلم، يُؤكد على أنها حـــــقٌُ وواجـــب بصريح العبارة فيقول :«حق المسلم على المسلم ست: رد السلام ، وعيـــــــــــادة المريض وإتباع الجنائز، وإجابة الدعــــــــــوة، وتشميت العاطس  والنصيحة له » متفق عليه
والحق لابدَّ من بذله وإعطائه
والنصوص كثيرةٌ وكثيرةٌ جداً، ولكّن المشـــــكلة هي أن تُفعّل هذه النصوص، وأن تُنقل مــن النظر إلى التطبيق والسلوك.
سبب هذه الفرقة
لا شك أن هناك جملةٌ من الأسباب أدت إلــى هذا الواقع من أهمها:
1ـ التأويلات الخاطئة لنصوص مشتبهة،  وربما ضعيفة.
إن المرتكز لكل فرقة في عداوتها للأخرى هـــو حديث النبي عليه الصلاة والســـــلام : ( افترقت اليهود إلى إحدى وسبعين فرقــــــــــــة وافترقت النصارى إلى اثنتين وسبعين فرقة وستفترق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة ، كلها في النار إلا واحدة، قالوا ما هي؟قال ما أنا عليه وأصحابي ) حيث تَدعي كل فرقة أنه عناها وأنها هي الفرقة الناجية وغيرها في النار، وتجدر الإشارة إلـــــى بيان مرتبة هذا الحديث، فالحديث لم يرد فـــــــي الصحيحين، وإنما رواه الترمذي وأبو داوود وابن ماجه وغيرهم
واختلف فيـــــه العلمــــاء بيـن مصحِّح ومضعف ومحسِّن، وهل ـ  زيادة كلها في النارـ مـــــــــــن الحديث ؟ أم لا ؟  فقد جاء في رواية أبي هريرة بدونها، وهذا ما جعل ابن الوزير فــــي «العواصم والقواصم» يقول عنها:  زيادة فاسدة، بل قال عنها ابن حزم الظاهري: موضوعة،  ووافقـــــــــــــــه الشوكاني، وهذا التباين جاء بناء علــــــــــــــــى الاضطراب الوارد في الروايات،  فقد جـــــــــاء بعضها ـ كلها في الجنة إلا واحدة  وبعضهــــــــا  بدون هذه الزيادة
وحتى لو قلنا بصحة الحديث فإنه لم يُكفر بقيــــة الفرق ولم يحكم بخلودها في النار، ونحن نعلــــم أن الموحد العاصي قد يدخل النار، لكنه لا يُخلــد فيها، وبالتالي لا يجوز لنا إخراجه مـــــــن دائرة الإسلام .
2ـ الفهم القاصر لنصوص القرآن والســـنة، لأن بعض نصوص القرآن مُشتبه وبعضها، منســوخ أو عام مخصص وهكذا، وعليه لا يمكن لنـــا أن نأخذ حكم الإسلام في قضية معينــــــة مــن نص واحد،  وإنما بجميع النصوص المتعلقة بهـــــــذه القضية وإلا فقد نرتكب المحرم ونحن لا ندري، من هنا تجد بعض المسلمين يحفظ نصاً متعلقــــاً بقضية ما ويعتقد أنه حكم الإسلام المطلق فيهــا، وينظر بعداوة لكل من يخالفه، متجاهلا بقيــــــــة النصوص المتعلقة بهــــــــــــــــــــــــــذه القضية
مثال ذلك ،  قرأ البعض حديث النبي صـــلى الله عليه وسلم فــــي النهي عن إسبال الإزار وأن ما تحت الكعبين هو في النار، فأخذ يُفســــق كل من طال ثوبه تحت الكعبين، وتجاهل حمل المطلـــق في هذا الحديث على المقيد في الحديث الأخـــــر (من جر ثوبه خيلاء فهو في النار )   
 ـ وهل يجـــوز للمرأة زيارة القبور؟ البعض قرأ حديث: ( لعن زوّارات القبور ) وأخذ يفسـِّــق كل امرأة زارت قبراً، وتناسى أن يجمع بين الأدلـــة كلها ليأخذ حكم الإسلام في المسألة ، وأنـــــها لا تعد عن الكراهية فقط  لوجود أدلـــــة أخرى تدل علـــــى الجواز كحديث: ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها )  متفق عليه
 وحديث مرور النبي صلى الله عليه وسلم علــى المرأة وهي تبكي على قبر ولــــدها وعدم إنكاره

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين