تكلم الناس في الغنى والفقر ، وأيهما يوصل العبد إلى ربه عز وجل .
فمنهم من اختار الغنى مع الشكر ، لعظيم فتنته وقلة صبر الناس عن السعة ووفرة الأموال .
ومنهم من آثر الفقر مع الصبر ، لتجرد العبد من علائق الدنيا ، والصبر على فقد اللذائذ استبقاء لها في الآخرة .
ومنهم من يقول هما سواء ،وأفضلهما أتقاهما .
ولست أكتب لأخوض في تلك المسألة ، فقد كتب فيها الناس وأكثروا ، وركبوا الصعب والذلول .
ومن ينظر في كتاب [عدة الصابرين ] أو [فتح الباري] أو [تفسير القرطبي] أو غيرهم سيرى مصداق ذلك .
لكني أكتب لأقول :
إن المؤمن لا ينبغي أن يبالي أركب سفينة الغنى والسعة ، أو ألقى به الفقر على ساحله .
فإن الله مدح سليمان مع غناه وشكره بمثل ما مدح به أيوب مع فقره وصبره ،
فقال عنهما في سورة واحدة
{نعم العبد إنه أواب } .
وأيوب نفسه لما ركبه البلاء صبر ،
ولما خر عليه رجل جراد من ذهب أخذ يحثو منه في حجره ويقول : " لا غنى لي يارب عن بركتك" .
ونبينا (صلى الله عليه وسلم) أكل اللحم وطاف على نسائه التسع في ليلة واحدة ، وربما ربط على بطنه الحجر من الجوع .
وكان الليث بن سعد في مصر ينفق نفقة عظيمة مع سعة ورفاهية ووجاهة ،
ومالك في المدينة قد عضه الفقر بنابه ، وقلبت له الدنيا ظهر المجن ،
فلم يشغل المال الليث عن علمه ،
ولم يستكن مالك في بيته يندب حظه ويشتكي فقره ؛
بل صار إمام أهل المدينة ونجم السنن ،
وصار الليث إمام أهل مصر ،
وطار ذكره في الآفاق .
والمقصود أنه إن أتتك الدنيا بعد السعي والجهد= فالحمد لله ولتكن مطية إلى الآخرة .
وإن انزوت عنك وآثرت غيرك عليك = فلا بأس .
كان عمر بن عبدالعزيز يقول أصبحت وليس لي سرور إلا في مواقع القدر
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول