الغُنيمي وحماية المسيحيين بدمشق وقناة السويس !

 

ليلة أمس ( ليلة الإثنين 10/4/2017) انتهينا مع مجموعة من طلبة العلم بقراءة شرح الشيخ الغُنيمي الدمشقي الميداني على متن الطحاوية مدارسةً وشرحاً وضبطاً ...وكنا قد بدأنا بقراءة الكتاب منذ شهرين ...بمعدل جلسة واحدة كل أسبوع ....

الغُنيمي هو الشيخ الفقيه الأديب اللغوي عبد الغني بن طالب بن حمادة الغُنيمي الميداني الحنفي الشهير بـ"الميداني"..... (ولد سنة 1222هـ/1807م) و(توفي سنة 1298هـ/1881م)....له مؤلفات عديدة مهمة ...منها رسائل في معالجة أهم المشاكل في عصره من الناحية الشرعية ...مثل: الأراضي الأميرية ووقف المشاع والشركات متعددة رؤوس الأموال وغيرها ....

 

كان الشيخ رحمه الله من العلماء البارزين في دمشق ...وزادت شهرته لِما قام به أثناء الفتنة التي حصلت في لبنان وسوريا عام 1860م 

ففي لبنان ـ الذي كان وقتها جزءاً من سوريا الكبرى ـ حصلت مجازر طائفية عام 1860م بين الدروز والموارنة بلبنان ....وكانت في صورها الأولى بين الفلاحين ( الموارنة) والإقطاعيين( الدروز) ...وسرعان ما تطورت لصراع طائفي ....فتم حرق المئات من القرى ...وتدمير الممتلكات والبيوت وحرق الأراضي ...وانطلق نزاع مسلح بين الموارنة من طرف وبين الدروز والسنة من طرف آخر ....وتوسّع الصراع ليشمل صيدا وزحلة وبيروت واللاذقية ...حتى وصل (مدينة دمشق )...

وصل عدد القتلى في لبنان إلى ما يربو على 11 ألفاً من الطرفين ....بينما في دمشق وصل عدد القتلى إلى أعداد كبيرة ( يقال إنها تجاوزت الـ20 ألفاً ) وتم تدمير مصانع وممتلكات ...وتهجير متبادل ...حتى إنه تم قتل ( قنصل أمريكا )و(قنصل هولندا) في دمشق ...

وفي (حي الميدان العريق) حيث كانت هناك أعداد كبيرة من المسيحيين الأرثوذكس...قام (الشيخ الغنيمي الميداني) بحماية المسيحيين ...ومنع التعدي عليهم ....فنجوا مما حدث لأقرانهم في مناطق أخرى ....بينما قام(الأمير عبدالقادر الجزائري) ـ رحمه الله ـ بفتح منزله لإيواء وحماية المسيحيين ...وقام بفتح قلعة دمشق لإيوائهم ومنع التعدي عليهم ....

كانت تلك الفتنة وما حدث من مجازر ...سبباًً لـ

1ـ فصل لبنان إدارياً عن سوريا 

2ـ إفساح المجال للتدخل الفرنسي المباشر في شؤون وإدارة لبنان 

3ـ اضطرار العثمانيين للسماح لقوة أوروبية قوامها 12 ألفاً بالتدخل للفصل بين مختلف الأطراف المتنازعة في لبنان ...وبعض المؤرخين يعتبر أن تلك القوات كانت أول قوات حفظ سلام في التاريخ 

4ـ بات حكم لبنان تحت سيطرة حكم مسيحي يُعيّن من قبل السلطان العثماني وبموافقة القوى الأوروبية، ويعاونه مجلس إداري مكون من اثني عشر عضواً من مختلف الطوائف الدينية في لبنان.

قامت السلطات العثمانية لاحقاً بمعاقبة العديد من مرتكبي الشغب والمجازر في دمشق ...فتمَّ إعدام 111 شخصاً وشنق 57 وحكم بالأشغال الشاقة على 325 شخصاً ....

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وفي عام 1869م وجّه الخديوي إسماعيل ـ حاكم مصر ـ دعوةً لكبار الشخصيات والرؤساء والزعماء والمشاهير في مختلف دول العالم لحضور ( حفل افتتاح قناة السويس ) .....وكان من جملة المدعوّين من دمشق ( الشيخ الغُنيمي) و(الأمير عبدالقادر الجزائري) رحمهما الله ...فانطلقا سويةً نحو مصر ....وحضرا حفل الافتتاح ...واستقبلهما الخديوي إسماعيل بحفاوة ....وطلب من الشيخ الغنيمي بعض الفتاوى بخصوص شق قناة السويس وبعض الأمور التنظيمية .....وهناك ( صورة نادرة) ...يظهر فيها الشيخ الغنيمي جالساً على الكرسي وبيده مسبحته ...ويظهر فيها الأمير عبدالقادر الجزائري في منتصف الصورة واقفاً وبجانبه الخديوي إسماعيل ...وحولهم بعض المهندسين وكذلك بعض المشايخ ....وقد ألحقتُ تلك الصورة النادرة( قبل 148 سنة) بهذا المنشور ....

رحم الله الشيخ الغُنيمي ....وجزاه عنا خيراً .....ونفع بمؤلفاته ....

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين