الغرور

الغرور

 

عبد الستار الزعبي

احذَرِ الغُرور؛ فإنَّهُ آفةٌ في العقلِ والشعور،

يخْدَعُ المرءَ عن حقائقِ الأمور،

ويَجْذِبُه إلى أوهامٍ فاسدةِ، ويجذِبُه إلى مزالق الشرور.

 

يُضَخِّمُ في عينيك عيوَب الآخرين،

ويُخْفِي عنك عيوبَك،

ويَغُمُّ صدرَكَ، ويُحْبِطُ أجرَك، ويزيدُ ذنوبَك.

 

إنَّهُ لونٌ مِنْ ألوانِ الكِبْرِ والجهلِ والعمى،

يعلو قلبَ مَنْ يتَّبِعُ الهوى حتى يصيِّرَهُ مُعْتِما.

 

وإن المغرورَ لجِلفٌ مستكبر؛

لا يحِبُّ مُرشِداً يُرشِدُه، ولا يأْنَسُ برفيقٍ يُسْعِدُه..

ولذلك تجدُهُ يركبُ رأسَه، ويُشهِرُ فأسَه، ويغشُّ نفسَه،

ويعتلي مجداً قائماً على الزيفِ والتزوير،

يشبهُ مجْدَ الحصانِ الخشبِيِّ الذي يعتليه الطفل الصغير.

 

وتراه إذا كان فأراً انْتَفَخ؛ ليُقالَ عنهُ هُرَيْر،

وَإِنْ كان هُرَيْراً شَمَخ، ليُقالَ عنه غُرَيْر

وتراه إذا كان صوصاً؛ يتطاولُ ويصيح،

ويزعمُ  أنه مَلِكُ الصياحِ الفصيح،

فإذا ما كبر قليلًا وصار ديكاً؛ تَوهَّمَ بأنهُ جَمَلٌ كبير، وشَرَعَ بالرُّغاءِ والهَدير..

 

إنَّ المغرورَ يعيشُ على المُبالغةِ والتصَنُّعِ والأوهام،

فهو غِرٌ لَمْ تُنْضِجْ رأيَهُ المَشُورةُ، ولمْ تصْقلْهُ تجاربُ الأيام.

 

إنَّهُ يشبهُ في حقيقةِ أمْرِه، وانْتِفاخةِ أنفِه وصدرِه؛

الفُقّاعةَ التي تظنُّ أنَّها بانْتِفاخِها ستصيرُ بحراً،

ثمَّ تظَلُّ تنتفخُ بهذا الشعور؛ حتى يفْقَأها الغرور..

ألا رحِمَ اللهُ امرَءًا عرَفَ حدَّه ووقفَ عندَه.

 

الحاكمُ المغرور؛ طاغيةٌ متجبِّر، وغبيٌ مُسْتَكْبِر،

يظنُّ وهو أحقرُ من دودةٍ تاهتْ في فَلاة،

أنه مُسَيْطِرٌ على الموتِ والحياة...وهيهات..

 

القائدُ المغرور؛ هو الذي يدخلُ المعركةَ مُتَغَطْرِسًا،

ويدفَعُ بنفسِهِ وجُندِه إلى المَهالِك

قبلَ أن يَخْبُرَ الحربَ وما يلزمها مِنْ خُطَطٍ ومسالِك،

وقبلَ أنْ يُعِدَّ العِدَّةَ لذلِك.

  

العالم المغرور؛ هو الذي يختالُ بعمامتِه وجُبتيْه،

وبما يُلْقِي المُدَلِّسُون منَ الإطْراءِ الكاذِبِ عليه،

ولذلك تراه يغيظهُ الذين يتجهون إلى القبلة؛

إِنْ لَمْ يقبِّلوا يديه، ويتَّجِهوا أيضاً إليه..

 

المِهَنيُّ المغرور؛ هو الذي يتفاخرُ بمِهنةٍ لم يُتْقِنْها،

ويدَّعي الإحسانَ بصنعةٍ لم يُحْسنْها..

 

والشاعر المغرور؛ هو الذي يَهذي بكلامٍ مُخْتلٍ في النظمِ والشعور، فإذا قيل له: نحن لا نلومُكَ فقط على

ضَعْفِ صَرْفِك ونَحْوِك، أو على اخْتِلالِ عَرُوْضِك، وإنما نلومُك أيضاً على التعَسُّفِ في القول، وعلى سُخْفِك وغُمُوضِك؛ لَمْ يأبَهْ لما قيل وزَعَمَ: أنَّ الفوضى والاختلال؛ من سِماتِ الجمال

وأنَّ ما هو فيه مِنْ مرضٍ وخَبال؛ عبقريةٌ  في الخَيال..

 

إلى آخرِ ما هنالك مما تعج به الحياة؛ من نماذج مضحكاتِ مُبكيات..

فالغرور اعتداءٌ على الحقائق،

بأسلوبٍ سخيف، أو بأسلوبٍ مُخيف،

ولكلِّ أسلوبٍ أهلُه مِنْ مَرضى الغُرور..

 

تأمَّلْتُ في واقعِ أحدِهم يوماً ووجدْتُ البَوْنَ شاسِعاً

بينَ حقيقةِ ما هو فيه، وبينَ ما يَدَّعِيه، وقلت في نفسي مُتَعَجِّبًا: يبدو أنَّ الغرورَ هبةٌ منَ الشيطانِ يمنحُها للأغبياء؛ ألا ترى كيف يكونُ واحدُهم في الدَّرْكِ الأسفل، ويظنُّ أنهُ في أعالي السماء

 

جَنَّبَني اللهُ وإيّاكم مزالِقَ الغرور، وأخرجَنا منَ الظلماتِ إلى النور، وجعلنا مفاتيحَ للخيرات مَغاليقَ للشُّرُور

(وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ).

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين