العيد عند المسلمين

 

روى ابن أبي شيبة بسنده عن الزهري. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج يوم الفطر فيكبر حتى يأتي المصلى وحتى يقضي الصلاة، فإذا قضى الصلاة قطع التكبير([1])، [ إسناده صحيح. وهو مرسل، وله شواهد يتقوى بها].

 

الأعياد في الإسلام لها صورتها الخاصة ونظامها وفلسفتها وتستمد مشروعيتها من كتاب الله وسنة رسوله محمد صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ، وتعقب أداء ركن من أركان الإسلام وشعبة من شعب الإيمان فالفطر يعقب أداء ركن الإسلام : الصوم والأضحي يعقب أداء شعبة الإيمان الحج وفي حديثنا عن خصائص شهر الصوم قلنا من ذلك أن أوَّل يوم يعقبه جعله الله تعالى عيدا و هنا يكمن سر فرح المسلمين ونشوتهم في أعيادهم حيث قد أمكنهم الله تعالى من أداء ما افترض عليهم من عبادات وأطال في أعمارهم حتى ازدادوا  إيمانا بهذه الطاعات " قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا" يونس / 58_إن الله تعالى جعل لكل قوم عيدا يعظمونه ويصلون فيه لله تعالى، وكل قوم اتخذوا عيدهم لعبا ولهوا إلا أمة محمد صلى الله عليه وسلم فإنهم اتخذوه صلاة وذكرا وبرا بالفقراء وشفقة عليهم بصدقة الفطر في عيده وتوزيع لحوم الأضاحي يوم النحر وثلاثة أيام بعده.

 

خلاصة سر التسمية للعيد بالعيد

 

      1.        لرجوعه وعودته ، أصله من عاد يعود أي رجع

      2.        لأنهم يعودون إليه مرة بعد أخرى- قاله العيني.

      3.        لكثرة عوائد الله تعالى فيهما

      4.        للعود فيه إلى المرح والفرح فهو يوم سرور الخلق كلهم

      5.        لأن كل إنسان يعود إلى قدر منزلته ألا ترى إلى اختلاف ملابسهم وهيئاتهم ومآكلهم فمنهم من يُضيف ومنهم من يُضاف

   6.    لأنه يوم شريف تشبيها بالعيد: وهو فحل كريم مشهور عند العرب وينسبون إليه فيقال: إبل عيدية            عيدية أرهنت فيها الدنانير

        7.        لعود ما كان مأمورًا به في غيره من العبادة مباحاً تركه.

        8.         لعود ما كان منهيًا عنه مباحًا فيه من نحو الغفلة والسهو.،  وعن الإكثار من العبادة.

   9.   لأنه بدون إعطاء النفس حظها من الشهوات لا يتم للإنسان سرور اليوم،  فمن حبس النفس للعبادة في يوم العيد فقد أخطأ حكمة الشارع صلوات اله وسلامه عليه ، التي طلبها لأمته في يوم العيد

 

هذا والأعياد في الإسلام مناسبة لكثير من الأمور

أولا : الصلاة

وقد شرع الله تعالى لعباده صلاة العيد يوم العيد، وهي من تمام ذكر الله تعالى. وهي سنة لا ينبغي لمسلم تركها. بل ذهب فريق من أهل العلم إلى وجوبها؛ بدليل ما ورد عن أم عطية – رضي الله عنها – قالت: "أمَرَنا – تعني النبي صلى الله عليه وسلم – أن نُخرج في العيدين العواتق، وذوات الخدور، وأمر الحيض أن يعتزلن مصلى المسلمين"([2]) والأمر بالخروج يقتضي الأمر بالصلاة لمن لا عذر لها، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أمر النساء، فالرجال من باب أولى..وقد دل حديث أم عطية رضي الله عنها – المتقدم – على مشروعية حضور النساء صلاة العيد. بشرط أن يكون ذلك على وجه تؤمن معه الفتنة بهن ومنهن، فيخرجن غير متطيبات، ولا متبرجات بزينة، بعيدات عن أماكن الرجال. وعلى المسلم أن يتذكر باجتماع الناس لصلاة العيد، اجتماعهم على صعيد واحد. يوم البعث والجزاء، يوم يقوم الناس لرب العالمين. ويتذكر بتفاضلهم في هذا المجتمع، التفاضل الأكبر في الآخرة، قال الله تعالى: }انظر كيف فضّلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا{. قال تعالى{قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين} الأنعام:162 - 163.  قيل: المراد بالصلاة هنا : صلاة العيد. والنسك جمع نسيكة، وهي الذبيحة، كذلك قال مجاهد والضحاك وسعيد بن جبير وغيرهم وفي سورة الكوثر/ 2 قال تعالى {فصل لربك وانحر}. أي : أعبد ربك، وانحر له، كما أن المراد بالصلاة هنا : أيضا صلاة العيد  أي عيد الأضحي أرأيت كيف أن يوم العيد عند المسلمين يكون محلا للصلاة والذكر والتكبير. ولا صلاة قبل صلاة العيد هذه ولا بعدها  لما في "الصحيحين"، من حديث ابن عباس رَضِيَ الله عنهما : أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرج يوم الفطر، فصلى ركعتين لم يصلِّ قبلهما ولا بعدهما. وفي موطأ مالك رحمه الله تعالى . قال الزهري: لم أسمع أحداً من علمائنا يذكر أن أحداً من سلف الأمة كان يصلي قبل صلاة العيد وبعدها. هذا وصلاة العيد من كل عام في العيدين إنما يبدأ وقتها بعد شروق الشمس بعشرين دقيقة تقريبا وتصح فرادى لمن لم يشهد جماعتها كما أنها لا تفوت بفوات الجماعة.

 

ثانيا : المظاهرة وتكثير سواد المسلمين

في مثل هذا الحشد الجامع من المسلمين الذين يلتقون على محبة ومودَّة ومناسبة سعيدة أبهي صورة وأجمل هيئة تلك التي يجتمع فيها المسلمون مع اختلاف جنسهم على ذكر الله وأداء صلاة العيد وإعلان التكبير وشعار الإسلام  يُشارك في هذا الجمع كل المسلمين  الرجال والنساء ، الكبار والصغار على السواء  والذكور والإناث حتى الحُيَّض منهم كل ذلك لتكثير سواد المسلمين وهن وإن لم تكن عليهن صلاة لعدم توفر شرط الطهارة فإنهن يذكرن ويكبرن الله تعالى ويسمعن الموعظة ويتجاوبن مع الدعوة العامة لفعل الخير وعمل البر في الصحيحين: أنَّ رسولَ اللَّه صلى اللّه عليه وسلم أمر الحُيَّضَ بالخروج يومَ العيد فيشهدْنَ الخيرَ ودعوةَ المسلمين.‏ حتى إن المرأة التي لا تجد من الثياب ما تخرج فيه لشهود هذه الخير سنَّ لها النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أن تستعير من أختها من الثياب ما تخرج فيه ولا تغيب عن هذا الجمع المبارك مع نسوة أخريات  يكثر بهن سواد المسلمين في سنن أبي داود كتاب الصلاة  باب خروج النساء في العيد من حديث أُمّ عَطِيّةَ  رَضِيَ الله عنها قالت: "أمَرَنَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ نُخْرِجَ ذَوَاتِ الْخُدُورِ يَوْمَ الْعِيدِ، قِيلَ: فالْحُيّضُ؟ قال: لِيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ المُسْلِمِينَ، قال فقالت امْرَأةٌ: يارسولَ الله إنْ لَمْ يَكُنْ لأحْدَاهُنّ ثَوْبٌ كَيْفَ تَصْنَعُ؟ قال: تُلْبِسُهَا صَاحِبَتُهَا طَائِفَةً مِنْ ثَوْبِهَا".‏

 

ثالثا : العيد مظهر من مظاهر الوحدة والجماعة

عند الترمذي في سننه ( "الفطر يوم يفطر الناس والأضحى يوم يضحي الناس") قال الترمذي: فسر بعض أهل العلم هذا الحديث   فقال الصوم والفطر مع الجماعة وعظم الناس انتهى. وجاء في سبل السلام: فيه دليل على أنه يعتبر في ثبوت العيد الموافقة للناس وأن المنفرد بمعرفة يوم العيد بالرؤية يجب عليه موافقة غيره ويلزمه حكمهم في الصلاة والإفطار والأضحية انتهى

 

رابعا: الذكر والتكبير في أيام العيد

من أعمال المسلمين في أعيادهم الذكر والتسبيح والتهليل لله تعالى فلا يغفل المسلمون عن ذكر الله تعالى  أيام مرحهم وساعات ترويحهم عن أنفسهم  فقد قال تعالى في آيات الصيام بعد بيان عدَّة أيام الصيام والمطالبة بإكمالها أقول بعد ذلك جاء الأمر بالتكبير والشكر لله تعالى في سورة البقرة/185 " ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون}" و قال تعالى في آيات الحج من سورة الحج "لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ {37} الحج روى ابن أبي شيبة بسنده عن الزهري. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج يوم الفطر فيكبر حتى يأتي المصلى وحتى يقضي الصلاة، فإذا قضى الصلاة قطع التكبير([3])، [ إسناده صحيح. وهو مرسل، وله شواهد يتقوى بها]. الحديث دليل على مشروعية التكبير جهراً في الطريق إلى مصلى العيد وكذا إذا أتى المصلى إلى أن تقضي الصلاة. وقد شرع الله تعالى لعباده التكبير عند إكمال عدة رمضان من غروب الشمس آخر يوم من رمضان ودخول ليلة العيد إلى صلاة العيد. قال تعالى: }ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلّكم تشكرون{ وصفته أن يقول الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد. ويسن الجهر به وإظهاره في المساجد والمنازل والطرقات وكلّ موضع يجوز فيه ذكر الله تعالى. قال النووي رحمه الله تعالى في أذكاره (ويستحبّ التكبير ليلتي العيدين، ويُستحبّ في عيد الفطر من غروب الشمس إلى أن يُحرم الإِمام بصلاة العيد، ويُستحبّ ذلك خلفَ الصلواتِ وغيرها من الأحوال. ويُكثر منه عند ازدحام الناس، ويُكَبِّر ماشياً وجالساً ومضطجعاً، وفي طريقه، وفي المسجد، وعلى فراشه، وأما عيدُ الأضحى فيُكَبِّر فيه من بعد صلاة الصبح من يوم عَرَفة إلى أن يصليَ العصر من آخر أيام التشريق، وَيُكَبِّر خلفَ هذه العَصْرِ ثم يقطع).

 

خامسا: التبرؤ من المشركين لا التشبه بهم

لقد وقع الإعلام ببراءة الله تعالى ورسوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم من المشركين لتحريفهم  الكلم عن مواضعه ولصدهم عن سبيل الله وقع هذا في يوم العيد يوم الحج الأكبر قال تعالى: {وأذان} أي إعلام {من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله} قال البيضاوي: أي يوم العيد لأن فيه تمام الحج، ومعظم أفعاله، ولأن الإعلام كان فيه، ولما روى أنه عليه الصلاة والسلام وقف يوم النحر عند الجمرات في حجة الوداع فقال هذا يوم الحج الأكبر. يفهم المسلم هذا  من سيرة سيد المرسلين سيدنا محمد صلَّى الله عليه وآله وسلَّم في الوقت الذي تشهد فيه التجمعات الإسلامية تشابها ومحاكاة للمشركين في أعيادهم من الاختلاط  والتبرج والسفور إلى آخر ما هنالك

 

‏سادسا : تجديد العهد مع الله في العيد

وقد كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يتعاهد النساء يوم العيد بالبيعة التي سجلها الله تعالى في كتابه ، كما روى البخاري، عن ابن عباس، - رضي الله عنهما - قال: شهدت الصلاة يوم الفطر مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان، فكلهم يصليها قبل الخطبة ثم يخطب بعد، فنزل نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فكأني أنظر إليه حين يجلس الرجال بيده، ثم أقبل يشقهم حتى أتى النساء مع بلال فقال: {يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن باللّه شيئاً ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف} حتى فرغ من الآية كلها، ثم قال حين فرغ: "أنتن على ذلك؟" فقالت امرأة واحدة ولم يجبه غيرها: نعم يا رسول اللّه، قال: فتصدقن، قال: وبسط بلال ثوبه، فجعلن يلقين الفتخ والخواتيم في ثوب بلال (أخرجه البخاري). وهي هي البيعة التي أخذها على الرجال عن عبادة بن الصامت قال: كنا عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في مجلس فقال: "تبايعوني على أن لا تشركوا باللّه شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم – قرأ الآية التي أخذت على النساء إذا جاءك المؤمنات – فمن وفى منكم فأجره على اللّه، ومن أصاب من  ذلك شيئاً فعوقب به فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئاً فستره اللّه عليه فهو إلى اللّه إن شاء غفر له وإن شاء عذبه" (أخرجه البخاري ومسلم).

 

سابعا: لإقامة الحجة على حقيقة التوحيد

وهو صنيع موسي عليه السلام كما حكى الله تعالى ذلك عنه فقال تعالى {فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى، قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى، فأجمعوا كيدكم ثم أتوا صفا وقد أفلح اليوم من استعلى}طه: 62 – 64. والمعنى :ائتوا المُصلَّي - صفوفا ليكون أشد لهيبتكم  - وهو الموضع الذي تجتمعون فيه يوم العيد ولهذا يُقال ليوم العيد: يوم الصف.

 

ثامنا : مناسبة لتغيير المنكر لا لشيوعه

كما حدث من إبراهيم عليه السلام ‏وقد حكاه الله تعالى فقال {وإن من شيعته لإبراهيم، إذ جاء ربه بقلب سليم، إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون، أإفكا آلهة دون الله تريدون، فما ظنكم برب العالمين، فنظر نظرة في النجوم، فقال إني سقيم، فتولوا عنه مدبرين} الصافات: 83. ورد أن ملكهم أرسل إليه إن غدا عيدنا فاخرج معنا، فلما كلفوه الخروج معهم تفكر فيما يعمل. فنظر إلى نجم طالع فقال: إن هذا يطلع مع سقمي. وأراد سقيم النفس لكفرهم. (وهذا فيه تورية وتعريض) ؟؟ثم توجه إلى الأصنام التي يعبدونها من دون الله تعالى فحطمها قال تعالى  {فراغ إلى آلهتهم فقال ألا تأكلون، ما لكم لا تنطقون، فراغ عليهم ضربا باليمين، فأقبلوا إليه يزفون، قال أتعبدون ما تنحتون، والله خلقكم وما تعملون} الصافات: 91 – 96. وقال عز من قائل : "فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلَّا كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ {58} الأنبياء إذا قد كان ذلك من إبراهيم عليه السلام في يوم العيد.

 

تاسعا: لهو مباح ولعب مشروع

في ‏تهذيب سنن أبي داود، لابن القيم /كتاب الصلاة. /باب صلاة العيدين. عن أنَسٍ رضي الله عنه قال: "قَدِمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلعَبُونَ فيهِمَا فقال: مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟ قالُوا: كُنّا نَلْعَبُ فِيهِمَا في الْجَاهِليّةِ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: إنّ الله قَدْ أبْدَلَكُم بِهِمَا خَيْراً مِنْهُمَا: يَوْمَ الأضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ".‏ولقد ورد أن الحبش كانوا يلعبون بالدرق والحراب في المسجد يوم العيد، والنبي صلى اللّه عليه وسلم ينظر. وعائشة رَضِيَ الله عنه تنظر إليهم من ورائه وهو يسترها منهم حتى ملّت ورجعت، ودخل أبو بكر في بيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على عائشة رضي اللّه عنها وعندها جاريتان من جواري الأنصار تغنيان؛ فقال أبو بكر: أبمزمور الشيطان في بيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؟ فقال: (دعهما يا أبا بكر، فإنه يوم عيد).

 

عاشرا: الزينة والتجمُّل

قيل: في يوم الفطر يستحب للمرءِ ستة أشياء أن يغتسل ويستاك ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه ويؤدي فطرته ويتناول شيئاً ثم يخرج إلى المصلى.وهذه الأشياء مستحبة يوم الأضحي لكن بدلا من أن "يؤدي فطرته ويتناول شيئاً " لا يتناول شيئا حتى يرجع فيتناول من أضحيته ، هذا ولقد اختار موسي عليه السلام اليوم الذي يتجملون فيه ويتزينون فيه ليُقيم عليهم حجة الله تعالى عند ابن أبي حاتم، عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله تعالى  {موعدكم يوم الزينة} قال: يوم العيد، يوم يتفرغ الناس من الأعمال، ويشهدون ويحضرون ويرون. ومن المعلوم بداهة أن أصحاب المهن والحرف لهم ثياب خاصة بمهنهم لا يتناسب معها التزيُّن والتجمُّل وعليه فلا بد لهم للتزيُّن والتجمُّل من التفرغ حتى يتسنى لهم التجمُّل والتزيُّن والالتقاء والاجتماع على أبهى زينة وأجمل حُلَّة وهذا لا يتأتي إلاَّ مع التفرغ من الأعمال تماما حتى سمِّي اليوم الذي يتم فيه ذلك بيوم الزينة وأتم ما يكون يوم العيد لشيوع المعنى فيه .وقال تعالى( يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ) الأعراف/31 -: لهذه الآية وما ورد في معناها من السنّة يستحب التجمل عند الصلاة، ولا سيما يوم الجمعة، ويوم العيد، والتطيب لأنه من الزينة، والسواك لأنه من تمام ذلك، ومن أفضل اللباس البياض، كما روى الإمام أحمد عن ابن عباس – رضي الله عنهما - مرفوعاً قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "إلبسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم، وإن خير أكحالكم الإثمد فإنه يجلو البصر، وينبت الشعر" ويروى أن تميماً الداري اشترى رداء بألف وكان يصلي فيه.وعند البخاري، قال ابن عباس: كل ما شئت، والبس ما شئت، ما أخطأتك خصلتان: سرف ومخيلة. وإن اللّه يحب أن يرى أثر نعمته على عبده" (رواه أحمد والنسائي وابن ماجه)،هذا وقد استدل البخاري رحمه الله تعالى على التجمل في العيدين بحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ عمر جبة من إستبرق تباع في السوق فأخذها فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ابتع هذه تجمل بها للعيد والوفود، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما هذه لباس من لا خلاق له" الحديث، ووجه الاستدلال به من جهة تقريره صلى الله عليه وسلم لعمر على أصل التجمل للعيد وقصر الإنكار على لبس مثل تلك الحلة لكونها كانت حريراً‏ .روى ابن أبي الدنيا والبيهقي بإسناد صحيح إلى ابن عمر أنه كان يلبس أحسن ثيابه في العيدين، كذا في فتح الباري. وقال محمد بن إسماعيل الأمير في سبل السلام: يندب لبس أحسن الثياب والتطيب بأجود الأطياب في يوم العيد لما أخرجه الحاكم من حديث الحسن السبط قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العيدين أن نلبس أجود ما نجد، وأن نتطيب بأجود ما نجد،هذا ويتبع التزيًّن والتجمُّل في الظاهر العناية بالنظافة الباطنية من الاغتسال وتقليم الأظافر ونتف الإبط إلى غير ذلك مما يتطلبه لقاء الناس بصورة كريمة وهيئة حسنة تجعل صاحبها يألف ويُؤلف هذا ومن الاغتسالات المسنونة غسل العيدين وكان ابن عمر رَضِيَ الله عنهما يتعاهد نفسه بهذه الاغتسالات  روى مالك في الموطأ عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلي. وهو الأشد تتبعا للسنن.

 

أحد عشر: أكل وشرب بضوابط الشرع

لقد ورد الشرع بتحريم صيام هذين اليومين فعند مالك في موطئه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه صلَّى العيد قبل أن يخطب بلا أذان ولا إقامة ، ثم انصرف فخطب ، فقال: إن هذين اليومين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما ، يوم فطركم من صيامكم، والآخر يوم تأكلون من لحوم نسككم أي من أضحيتكم، قال ابن عبد البر في هذا الحديث أن الضحايا نسك وأن الأكل منها مستحب.  والنهي عن الصيام  هنا :نهي تحريم. ولهذا من السنة في يوم الفطر أن يأكل المسلم قبل أن يغدو إلى المًصلَّى أو قبل أن يُصلي صلاة العيد شكرا لله تعالى الذي أباح له ما كان محظورا عليه فبالأمس كان صائما واليوم أصبح مفطرا  والأمر لله من قبل ومن بعد .  والمعنى هنا أن يفقه المسلم أن القبض لليد عن الطعام والبسط لها إلى الطعام لا يتأتي بمجرد وجود الطعام بل لا بد من الأمر الإلهي فتكون حركة اليد بل والجسم كله دائرة مع الأمر الإلهي حيث دار فليس مجرد وجود الطعام كافيا لبسط اليد نحوه ولذلك  نظائر كثيرة وشواهد في الوحي قال تعالى " وما نتنزَّل إلاَّ بأمر ربك له ما بين أيدنا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا " مريم / 64. هذا عن أيام العيد يوم الفطر  وعن أيام عيد الأضحي يوم النحر فالأمر فيه بخلافه على ما فيه من استحباب الفطر على شيء من أضحيته كذا في قوت المغتذي (ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي) وفي رواية ابن ماجه: حتى يرجع، وزاد أحمد: فيأكل من أضحيته، ورواه أبو بكر الأثرم بلفظ: حتى يضحي، كذا في المنتقى والنيل. وفي رواية البيهقي: فيأكل من كبد أضحيته، كذا في عمدة القاري، ورواه الدارقطني في سننه وزاد: حتى يرجع فيأكل من أضحيته، وهي زيادة صحيحة صححها ابن القطان كما في نصب الراية. وقد خصص أحمد بن حنبل استحباب تأخير الأكل في عيد الأضحى بمن له ذبح، إن كان له أضحية كما في رواية أحمد.  والحكمة في تأخير الفطر في يوم الأضحى  أنه يوم تشرع فيه الأضحية والأكل منها فشرع له أن يكون فطره على شيء منها قاله ابن قدامة. قال الزين بن المنير: وقع أكله صلى الله عليه وسلم في كل من العيدين في الوقت المشروع لإخراج صدقتهما الخاصة بهما، فإخراج صدقة الفطر قبل الغدو إلى المصلى، وإخراج صدقة الأضحية بعد ذبحها. وعن البراء بن عازب قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا ( يوم النحر ) أن نصلي (صلاة العيد ) ثم نرجع فننحر(وذلك بيان لمشروعية الأضحية ، والسنة فيها أن يكون للفقراء منها ثلثها والأحبة منها ثلثها الثاني هديَّة ولأهل البيت منها ثلثها الثالث أكلا وطهيا وادخارا ) ، فمن فعل فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء" ( وكناحية تنظيمية تعبدية طالب الشرع بأن تكون الصلاة أولا ويكون الذبح ثانيا (أخرجاه في الصحيحين)، وأيام التشريق الثلاثة لا يجوز صيامها لما رواه مسلم، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : "أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر اللّه عزّ وجل".

 

ثاني عشر :  ورود العيد في القرآن الكريم

هذا والموضع الوحيد الذي وردت فيه كلمة العيد في القرآن الكريم صريحا في سورة المائدة في قوله تعالى"إذ قال الحواريون يا عيسي يا بن مريم هل يستطيع ربك أن يُنزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين ، قال عيسى بن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين}. المائدة/14-16- والمعنى: تكون لنا عيدا، نعبد ربنا في اليوم الذي تنزل فيه ونصلي له فيه، كما يعيد الناس في أعيادهم. وقوله: {وآية منك} معناه: وعلامة وحجة منك يا رب على عبادك في وحدانيتك، وفي صدقي على أني رسول إليهم بما أرسلتني به. {وارزقنا وأنت خير الرازقين} وأعطنا من عطائك، فإنك يا رب خير من يعطي وأجود من تفضل، لأنه لا يدخل عطاءه منٌّ ولا نكد.

هذا وبالله التوفيق وكل عام أنتم والأمة الإسلامية جمعاء بخير وعافية.

 

([1]) مصنف ابن أبي شيبة (2/164)، وانظر: لشواهده "السلسلة الصحيحة" رقم (171) وإرواء الغليل (3/122).

([2]) أخرجه البخاري (980 فتح) ومسلم (890).

([3]) مصنف ابن أبي شيبة (2/164)، وانظر: لشواهده "السلسلة الصحيحة" رقم (171) وإرواء الغليل (3/122).

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين