العنف والإصلاح والثورة ثلاثية التغيير والمحصلة صفر


جرب المصريون – أو مجموعات منهم على الأقل – طرق ثلاثة في محاولتة لتغيير الأوضاع السياسية السائدة منذ ستة عقود، ونستطيع أن نقول: إن النتيجة إلى الآن، ولم تسفر أي من الطرق الثلاثة عن التغيير المنشود. 
الطريق الأول: العنف. 
جرب شباب الجماعات الإسلامية فكرة التغيير بالقوة، سواء تغيير المنكرات السلوكية، أو محاولة تغيير النظام، حملوا السلاح، فجروا بعض الأماكن، قتلوا بعض رجال الأمن، اغتالوا الرئيس السادات، عطلوا السياحة ... كانت بعض هذه الأعمال عنفا مقصودا ابتداء، أو رد فعل على عنف الدولة، أو مظهرا من مظاهر انسداد الأفق السياسي. عارض هذه الوسيلة جمهور الإسلاميين، وقاتلتها أجهزة الدولة، وقتلت كثيرا من أصحابها، وألقت بالبقية منهم في السجون لعقود، مسجونين بأحكام قضائية، أو معتقلين بأوامر تعسفية. 
انقضت التجربة بمراجعات لجماعات العنف، أنهم كانوا مخطئين في اعتماد هذا المنهج طريقا للتغيير. 
الطريق الثاني: الإصلاح. 
التغيير المتدرج بالوسائل السلمية والدستورية المتاحة، تغيير المجتمعات، بالتوعية الفكرية، والدعوة الإسلامية، والجمعيات الخيرية، والمؤسسات النقابية. والتغيير السياسي، بالصحف السياسية، والمظاهرات السلمية، والانتخابات المحلية والبرلمانية. 
اعتمد هذا النهج جماعة الإخوان المسلمين، كبرى الجماعات الإسلامية المعاصرة، واحرزت نسبيا على أصعدة مختلفة، غير أن هذا النجاح كان مرهونا بالمساحة التي تسمح بها الدولة، وطريقه طويل، لا يدرى متى يبلغ منتهاه. 
الطريق الثالث: الثورة. 
لم يكن يخطر هذا الطريق على بال، إنه مثل الزلزال، لا يستطيع أن يتنبأ أحد بوقت حدوثه، غير إنه عند تعدد الهزات الأرضية، قد يكون هذا إيذانا بمجيء زلزال كبير، وقد لا يكون. 
إنه طريق يختصر الزمن اختصارا، حبل النجاة للغريق في اللحظات الأخيرة حين يشرف على الهلاك، قد يستطيع الإمساك به، وقد تخور قواه قبل ذلك. فوجئ الجميع أنهم في طريق الثورة، وأن أحلام التغيير البعيدة المنال قاب قوسين أو أدنى. 
* * * 
تحقق للجميع التغيير المنشود، أو هكذا يبدو، وظن أهل الثورة أنهم قادرون عليه، وعاش الوطن عامان ونصف من الحرية، مليئة بالأخطاء من الجميع نعم، لكن كل الأخطاء قد تغتفر في مقابل الحرية المفقودة لقرون من الزمان. 
وعلى حين غرة من الثوار، عاد النظام القديم كأعنف ما يكون، وألغى في طريق عودته النجاحات الجزئية التي حققها طريقي الإصلاح والثورة كلاهما، وبدت الأمور كما كانت قبل ستة عقود.
يرسل النظام القديم رسالة للجميع: وفروا جهودكم، واربحوا سلامة أنفسكم، فلا سبيل للتغيير، مهما تعددت الطرق. 
فهل من سبيل للتغيير؟

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين