العلمانيَّة والفخ القادم

 

إذا كانت العلمانيَّة تعني في الأصل فصل الدين عن الحياة ووقوف الدولة العلمانيَّة على مسافة واحدة من جميع الديانات والاثنيات فليست مع ولا ضد، مع ضمان الدولة لهم حريتهم الشخصية وكل ما يستلزمه انتماؤهم من حيث عبادتهم ولباسهم وطعامهم وشرابهم وما يتعلق بأحوالهم الشخصية من سلوكيات، واحترام مقرَّات عباداتهم وممارسة شعائرهم التعبدية، وجمعياتهم وأنشطتهم الدينيَّة والثقافيَّة، بل وأحيانا تقوم الدولة بتقديم المساعدة لمن يحتاجها لتحقيق ما يَصبو إليه من خصوصيَّات، وحتى في مجال نشر الأفكار ودعوة الآخرين.

قلت: هذا هو الأصل في العلمانيَّة، ولكن تطبيقات العلمانيَّة في واقع الدول في القرن الأخير كان مُتفاوتاً جدا بل مُتباينا أحياناً فهناك العلمانيَّة المعتدلة، والعلمانية المُتطرِّفة التي لا يَصْدُق بحقها إلا الاسم فحسب.

 فمثلا: العلمانيَّة التي نصَّ عليها دستور الدولة التركية التي أسَّسها أتاتورك استهدفت الإسلام وشريعته، والمسلمين على وجه الخصوص، فإلغاء الأذان بالعربية، والمحاكم الشرعية، والمعاهد الدينية، وإغلاق دور العبادة، ومنع اللباس الإسلامي للرجال والنساء، وإلزامهم بالزي الأوروبي، وإلغاء الحَرْف العربي، وتعليق العلماء على المَشَانق، وتسهيل سبل العُهْر والرذيلة بكل أشكالها، كل ذلك باسم العلمانيَّة. 

وأما العلمانية التي تبنَّاها النظام السوري لاسيما في ظل العائلة الأسديَّة فهي من لون أخر، فهي تستهدف الإسلاميين على وجه الخصوص، كما تستهدف كل الأحرار الذين لا يَدينون للنظام الأسدي بالولاء والطاعة، وكذلك قتل وإضعاف الشعور الديني وتشجيع الانحلال الخلقي، ونشر العهر والرذيلة من خلال وسائل الإعلام المُختلفة ومعسكرات الطلائع والشبيبة المُختلطة طلابا وطالبات، مدرسين ومدرسات، والحرص على ذلك في الثانويات والجامعات، والعمل على مسخ مادَّة التربية الإسلامية في المدارس وتفريغها من مُحتواها الديني تماماً، ومُتابعة مَنَاهج الثانويَّات الشرعية بحيث لا تنفك عن التمجيد والإشادة بالحركة التصحيحيَّة وقيادة آل الأسد التاريخيَّة بدءاً من المقبور حافظ الأول وباسل وبشار وحافظ الثاني وهكذا... 

 ونرى اليوم تلويحاً وتصريحاً من الدول الكبرى وغيرها عن الدولة السورية العلمانية المرتقبة، فأي علمانية يريدون؟! وأي نموذج يقصدون! إنه نفق جديد يُراد للشعب السوري المُناضل في سبيل حرِّيته وكرامته أن يَدْخله.. كان الله في عوننا، وما لنا غيرك يا الله.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين