العلاقة بين علماء السلطان و طغاة النظام في الشام -3-

      بسم الله ,الحمد لله ,و الصلاة على رسول الله صلى الله عليه و سلم:

 

          أما بعد فإن بدهية  انحراف النظا م  الجاسم على صدور أهالي الشام و إعلان حربه على الإسلام لا تحتاج إلى كثير نظر استدلال , وهي أوضح دلالة من نار على علم ,اللهم إلا إذا كانت العين تنكر ضوء الشمس من رمد!

          فحينئذ قد يرد الخلط بسبب مرض في الباصرة,و قد يكذب الإنسان الخبر عن جهل, أو قد يجادل و يماحق على طريقة مشركي مكة و سائر الطغاة المستكبرين, لا لأن الأمر كذلك ,بل لأن صاحب المناورة هذا لا يريد أن يقر بالحقيقة ,و لا يبحث عنها لعلة ما يكشفها الباري عز وجل في يوم قريب أو بعيد!                   

 

          إن تأسيس جبهة في الشام  يرعاها النظام من فريقي العلماء و أدعياء العلم على السواء, يجلس أفرادها  على طاولة واحدة,  يؤدون  طقوسا واحدة, يسعون إلى غرض واحد هو الدفاع عن جرائم هذا النظام ,و تثبيط عزائم الشباب عن الالتحاق بركب الثورة,,,,,,,, إن تأسيس هذه الجبهة المشبوهة في جانب ,و المغلوب بعض أبنائها في جانب آخر لا يعني أنهم بالضرورة على حق, كمالا يلزم معه أن غيرهم على باطل ,لأن النظام هو النظام في جبروته و دمويته و إرهابه فلا يجمله (ماكياج)  نفاق أهل الأرض جميعا, لأن الباطل لا يستحيل إلى حق بتدخل المزينين في قبح وجهه كما لا تستحيل العجوز الشمطاء إلى شابة جميلة بدخولها إلى أرقى مراكز التجميل العالمية,فكيف إذا أضافت إلى قبح وجهها سيرة خبيثة فاسدة هي أشد تشوها من وجهها القبيح؟

 

       كما أن الباطل لا يستحيل إلى حق بتلاعب بعض الرجال الموظفين لتحسين صورته. قال الإمام الشاطبي: " يقاس الرجال بالحق ,ولا يقاس الحق بالرجال" إن ميزان الحق هو الشريعة و ضوابطها و ليس رجالا اشتراهم  أو هددهم أو ضحك على لحاهم النظام .

 

       ذلك أن لتنكب  الناس عن الحق أسبابا متعددة ,لكنها تؤدي في النتيجة إلى صورة واحدة عند أصحابها هي انحرافهم عن جادة الحق , و انحيازهم إلى ضلال الباطل ,و هو ما يترتب عليه الجزاء الدنيوي و الأخروي  و ذلك من أدق مقاييس العدالة الإلهية ,و هو أن الله_عز وجل_ لا يستحي من الحق , و أنه يثيب أهله, و يعاقب مناوئيه,و أن سلطانه على الوجود مبسوط ,لا راد لقضائه,لا يسأل عما يفعل و هم يسألون.

 

       إن المنزلقات التي قد تقف وراء انحدار أصحابها إلى مستنقعات الضلال و التيه ليست على هيئة واحدة لكنها على صور لأن المعاند إما أن يفعل ذلك ابتغاء عصبية عمياء لا غير ,رافضا الخروج من قوقعتها,  بعد أن صارت جزءا من  شخصيته وموروثاته الثقافية!

 

       إن من كان منتميا لهذه الشريحة الثقافية المتعصبة من العلماء ليس بالضرورة أن تعود عليه فائدة  دنيوية لكنه متقوقع في مستنقعات قول موروث عن العوام رباه عليه أبوه و جده: (كل من تزوج أمي فهو عمي)متجاهلا أو جاهلا بأن الكافر لا يجوز له أن يتزوج أمي  و لو أنه فعل ذلك فلن يحمل شرف عمي أبدا, ولن أنتسب إليه يوماً, و مصير هذا العقد هو التفريق بين المعتدي و المعتدى عليه,و هو المعني بقوله صلى الله عليه وسلم:(إلا أن تروا كفرا بواحا لكم فيه من الله برهان)       إن هذا الصنف  من البشر لا يفعل شيئا سوى أن يغمض عينيه عن الحق مكبلا نفسه بأغلال التقليد الأعمى لذا فهو عبد لموروثاته المتعفنة التي ما أنزل الله بها من سلطان,لا يستطيع عن مساره خروجا ! و في هؤلاء يقول الباري عز و جل_في سورة البقرة_:"و إذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا و لا يهتدون"_الآية 170.

 

       أو أن المعاند يجحد الحق  بسبب مرض الكبر والاستعلاء  مما يجعله في جادة الصنف السابق و يمنعه من الانقياد لركب الحق و أهله! و عن هذا الصنف الفاسد يحدثنا البيان الإلهي حين يقول: "و جحدوا بها_و استيقنتها أنفسهم_ ظلما و علوا", فواقع الحال أنهم جحدوا بآيات الله, و علة الجحود الظلم و العلو, لذلك وقعت لفظة "ظلما"في إعرابها مفعولا لأجله ,أما في قرارة أنفسهم فقد أيقنوا بصدق آيات الله تعالى, لهذا وقعت الجملة  السابقة في قوله تعالى: "و استيقنتها أنفسهم " جملة اعتراضية بين جحودهم و علة ذلك الجحود.

      و إما أن يقع تأبيهم للحق من باب المصالح الدنيوية التي ألحقتهم بالباطل بحيث صاروا له في التبعية كالذيل من جسد الدابة , فهو يسير معه حيث يسير,و ينحرف حيث انحرف, يلوح به صاحبه في وجوه الآخرين كيف يشاء يمنة و يسرة دون أن يملك الذنب انفكاكا أو اعتراضا أو حرية في الاختيار ,لأنه ذليل حقير منقاد اختار لنفسه هذا الطريق, و من ثم صار عاجزا كل العجز عن الرجوع عنه فضلا عن تبديل المسار ,وهو بهذا لم يفقد فرصة الرجوع إلى الحق فحسب ,و إنما فقد كذلك القيمة الإنسانية و الاجتماعية بين خلق الله جميعا, فخسر الدين و الدنيا معا ,فهو عند الله تافه لا قيمة له .و مع الحلقة الرابعة بإذنه تعالى.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين