العلاقات الاجتماعية في الإسلام (3)

 

ثالثًا: الثواب المترتب على العلاقات الاجتماعية في اليوم الآخر

إن سائر الأعمال الصالحة من عبادات أو أعمال خير لها دور في نجاة المؤمن من أهوال يوم القيامة، فسائر الأعمال الصالحة هي طريق المؤمن إلى الجنة، وسوف نستعرض نماذج من الأعمال التي تنظم العلاقات الاجتماعية ويترتب عليها ثواب في ساحة الحشر قبل أن يتجاوز المرء ساحة الحساب إلى مستقره الأخير.

1- القيام بحقوق المجتمع:

عن أبي هريره رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه"([26]).

هؤلاء السبعة اختلفت أعمالهم في الصورة وجمعها معنى واحد هو مجاهدتهم لأنفسهم ومخالفتهم لأهوائها، وذلك يحتاج إلى رياضة شديدة وصبر على الامتناع مما يدعو إليه داعي الشهوة أو الغضب أو الطمع، وفي تجشم ذلك مشقة شديدة على النفس، ويحصل لها به تألم عظيم، فإن القلب يكاد يحترق من حر نار الشهوة أو الغضب عند الهيجان إذا لم يُطفَأْ ذلك ببلوغ الغرض، فكان ثواب الصبر على ذلك أنه إذا اشتد الحر في الموقف، ولم يكن للناس ظل يظلهم ويقيهم حر الشمس كان هؤلاء السبعة في ظل الله عز وجل، فلم يجدوا لحر الموقف ألَمًا جزاءً لصبرهم على حر نار الشهوة أو الغضب في الدنيا([27])، ولا يخفى أن أغلب هذه الأعمال التي استحقوا بها المقام في ظل عرش الرحمن هي أعمال تتعلق بالمجتمع وتنظيم العلاقة مع الآخرين.

2- إطعام الجائع والمسكين:

وصف الله عزَّ وجلَّ عباده المؤمنين بأنهم: (يُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا) [الإنسان: 8-10] قال البغوي: "يعني أن إحساننا إليكم للخوف من شدة ذلك اليوم لا لطلب مكافأتكم"([28]) وكان جزاؤهم على ذلك أن وقاهم الله أهوال يوم القيامة (فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا) [الإنسان: 11] كما جاء في الحديث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أطعم الجائع أظله الله في ظل عرشه"([29]).

3- التجاوز عن المعسر:

عن أبي اليسر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحب أن يظله الله في ظله فلينظر معسرًا أو ليضع عنه"([30]) قال السندي: ("فلينظر" من الإنظار "أو ليضع له" أي الدَّين)([31]).

4- إزالة الكربة عن المكروب:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نفَّس عن مؤمنٍ كربةً من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسر يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه"([32]) ومعنى نفَّس كربة: أزالها ([33]).

5- مساعدة الفقراء والمحتاجين:

عن عقبه بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل امرئ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس -أو قال: يحكم بين الناس- قال يزيد: وكان أبو الخير لا يخطئه يوم إلا تصدق فيه بشيء ولو كعكة أو بصلة أو كذا"([34]).

يتبع

المصدر: العدد العاشر من مجلة "مقاربات" الصادرة عن المجلس الإسلامي السوري

الحلقة السابقة هـــنا

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين