العلاقات الاجتماعية في الإسلام (1)

أصبح الاهتمام بقضايا المجتمع ودراسة الظواهر الاجتماعية علمًا له أصوله ومصادره التي تتطور مع تطور الحياة بشكل مستمر، فبناء الأسرة على أسس تربوية سليمة، وفهم المشكلات التي يقع فيها الأزواج في مرحلة تكوين الأسرة أو مشكلات التربية بعد وجود الأبناء، ودراسة الظواهر السلوكية والمظاهر الدينية والعقائد والأفكار والثقافات والطبقات الاجتماعية والعرقية؛ تحتاج إلى وعي وعلم في كيفية التعامل معها وفهم فروعها وتفاصيلها.

وتؤكد أغلب الدراسات التربوية والاجتماعية أن الإنسان اجتماعي بطبعه يميل بفطرته إلى التكامل مع أبناء جنسه، وتدفعه حاجاته إلى التعامل مع البشر والتعاون معهم لتحقيق مصالحه وتلبية احتياجاتهم واحتياجاته.

إن علم الاجتماع يتناول العلاقات الاجتماعية على مستوى الأفراد أو المؤسسات من حيث تحقيق المصالح الدنيوية فقط بل ربما بفصلها عن الدين وإظهار العداء له([1])، أما الشريعة الإسلامية فقد تميزت بربط العلاقات الاجتماعية في الدنيا بالثواب والعقاب في الآخرة، ووضعت مجموعةً من الضوابط والأطر التي تسهم في البناء السليم لهذه العلاقات، فهي تحمل المؤمن على المراقبة الذاتية في تكوين علاقاته، فيدرك ما فيها من بُعد إيماني وما يترتب عليها في الآخرة من جزاء، كما أن مراعاة هذه الضوابط تقوي صف المؤمنين، وتحمي الأمة من الفرقة والشتات، ومن هنا جاء هذا البحث ليبين أهمية العلاقات الاجتماعية في الإسلام وتنوعها وما يترتب على كل نوعٍ من ثواب أو عقاب.

أولاً: أهمية بناء العلاقات الاجتماعية في الإسلام

العلاقات الاجتماعية: هي الروابط والآثار المتبادلة التي تنشأ نتيجة اجتماع الناس وتبادل مشاعرهم واحتكاكهم ببعضهم، ومن تفاعلهم في بوتقة المجتمع([2]).

وقد بيَّن الله عز وجل أن العلاقة بين البشر تقوم على أساس التعارف والتكامل، وأن ميزان الأفضلية هو التقوى والعمل الصالح، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات: 13].

ومن هنا يقرر ابن خلدون أن الإنسان مدني بالطبع، وهذا يعني أنه لا يمكن للفرد أن يعيش حياته بعيدًا عن البشر، فلا يتم وجوده إلا مع أبناء جنسه، وذلك لما هو عليه من العجز عن استكمال وجوده وحياته، فهو محتاج إلى المعونة في جميع حاجاته أبدًا بطبعه([3]).

العلاقات الاجتماعية بين المسلمين في القرآن الكريم:

هناك دلائل عديدة تؤكد ربانية النظام الاجتماعي، من ذلك تلك النصوص الشرعية التي تطلب من المجتمع المسلم التطبيق الكامل لتشريعات الوحيين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) [البقرة: 208]، يقول ابن كثير: يقول الله تعالى آمرًا عباده المؤمنين به المصدّقين برسوله أن يأخذوا بجميع عرى الإسلام وشرائعه، والعمل بجميع أوامره وترك جميع زواجره ما استطاعوا من ذلك([4])، فالنص القرآني واضح في أنه يطالب المجتمع المسلم أن يلتزم بالنظام الرباني الذي شرعه الله تعالى للعباد، وأن يتم تطبيق النظام في المجتمع بصورة كاملة، وبهذا يكون مجتمعًا إسلاميًّا مسالِمًا ربانيًّا([5]).

وأقام الإسلام العلاقة بين المؤمنين على أساس متين من الأخوَّة، قال الله عز وجل: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات: 10] قال الرازي قال بعض أهل اللغة: الإخوة جمع الأخ من النسب، والإخوان جمع الأخ من الصداقة، فالله تعالى قال: "إنما المؤمنون إخوة" تأكيدًا للأمر وإشارةً إلى أن بينهم ما بين الإخوة من النسب، قال قائلهم:

أبي الإسلام لا أبَ لي سواه=إذا افتخروا بقيسٍ أو تميم([6])

العلاقات الاجتماعية بين المسلمين في السنة:

بيَّنت السنة النبوية أن تطبيق المجتمع المسلم للمنهج الرباني الذي طبَّقه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يشكّل الضمانة له من الضلال والتراجع والانحلال، ففي الحديث الصحيح قال النبي صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضُّوا عليها بالنواجذ"([7]) وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنة نبيه"([8]).

ولعل هذا هو سبب الخيرية التي خصّ النبي صلى الله عليه وسلم بها القرون الأولى عندما قال: "خير أمتي القرن الذين يلوني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم"([9])، وهو ما ميّز الله عز وجل به السابقين عندما قال: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14) عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ) [الواقعة: 10-16] ثم بيَّن سبب هذا الأجر الكبير فقال: (جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الواقعة: 24].

لقد جاءت التوجيهات النبوية والأحاديث الكثيرة التي تحثُّ المسلم على بناء العلاقات الإيجابية، وتقوي صف المؤمنين وتجعله جزءًا من الجماعة الفاعلة بعيدًا عن الفردية والانطواء، ومن هذه الأحاديث:

1- عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"([10]).

2- عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن مألفة، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف"([11]).

المصدر: العدد العاشر من مجلة "مقاربات" الصادرة عن المجلس الإسلامي السوري

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين