العشرة الكاملة.. في قوة الشخصية! (4)


بقلم: هنادي الشيخ نجيب

 

لا شك- قرّاءنا الأعزاء- أنّكم تعرفون "عملاق الإسلام"..

"معزّ الدين" ذلك الذي تحققت به دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، يوم كان يسأل الله تعالى أن يُعِزّ الإسلام بأحد العُمرَيْن!

وقد أصاب الرجلَ المُهاب عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، سهمُ الدعاء، بواسطة امرأة قوية الشخصية، شجاعة أبية، دافعت عن عقيدتها، وعارضته بثبات، في وقت كان يخاف فيه عتاة الرجال من أي مواجهة معه!

إنها فاطمة بنت الخطاب رضي الله عنها، ذلك المثال الباهر للمرأة المسلمة، أخت عمر، وزوجة سعيد بن زيد، أحد العشرة المبشرين بالجنة! (ولكم أن تتخيلوا ذلك البيت: أي زوج! وأية زوجة!)..

فعندما علم عمر بإسلام أخته وزوجها، قصد بيتهم، وآذاهم، وشجّ رؤوسهم، وطرحهم أرضاً، فقامت فاطمة تمسح الدم عن وجهها، وسجلت موقفاً لم يجرؤ أحد قبلها أن يقفه، وقالت بإصرار وجرأة: (نعم، قد أسلمنا يا عمر، وآمنّا بالله ورسوله، فاصنع ما شئت!)..

كم نحتاج إلى ذلك النموذج القوي في مواجهة تيارات الفساد والانحلال، وعواصف الفجور والتمرد!

إننا في أمسّ الحاجة لامرأة تقول للنسويات، والمعاديات والمعادين للفطرة، والمتحللات والمتحللين من الضوابط الدينية والأخلاقية: (نعم، وألف نعم، قد أسلمنا لله، وآمنا برسول الله، وإنا لكنّ ولكم بالمرصاد، فاصنعوا ما شئتم، فوالله لن تخيفونا، ولن تشككونا في شريعتنا مثقال ذرة)!.

ولن تواجه امرأة "قوية" تحارب الله وشريعته، إلا امرأة "أقوى" بالتزامها، وعلمها، وحجّتها، وتجربتها، وحضورها المجتمعي المؤثر..

 

لذلك فإن الخصلة السادسة في شخصية المرأة القوية، هي:

- الجرأة في قول الحق، واستحضار الحجة البالغة، والمنطق السليم، والمناظرة العلمية الموثوقة، والبرهان العقلي الصحيح..

وأما بقية العشرة الكاملة، فإليكم تفصيلها:

- أن تعرف نفسها، وإمكاناتها، ومواهبها، وأن تثق بنفسها، فترى قدراتها من دون مبالغة، وتنظر إلى إنجازاتها من دون كِبر.

- كما أنها تعلم كيف تتحكم بانفعالاتها، وتضبط عواطفها، فتُحسن إدارة الغضب، ولا تضيع فرصها بردات فعل غير حكيمة، وتطبق الأسلوب العملي المدروس في التمييز بين الفعل والفاعل والانفعال..

- وهي التي تُحسن التصرف في المواقف المحرجة، وتتقن فن الردود الذكية، فتحتفظ بحيائها، ولكن لا يمنعها الخجل من إيقاف المسيء عند حدّه، وإسماع كل من يتجاوز قواعد الأدب ما يصرفه عنها، دون أن تنجرّ هي إلى ما لا يليق بها..

- ولا يمكن للمرأة أن تستجمع عناصر القوة، إلا إذا عرفت أصول الإدارة المالية، بالحدّ الأدنى، لتحافظ على مواردها من التلف، وعلى مصاريفها من السرف، وتحرص على الادخار من غير بخل، وعلى الإنتاج من غير تضييع لحقوق من تعول..

وبهذا تكون قد اكتملت- بفضل الله- المواصفات العشر للمرأة صاحبة الشخصية القوية، بما لا يتعارض مع دينها وأخلاقها ووظيفتها.. وصحيح أننا عرّجنا على هذه السمات في صفحات معدودة، غير أن الإعداد يختلف عن مجرد التّعداد، فلا مقارنة بين الوقت والجهد لكل منهما. ومن يرغب من المهتمين والمهتمات في تحويل تلك الكلمات إلى نماذج حيّة من النساء الملهمات المسددات القويات، فما عليهم إلا أن يستجمعوا كل قواهم المالية والبشرية والإدارية، لتقديم برامج توعوية علمية تدريبية، لتكون تلك الجهود، حصة المرأة من التمكين الحقيقي، الذي لا نرضى أن يكون على حساب دينها، ولا أنوثتها، ولا بيتها، ولا دورها، بل هو الجهد الإنساني المشروع، لتحقيق الوعد الرباني بالأمن المجتمعي المشروط:

{ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)} سورة النور.

والله الموفق، وهو الهادي إلى سواء السبيل..


جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين