العشرة الكاملة.. في قوة الشخصية! (2)

القراء الكرام..

دعونا- وبكل صراحة- نطرح السؤال الجدلي المتداول(بلغة علم مصطلح الحديث):

هل قوة الشخصية عند المرأة حسنٌ لذاته، أم حسنٌ لغيره؟

أي هل شخصية المرأة القوية أمر مطلوب لمصلحة المرأة نفسها (في دينها ودنياها وآخرتها)، أم لمصلحة أسرتها ومحيطها ومجتمعها (وخصوصاً الزوج)؟

ونحن في الحالتين نحتاج إلى منظومة معايير، مستقاة من مرجعيتنا الدينية، ومن النظريات التربوية والإدارية والتطويرية، الموافقة لمنهجنا الفكري والسلوكي، والمنسجمة مع أهدافنا الدنيوية والأخروية.

لأن غياب المنهجية الشرعية والعلمية، لقياس الأثر العائد من قوة شخصية المرأة في المجتمع، على المستويين: الفردي والجماعي، وعدم وجود النموذج الناجح-المتفق عليه بالحد الأدنى- لتلك المرأة، سيجعل الصواب الممدوح المرغوب لدى مجموعة، خطأً مذموماً مكروهاً لدى غيرهم، فتضيع الفكرة النبيلة في مستنقع الممارسات المتناقضة!

وقبل أن نناقش السؤال المطروح أعلاه، اسمحوا لي أن أقدم لكم نظرية تربوية، أكّدها العلم، وصدقها الواقع، من خلال تجارب لا تُعدّ من كثرتها.. واسألوا الآباء والأمهات، إن أردتم التحقق منها..

 

النظرية تقول: الأطفال أصحاب الشخصية القوية، ستكون تربيتهم صعبة (جداً)، أما حياتهم فستكون سهلة، بينما الأطفال ذوي الشخصية الضعيفة، فستكون تربيتهم سهلة، وحياتهم صعبة (جداً)!

فبأيهما -يا ترى- يرغب أولياء الأمور، والمعلمون، والمربون؟

 

هل سيرغبون أن يتحملوا المشاق والصعوبات في سبيل إنشاء جيل قوي الشخصية، يعرف نفسه، ويختار طريقه، ويتحمل مسؤولية قراراته، ويكون قلعة تتكسر على أسوارها كل السهام المسمومة، فيصبح قامة وقيمة، ويعمل بهمّة، ليحقق المهمّة؟

 

أم سيختارون الطريق السهل المريح، لينتجوا جيلاً إمعة، يطيعهم، ويطيع غيرهم، ويعيش عالة على مجتمعه، لا يعرف كيف ينفع نفسه، ولا كيف يدفع الضرّ عنها، فضلاً عن جلب منفعة أو دفع ضر عن غيره؟!

 

وهنا يجب أن نتذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم، إذ يقول: (أيُّها الناسُ إنَّ ربَّكمْ واحِدٌ، ألا لا فضلَ لِعربِيٍّ على عجَمِيٍّ، ولا لِعجَمِيٍّ على عربيٍّ، ولا لأحمرَ على أسْودَ، ولا لأسودَ على أحمرَ، إلَّا بالتَّقوَى، إنَّ أكرَمكمْ عند اللهِ أتْقاكُمْ)، لنعلم أيضاً أن لا فضل لذكر على أنثى، ولا لأنثى على ذكر، إلا بالتقوى، وكما أن من واجبنا أن نربي أبناءنا ليكونوا -ذكوراً وإناثاً- الأكرم والأتقى باتباع الحق، فإن من واجبنا أيضاً أن نربيهم ليكونوا -ذكوراً وإناثاً- الأقوى والأقوم بين الخلق..

 

لتصبح بذلك المرأة ذات الشخصية القوية، مطلوبة لذاتها ولغيرها، فتكون المواطنة الصالحة المصلحة، والأم المحبة الرحيمة، والزوجة الودودة الحكيمة، والابنة البارة المحسنة، والأخت المساندة الحنونة، والموظفة المتقنة الأمينة، والمسؤولة الحفيظة العليمة..

 

وأي خير سيتحقق على يد نساء تربين ليكنّ قويات أمينات، وخير مستأجرات: في بيوتهن، وأعمالهن، ومجتمعهن! أليس الله تعالى يقول على لسان ابنة شعيب، تنصح أباها عليه السلام، وهي أول من تحدث عن المواصفات المطلوبة للمستأجرين في الأعمال، وكلامها ينطبق على الرجال والنساء: (يا أبتِ استأجره، إنّ خير من استأجرت القوي الأمين)؟!

 

الخلاصة:

أننا نريد المرأة القوية الأمينة، كما نريد الرجل القوي الأمين، فشقائق الرجال القويات ، سند وذخر وعماد، وكلما كنّ كذلك، صرن مدعاة أمن وأمان، واستقرار وسلام، ليس في البيوت فحسب، بل في شتى الأطر الاجتماعية..

لكن يبقى أن نحلل بعض الشخصيات المشهورة على الساحة، اللواتي شكلن النموذج المسلّط عليه الضوء:

فهل هنّ مثال المرأة القوية التي يرغب شقيقها الرجل أن يشاركها نواحي الحياة؟ (في الأسرة أو في المجتمع)

وهل يخشى الرجل حقّاً المرأة القوية، ولا يرغب  بالزواج منها؟

وكيف نتوازن بين صورتين:

امرأة قوية، نسوية، معادية للرجل، مستبدة، مستقلة برأيها، جعلت نفسها محور الكون، وامرأة ضعيفة، مضطهدة، مهزوزة، لا تملك من أمرها شيئاً؟!

تفضلوا بمتابعة الجزء الثالث من السلسلة، لنجيب عن هذه التساؤلات المهمة..


جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين