العشرة الكاملة.. في قوة الشخصية! (1)

سؤال أفتتح به مقالتي، لعل الذاكرة تنشط، والعقل يستعد للغوص في موضوع مهم وخطير، أناقشه من خلال سلسلة عنوانها: (#العشرة_الكاملة_في_قوة_الشخصية)!

 القرّاء الأعزاء:

ما هي الصفة المشتركة بين هذه الشخصيات النسائية؟

(وقد اخترت عشرة أسماء، ممن ذُكرن في القرآن الكريم والسيرة النبوية، ولهنّ الأولوية في القياس والمرجعية، وإلا فإنّ اللائحة تطول، ولكن لا مجال لذكر المئات بل الآلاف منهن في سطور):

آسيا بنت مزاحم (زوجة فرعون، بالتعبير القرآني)

مريم ابنت عمران

صفية بنت عبد المطلب

خديجة بنت خويلد

عائشة بنت أبي بكر

هند بنت عتبة

نسيبة بنت كعب

الخنساء بنت خدام

خولة بنت ثعلبة

خولة بنت الأزور

وحتى أختصر عليكم (مع رجائي لمن لا يعرفهن، أن يبحث عن قصصهن ومواقفهن الصحيحة، ويجري تلك المقابلة بينهنّ)، فإنّ تلك النماذج الفاخرة من النساء اللواتي عَبَرن التاريخ، ووصلن إلينا باعتبارهن الأسوة والمثال، تشتركن في صفة تحتاجها كل إمراة، وفي كل زمن: إنها قوة الشخصية..

 

وهل أعظم من أن يضرب الله تعالى مثلاً للذين آمنوا، برجالهم ونسائهم، وعلى مرّ العصور، بنساء، كانت لهن مواقف تؤكد على قوة شخصياتهن، وثباتهن، وقدرتهن على المواجهة؟!

 

وإنّ ذلك في قول الله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12)} سورة التحريم.

 

فهل سمعتم يوماً أن أهل زمان تلك النسوة من العقلاء والحكماء، قد خافوا على المجتمع منهن، وحذروا من التأسي بهن، واقتفاء خطواتهنّ؟!

أو أن أولي الرأي والشأن من أهل الحق، في تلك الحقبات، قد أبدوا اعتراضهم على حضورهنّ المؤثر، وأدائهن المبهر؟!

فلماذا يتحول مصطلح "القوة" في حق النساء، وكأنه يمهّد لنشوزهنّ، وخروجهن عن الأوامر الشرعية، والقيم الأخلاقية، والأعراف المجتمعية؟!

وهل قصد النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه: (المؤمن القوي خير وأحبّ إلى الله من المؤمن الضعيف)، المؤمن الذكر، دون المؤمنة الأنثى؟

وهل ربّى النبي عليه الصلاة والسلام الصحابة على قوة الإيمان، وقوة الإرادة، وقوة العزيمة، وقوة الرأي، وقوة العلم، وقوة المسؤولية، وقوة القيادة، فيما لم تنل الصحابيات نصيباً وافراً من تلك التربية الفائقة؟!

 

وهل معنى أن آسيا بنت مزاحم، يوم قررت أن تخالف رأي زوجها الفرعون، فتكفر به، وتؤمن برب السموات والأرض، وتتخذ قراراً حاسماً في ذلك، فتقف في وجهه، وهي تعرف مدى جبروته، وتؤثِر موتها في طاعة ربها، على حياتها في كنف طاغية ظالم، هل يعني ذلك كله أن أي إمراة تتخذ آسيا قدوة لها، ستكون مشروع متمردة على بيت الزوجية، رافضة لسلطة الزوج، معاندة لرأيه، مخالفة له، متكبرة عليه، بغض النظر عن توجهاته وسلوكه؟!

بل هل يستطيع أن يتخيل أحدكم مقدار الجرأة، والثقة بالنفس، وقوة التحكم، لمريم ابنة عمران، الفتاة التي لم يتجاوز عمرها الخامسة عشرة، يوم رجعت إلى أهلها، تحمل وليدها على يدها من غير زواج، فتواجه بالحق الذي تحمله، وتصدّقه، وتدافع عنه، لدرجة أنها اختارت أن تترك له الكلمة الفصل، وأشارت إليه بكل يقين، كي ينطق في المهد، فنطق بإذن الله؟!

 فلماذا يريد البعض أن ينشروا صورة مشوهة عن المرأة ذات الشخصية القوية، أو أن يشيعوا أخباراً عنها، لا تنبئ بخير أينما وجدت، وتستوجب التحذير منها؟

وهل قوية الشخصية هي نفسها المسترجلة، المتكبرة، العنيدة، المتمردة التي لا تعترف بحدود ولا قيود، دينية أو اجتماعية؟

وعلى أي أسس فكرية وسلوكية يجب أن نربي بناتنا، ليكنّ أرقاماً صعبة في مجتمعهن، دون إفراط أو تفريط؟

سأحاول أن أجيب عن تلك التساؤلات، في المقالة الثانية بإذن الله، فللحديث تتمة، وأتشرف بمتابعتكم..


جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين