العسكر هم الباب الخلفي للحكم الاستعماري

العسكر.. هم الباب الخلفي للحكم الاستعماري

 

جمال خطاب

ما الذي يمنع أغلب دول العالم الثالث من التحول من الاستبداد والتخلف إلى الحرية والتقدم، رغم ما وصل إليه العالم من تقدم غير مسبوق في وسائل وآليات جبارة تدفع وتسهل ذلك التحول، ورغم أن كل المعطيات المعاصرة (التكنولوجية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية) تدفع في اتجاه الحريات بأنواعها وأشكالها السياسية، وعلى رأسها حرية اختيار الحاكم واختيار نظام الحكم الرشيد الشفاف القابل لتداول السلطة؟

وما الذي يحول بين شعوب دول العالم الثالث، والحرية والحكم الرشيد، بعد ما أصبح العالم قرية صغيرة، ولم تعد هناك شعوب معزولة لا تدري عن العالم شيئاً، وتيسرت وسائل وسبل الاتصال والتواصل، ووسائل وسبل الإعلام والتعلم والتعليم؟

لا شك أن هناك أسباباً داخلية ذاتية وأخرى خارجية قوية ومؤثرة تحبس المليارات من البشر في شرنقة التخلف والتبعية وتمنعهم من النهوض والالتحاق بركب العصر الذي يشاهدونه من خلال أجهزة الهواتف المحمولة التي تصل الآن إلى كل ناء وقريب في أنحاء هذا الكوكب المنكوب.

الطبقة الوسطى هي التي تقود التحول والابتكار، وهي التي تحمل على كاهلها عبء التغيير والسير قدماً، وهي التي تقاوم التخلف الذي تشد إليه طبقة المستبدين الأغنياء، وطبقة الفقراء البسطاء، وقد تمت الإشارة إلى هذا الدور لأول مرة بواسطة «توماس روبرت مالتوس» الذي رأي أن التحسين الفكري يحدث على الأرجح في المناطق الوسطى من المجتمع؛ فالطبقة الوسطى هي التي تقود التغيير السياسي والاقتصادي والاجتماعي وتناضل من أجله، وهي التي تقيل المجتمع من عثراته، وتساعده في النهوض من كبواته، خاصة بعد الحروب والكوارث الناتجة عن الطبيعة أو الناتجة عن الإنسان، التي تتعرض لها الدول والمجتمعات.

والطبقة الوسطى هي الأكثر ابتكاراً؛ لأنهم يطمحون إلى تحسين وضعهم الاجتماعي والاقتصادي، وهم على استعداد لتحمل المخاطر من خلال القيام بنشاط ريادي يعطل الأنشطة القائمة؛ فهم في وضع أقوى للقيام بذلك، أما الطبقة الغنية فقد حصلت بالفعل على بعض الأصول، وهم في وضع يسمح لهم بإجراء استثمارات أولية، والحصول على مزيد من الائتمان إذا لزم الأمر، ولذلك فليس لديهم الدافع ولا الطموح للتغيير.

لماذا لم تنهَر كل من ألمانيا واليابان بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية؟ فقد خسرت ألمانيا أكثر من 5 ملايين من خيرة رجالها ونسائها، ودمرت البنية التحتية الصناعية والزراعية والتجارية والحياتية بالكامل في البلاد، وحدث مثل ذلك في اليابان، دمار شامل كان كفيلاً بإعادة هاتين الدولتين قروناً إلى الوراء، ولكن العالم فوجئ بألمانيا واليابان تتصدران المشهد الاقتصادي في العالم بعد سنوات قليلة؛ حيث قامت ألمانيا لتقود أوروبا للتوحد والقوة الاقتصادية، وأبهرت اليابان العالم باقتصاد لا يقهر، يعتمد بالكامل تقريباً على العقل والعمالة الوطنية اليابانية شبه الخالصة.

فما الذي جعل اليابان وألمانيا تنهضان من كبوتهما بهذه السرعة وبهذه القوة؟

إنها النخبة الحكيمة والطبقة الوسطى الصلبة، فبمنتهى رباطة الجأش تمكنت النخب الوطنية العاقلة المتعلمة الحكيمة في الدولتين أن تستعيد توازنها، بعد أن تعلمت الدرس، وخططت بسرعة لتجاوز الماضي والانطلاق إلى المستقبل؛ ولأن تلك النخب الوطنية الحكيمة تستند إلى طبقة وسطى واسعة صلبة، لا تقل حكمة ولا علماً عن النخبة التي تقود سفينة التقدم والنمو.          

نخبة طفيلية

تحرص أنظمة الاستبداد المحلية ورعاتها من عتاة الاستكبار والاستعمار العالمي على صناعة نخبة سياسية وثقافية مغشوشة، تدعي العلم والحكمة وهي جاهلة وحمقاء، وتدعي الوطنية وهي أقرب للعمالة وموالاة الأعداء، والنخب في الدول النامية عامة وفي الدولة العربية خاصة نخب منفصلة عن واقع مجتمعاتها وعن آماله وآلامه.

فالنخب العربية، كما يقول الباحث د. علي أسعد وطفة، «تعيش أزمة أخلاقية ووجودية لا مثيل لها في تاريخ الحياة السياسية والثقافية في العالم العربي، وقد تجلى هذا الواقع المتأزم للنخب العربية في خضم «الربيع العربي» وثورة الشباب التي كشفت عن ضعف هذه النخب وزيفها وعجزها وعدم قدرتها على أداء دورها التاريخي في توجيه الحياة الثقافية والسياسية في هذه المرحلة التاريخية الصعبة في تاريخ المجتمعات العربية، وقد بينت الأحداث الجسام أن هذه النخب العربية متخلفة في بنيتها، وطبيعتها، ويتجلى تخلفها هذا في انتهازيتها، وتذبذبها وازدواجيتها وتسلطها، وعجزها الكامل عن ممارسة أي نوع من الفعالية التاريخية في زمن الثورات والتغيرات والانفجارات التاريخية.

وهذه النخب متخلفة بطبيعتها وجوهرها، وهي نتاج طبيعي لأوضاع التخلف في المجتمعات القاصرة المتخلفة، وهذا يعني أن النخب في المجتمعات المتخلفة غالباً ما تكون نتاجاً للتخلف وجوهراً له في آن واحد، ومثل هذه النخب موجودة حكماً في البلدان المتخلفة».

والواقع أن النخب في البلدان النامية تربت إما على يد المستبد المحلي الحاكم في مدارس الاستبداد والخنوع، أو في مدارس المستعمر الذي لا يزال يهيمن على الحكام والمحكومين، ويتدخل من خلال نخبه المحلية الطفيلية التي صنعت على عينه، سواء كانت مدنية أم عسكرية، إذا ما خرجت أو حاولت أن تخرج عن خط التبعية والخنوع المرسوم لها.

هكذا، تمنع الدول النامية من التفكير في الانعتاق من التخلف، وتمنع من التطلع إلى مستقبل أفضل، بعوائق داخلية تتمثل في مجتمع ضعيف، ونخبة طفيلية جاهلة، وعوائق خارجية تكرس التخلف وتحرسه وتستثمر الجهل، كيما تستمر هيمنتها للأبد.

تأسست جيوش العالم الثالث، وصنعت على عين المستعمر، الذي وضع آلياتها حتى تظل مربوطة للأبد إن أمكن بالمستعمر القديم أو وريثه الحديث، هذه، للأسف، حقيقة يؤكدها الواقع وتدعمها حقائق التاريخ؛ فأغلب الجيوش الأفريقية قامت فرنسا بتأسيسها قبل الانسحاب من مستعمراتها، وأمَّرت عليها أجيالاً من الجنرالات الذين يدينون لفرنسا بالولاء وليس لبلدانهم، وهي التي تقدم لهم كل أنواع الدعم لتكريس الاستبداد والقمع والتخلف والتبعية، وتتدخل فوراً إذا تعرض رجالها في الجيش أو السلطة للخطر.

ففرنسا التي حكمت منذ عام 1524م أكثر من 20 دولة أفريقية على مدار قرابة 3 قرون، ما زالت تتدخل عسكرياً إذا ما تعرضت مصالحها للخطر، رغم أنها مجرد ناهب لثروات الشعوب!

ففي مطلع الستينيات من القرن الماضي، استقلت دولة الجابون عن فرنسا، وتسلم «ليون إمبا»، الذي كان يعمل في سلك الإدارة الاستعمارية في وظيفة عامل جمارك، الحكم، لكن أطاح به الجيش الجابوني في انقلاب غير دموي، في 18 فبراير 1964م، وبعد يومين فقط قامت القوات الفرنسية بعملية إنزال في ليبرفيل، وأعادت حليفها إلى الحكم، الذي حكم البلاد حتى مات بالسرطان وخلفه في الرئاسة نائبه «عمر بونجو».

وفي عام 1978م، اقتحم مئات الجنود الفرنسيين مدينة كولويزي في الجنوب الشرقي لجمهورية الكونجو الديمقراطية، بعد أن استولى ثوار هناك على المدينة بطلب من الرئيس «موبوتو سيسي سيكو».

وفي عام 1979م، تدخلت القوات الفرنسية في جمهورية أفريقيا الوسطى في عملية أطلق عليها «باراكودا» لطرد «جان بوديل بوكاسا» بعد تقاربه من السلطة مع «القذافي»، ونصَّبت «ديفيد داكو»، الذي كان مستشاراً لـ«بوكاسا»، رئيساً للجمهورية.

وفي عام 1983م، تدخلت فرنسا عسكرياً في تشاد لإنقاذ «حسين حبري»، واستمرت هذه العملية عاماً كاملاً سقط خلالها مئات الآلاف من التشاديين قتلى وجرحى.

وفي عام 2012م، سقط شمال مالي الذي تعتبره فرنسا منطقة نفوذ حيوي، باعتبارها مستعمرة سابقة لها، في قبضة مجموعات مسلحة، وسارعت فرنسا إلى التدخل العسكري هناك، فأرسلت الآلاف من جنودها، في يناير 2013م، لوقف زحف الجماعات المسلحة على باماكو، ضمن عملية عسكرية حملت اسم «سرفال».

وبعد عملية «برخان»، جاءت عملية «سرفال»، و«إيبرفييه»، في كل من مالي وتشاد، في الأول من أغسطس 2014م، لتتخذ بُعداً إقليمياً بررته مصالح فرنسا الإستراتيجية في الساحل الأفريقي والتهديدات التي تواجهها المنطقة، وعلى رأسها محاربة «الإرهاب»، وضمت تلك القوة ‏‏3500 عسكري فرنسي، موزعين على 5 قواعد متقدمة مؤقتة، و3 نقاط دعم دائمة ومواقع أخرى، ولا سيما بالعاصمة البوركينية واجادوجو، وعطار الموريتانية، وفق وزارة الدفاع الفرنسية.

فرنسا لم تتدخل في تشاد ومالي وأفريقيا الوسطي فقط، بل تدخلت في جزر القمر وغينيا وبوركينا فاسو وكوت دي فوار وغيرها، ومعروف أن الدافع الرئيس للتدخلات الفرنسية حماية المصالح الفرنسية والغربية في أفريقيا الغنية بالنفط والثروات المعدنية، ومحاولة تعزيز الوجود الفرنسي في منطقة تعتبرها فرنسا تقليدياً مركز نفوذ خاصاً بفعل سابقة الوجود الاستعماري.

رغم ملايين الشهداء الذين ارتفعوا إلى رحاب ربهم ليتحرر الشعب الجزائري المسلم العربي من نير الاستعمار البربري الفرنسي المتعصب للعرق والثقافة واللغة، فقد فوجئ الشعب برجال فرنسا في جيشه الوطني يقفون في وجهه حينما أراد التحرر من التخلف والتبعية، وينقلبون على خياراته الانتخابية التي انحازت لدين وثقافة ولغة الجزائر؛ فقام ضباط فرنسا -أو من اصطلح على تسميتهم في الجزائر بـ«الضباط الجانفيين» (نسبة إلى شهر يناير الذي يسميه الجزائريون جانفي، الموالين لفرنسا)- بالاستيلاء على الحكم وإدخال الجزائر في عشرية الدماء السوداء، ومعلوم أن الجزائر ما زالت تعاني من التدخل الفرنسي حتى يومنا هذا، ولن يتركوها وشأنها بإرادتهم.

والدور الفرنسي في ليبيا وتونس والمغرب معلوم للمتابعين ولغير المتابعين لشؤون الشمال الأفريقي، ففرنسا تتدخل باستمرار بشكل سافر، أو من خلال رجالها المزروعين في كل مناطق التأثير، في السياسة والتعليم والإعلام والزراعة والتجارة وكل مناحي الاقتصاد.

أمريكا.. النفط والغاز

كان وضع اليد على ثروة العراق النفطية الهائلة -حسب تقارير عديدة- وراء التحريض على غزو العراق من طرف مسؤولي شركات نفط أمريكية كبيرة، من بينها مثلاً مجموعة هاليبيرتون النفطية التي كان «ديك تشيني»، نائب الرئيس الأمريكي آنذاك، يتولى إدارتها حتى عام 2000م، ويستدل المحللون على صحة ذلك بأن وزارة الدفاع الأمريكية منحت شركة هاليبيرتون، في نوفمبر 2003م، عقدين مختلفين؛ الأول: بـ7 مليارات دولار لإعادة تأهيل البنى التحتية النفطية العراقية والتزويد بالمنتجات النفطية المكررة في العراق، والثاني: لتقديم دعم لوجستي للقوات الأمريكية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بقيمة 8.6 مليار دولار، وذلك دون التقدم بعروض مناقصة.

كما أكدت وثائق سرية حكومية بريطانية، حسب شبكة «CNN» وجود علاقة قوية بين شركات ومؤسسات نفطية وعملية غزو العراق، وقالت: إن خططاً لاستغلال الاحتياطي النفطي العراقي تمت مناقشتها بين مسؤولين حكوميين وكبرى الشركات النفطية العالمية، خاصة البريطانية منها (منها: "شل"، و"بي بي"، و"بي جي") قبل عام من تاريخ غزو العراق.

ومعروف الآن كيف تدخلت أمريكا وبريطانيا لتدعم انقلاباً عسكرياً على "د. محمد مصدق"، رئيس وزراء إيران؛ حيث قام "كيم روزفلت"، حفيد الرئيس الأمريكي "ثيودور روزفلت"، لتنفيذ الخطة، وتمكن الحفيد من الوصول سراً إلى إيران ودخول قصر الشاه بعد أن تم لفه ببطانية في أرضية السيارة.

وقد وافق الشاه على الفكرة على أن يقوم قائد الجيش الإيراني "فضل الله زاهدي" بالانقلاب بعد أن يعلن الشاه رسمياً عزل "مصدّق"، الذي علم بالأنباء قبل بدء تطبيق الخطة، فهيّج الناس ضد الشاه وطرده من إيران، وفشلت الخطة الأمريكية البريطانية التي سميت "عملية أي جاكس" ولكن مؤقتاً فقط؛ فقد فرضت أمريكا وبريطانيا مقاطعة اقتصادية جلبت الجوع والفقر للشعب الإيراني، فاستغلت المخابرات الأمريكية هذه الفرصة، ونظّمت المظاهرات عن طريق دفع أجور لكل من يشارك في هذه المظاهرات (باعتراف المخابرات الأمريكية نفسها).

ولواشنطن في دول أمريكا اللاتينية تاريخ طويل من دعم الانقلابات، فقد دبّرت ودعمت ونفَّذت انقلابات وتدخلات عسكرية عديدة هناك.

فقبل مائة عام، احتلّت الولايات المتحدة كوبا وبورتوريكو، ثم دعمت القوات الانفصالية في كولومبيا لتسيطر على مشروع قناة بنما، ثم اعترفت بانفصال بنما عن كولومبيا في العام 1903م لتحصل على القناة، وحافظت على نفوذ لها هناك، وحين تضاربت مصالحها مع الجنرال “مانويل نورييجا”، احتلّت بنما في العام 1989م.

كما احتلَّت أمريكا نيكاراجوا في عام 1912م، واحتلّتها مرة أخري في عام 1934م، ودعمت قوات "الكونترا" للإطاحة بالحكومة في عام 1981م؛ الأمر الذي أدى إلى مواجهات دامية.

وفي المكسيك بأمريكا الوسطى، دعمت واشنطن انقلاباً عسكرياً في العام 1913م أطاح بالرئيس "ماديرو"، وأتى بالجنرال “فيكتوريانو هويرتا” رئيساً.

وفي عام 1915م، احتلَّ الجيش الأمريكي هايتي، ودعمت واشنطن نظام العبودية بقيادة الدكتاتور "جان فيلبرون جيوم"، ثم انسحبت في العام 1934م قبل أن تعود وتحتلّها بعد 60 عاماً، إثر انقلاب أطاح بنظام “جان برتران أريستيد”.

وفي عام 1954م، أطاحت أمريكا برئيس جواتيمالا المنتخب ديمقراطياً "خاكوبو آربنز" بعملية عسكرية، ونصّبت "كارلوس كاستيو أرماس" مكانه، ليفتتح سلسلة من الدكتاتوريات المدعومة أمريكياً.

وفي جمهورية الدومينيكان، دعمت واشنطن الدكتاتور "ليونيداس تروخيو مولينا" ليحكم من عام 1930 وحتى اغتياله في عام 1961م، وفي العام 1965م، تدخَّلت للإطاحة بالحكومة اليسارية المنتخبة، عبر جنرالات موالين لها، واضطرت إلى التدخّل المباشر واحتلال البلاد.

واحتلّت الولايات المتحدة جزر جرينادا في عام 1983م بحجة مواجهة النفوذ السوفييتي في المنطقة، ولتبقى الجزيرة تحت النفوذ الأمريكي.

وفي تشيلي، ساندت أمريكا انقلاب "أوجستو بينوشيه"، في عام 1973م، بحسب وثائق للمخابرات الأمريكية التي تم الكشف عنها في العام 2000م.

ولأمريكا مع فنزويلا تاريخ طويل من التآمر، وسياستها معلنة وليست خفية، فهي تعمل علناً ضد "نيكولاس مادورو"، وقد حاولت قبله مراراً الإطاحة بـ"هوجو تشافيز"، وبعد فشل كلّ تلك المحاولات، هدد رئيسها السابق "دونالد ترمب" بأن إرسال قوات أمريكية إلى فنزويلا سيظل خياراً مطروحاً.

وإضافة إلى تلك الانقلابات، دعمت واشنطن انقلابات أخرى عديدة خلال فترات زمنية مختلفة في دول بوليفيا، والبرازيل، والأرجنتين، وكوبا، والدومينيكان، والسلفادور، وجواتيمالا، وجيانا، وهندوراس، والمكسيك، وبنما، وذلك عبر حركات متطرفة ومعادية للديمقراطية ودكتاتوريين دمويين.

معادن أفغانستان

أظهرت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية بأن أفغانستان قد تمتلك 60 مليون طن من النحاس بقيمة تقدر بأكثر من 535 مليار دولار بالأسعار الحالية، و2.2 مليار طن من خام الحديد بقيمة تقدر بأكثر من 350 ملياراً بالأسعار الحالية، إضافة إلى 2700 كيلوجرام من الذهب بقيمة تقدر بـ155 مليوناً.

وكذلك تمتلك 1.6 مليار برميل من النفط بقيمة تقدر بـ 100 مليار دولار، إلى جانب 16 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي، كما لدى أفغانستان 1.4 مليون طن من العناصر الأرضية النادرة، واحتياطيات ليثيوم الذي يستخدم لصناعة بطاريات السيارات الكهربائية.

فهل كان الليثيوم والنفط والغاز والنحاس والمعادن الأخرى النادرة سبباً في غزو أمريكا لأفغانستان، كما كان البترول هو الهدف الخفي لغزو العراق، كما أظهرت الوثائق فيما بعد؟

في بوليفيا، اتهم الرئيس السابق «إيفو موراليس»، في مقابلة مع «وكالة الأنباء الفرنسية»، واشنطن بتدبير انقلاب ضده، في عام 2019م، للسيطرة على موارد الليثيوم في بلاده، وكان «موراليس» قد أعلن استقالته بعد نحو شهرين من الاحتجاجات ضد إعادة انتخابه ودعوات من الجيش لاستقالته.

وقال «موراليس»: إنه أجبر على الاستقالة بعد دعم الولايات المتحدة لانقلاب ضده لسعيها في الوصول إلى موارد الليثيوم الهائلة التي تملكها بلاده، التي تقدر بما قيمته 50 – 70% من احتياطيات الليثيوم في العالم، وقال «موراليس»، في المقابلة ذاتها: إن الدول الصناعية لا تقبل أي منافسة.

يذكر أن الليثيوم لا يستخدم في تصنيع بطاريات الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة فحسب، بل إن عملية التحول إلى الطاقة النظيفة قد تصبح مستحيلة في المستقبل من دون الليثيوم، الذي يستخدم في تصنيع البطاريات التي تشغل السيارات الكهربائية وتختزن الطاقة الكهربائية المتولدة من مصادر متجددة.

هكذا تعمل القوى العالمية المحتكرة للثروة والطاقة والقوة والمال على سد كل الطرق التي تؤدي إلى الحرية والاستقلال الحقيقيين اللذين يمران من خلال الحكم الرشيد أمام أغلب أمم الأرض، لكي تظل تمتص كل موارد الكوكب، وتحتكر كل مقدراته، مستغلة في ذلك ضعف وهشاشة المجتمعات التي تسد أمامها كل الطرق، وتجهض كل الفرص التي يمكن أن تخرجها من نفق التخلف والتبعية.

 

الهوامش:

1-https://arabic.euronews.com/2019/12/25/morales-accuses-us-of-plotting-a-coup-against-him-with-the-aim-of-obtaining-lithium

2- https://www.aljarida.com/articles/1629649236359726000/

3- العملية أجاكس، كيف قادت أمريكا الانقلاب على محمد مصدق؟!

4- قضايا التبعية الإعلامية والثقافية، د. عواطف عبدالرحمن.

5- النخب العربية: نخب التخلف أم تخلف النخب؟

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين