العرش والهدهد تأملات في معارج البيان

(مَا لِیَ لَاۤ أَرَى ٱلۡهُدۡهُدَ أَمۡ كَانَ مِنَ ٱلۡغَاۤئبینَ)[سورة النمل 20]

وهذا الأسلوب في الاستفهام، هو معراج من معارج الفكر والعقل ليفكر السامع والمتلقي في التفكير في السبب الصارف عن الرؤية، فهو استفهام إنكاري أشرب بالتعجب قصد منه النفي، وهو آكد وأبلغ من النفي المباشر، ذلك أنه إذا تسلط الاستفهام الإنكاري على السبب فانتفى وجوده؛ فقد انتفى المُسَبَّب عنه.

فإذا نتفى السبب الصارف عن عدم الرؤية؛ كان ذلك أقوى وآكد في نفي ما تعلق بالرؤية وهو وجود الهدهد.

وهذا أسلوب بياني عميق دقيق من سمات النظم القرآني، وقد ورد في سياق آخر، من ذلك قوله تعالى: (وَمَا لِیَ لَاۤ أَعۡبُدُ ٱلَّذِی فَطَرَنِی وَإِلَیۡهِ تُرۡجَعُونَ) [سورة يس 22]

أي ما السبب الصارف لي عن عبادة من خلقني، فلا أجد سببا يدعو إلى ترك عبادة الله، فاقتضى ذلك بعميق الفكر والنظر، انتفاء المُسَبَّب وهو ترك عبادة الله.

وهذا عروج وارتقاء بعقول المخاطبين في مدارج التفكر والفهم، ومعارج النظم و البيان!

وفي تسلط النفي على فعل الرؤية " لا أرى" دون غيره من النظر والمشاهدة، في هذا المقام؛ مزيد دقة نظم وإحكام.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين