العبرة الجلية من سقوط الطائرة الأثيوبية في الأعماق اللبنانية
استيقظ اللبنانيون اليوم على سماع نبأ فاجعة سقوط الطائرة الأثيوبية على شواطئ بيروت بُعيد إقلاعها بدقائق قليلة. خيّم الوجوم على وجوه الناس وهم يتابعون البث المباشر عبر الفضائيات والأرضيات اللبنانية التي أوْلَت اهتماماً كبيراً لضخامة وندرة وقوع مثل هذا الحدث في لبنان.. فكيف تعاطى الرسميون والإعلام والناس مع هذا الحدث؟
   أما الرسميون فتسابقوا للتباكي على الضحايا وإعلان تضامنهم مع الأهالي.. ولم يبقَ وزير ولا نائب ولا مسؤول إلا وظهر على شاشات الإعلام وهو يدلو بدلوه.. فحيث وُجِدت الكاميرات والإعلام وُجِدت هذه الطبقة المنتفعة.. ونسي هؤلاء أنهم هم أنفسهم سبب أساس في مأساة البلد وهجرة شبابها بحثاً عن لقمة العيش أو بصيصِ أملٍ في عيشة كريمة حتى ولو في أثيوبيا - التي تُصدّر الخدم لبيوت المُترفين من اللبنانيين - أو في مجاهل إفريقيا.. أفلا يعتبر الناس مِن هذا الخليط من الضحايا.. خادمات أثيوبيات عائدات في إجازة من خدمة اللبنانيين لبلدهن، ولبنانيون ذاهبون لطلب الرزق في أثيوبيا؟!!  
   وأما الإعلام اللبناني فكعادته يبحث عن الإثارة والتشويق في أي حادثة حتى ولو كانت مصيبة أو كارثة، وكأن وسائل الأعلام تتمنى في سريرة نفسها أن يكون الحادث مدبّراً أو أنّ الطائرة أُسقطت بفعل متفجّرة أو إصابة صاروخ..
   كما ظهرت الطبقية العرقية بوضوح وجلاء.. فاللبنانيون ـ في الإعلام اللبناني ـ  وحدهم البشر ويستحقّون التغطية الإعلامية أما الأثيوبيون وغيرهم من الجنسيات فتبعاً وعلى الهامش.
   أما طريقة التعبير عن العزاء والحزن في الإعلام اللبناني فهي من عجائب هذا الزمن!! فالموسيقى الكلاسيكية وجوقات الأوبرا هي التعبير العصري للحزن والتضامن والتفجُّع على هذا المصاب.. باستثناء بعض القنوات التي قطعت برامجها لبث آيات قرآنية.. (وليس بينها قنوات محسوبة على أهل السنّة في لبنان)... أما تغييب العلماء والدعاة وربط الحدث وتوجيهه الصحيح بسُنّة الابتلاء وكيفية التعامل الشرعي مع المصائب والمِحن فغائبٌ كُلّياً عن وسائل الإعلام اللبنانية.. ففاقد الشيء لا يُعطيه!!
 وأما عوام الناس: منهم أقرباء ركاب الطائرة.. فأغلبهم أظهر الجزع والهلع واللطم والندب على فقيده.. بعيداً عن التصبُّر والتسليم بقضاء الله تعالى وقدره.. وكأن الموت لا يوجد في قواميس حياتهم وتفكيرهم.. مع تسليمنا بصعوبة الموقف وشدة خبر موت الفجأة!
   أمّا عامة الناس فمن المؤسف أن أغلبهم شرّق وغرّب إلا مَن رحم الله تعالى.. وأخطر ما انزلق فيه كثرة من الناس أمر عقدي ينبغي التوقف عنده بقوّة.. ألا وهو ربط الناس ما حدث باستحضار توقّعات الدجالين اللبنانيين في بداية هذا العام، مع تضخيمها والتأكيد على مصداقيتها..        
   حادثة الطائرة الأثيوبية كشفت حقيقة حجم الإفساد الفكري والعقدي الذي تروج له أغلب القنوات والفضائيات اللبنانية.. فهل ما زلنا نُقيم لهذا الإعلام المفسد وزناً ونعتبره مصدراً موثوقاً للتلقي؟!
   وفي الختام لا يسعنا إلا أن نقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، ونذكرّ الناس بأن كل شيء بأجل وأن الصبر عند الصدمة الأولى.
 

كتبه على عجل مساء حادثة وقوع الطائرة

أخوكم يحيى كريدية

25-1-2010

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين