العالم العامل المرشد الموجِّه فضيلة الشيخ محمد أمين سراج رحمه الله (2)

زواجه وأبناؤه الكرام

وقد زوَّجه شيخُه بعد عودتـه من مصر بكريمة الشيخ علي يَكْـتَا أفندي مفتي محافظة فاتح، حيث وُلد له منـها ولدان كريمان: أحدُهما محمد الفاتح الذي تخرج في كلية الدعوة بجامعة أم القرى ثم أصدر كتبا إسلامية في دار الرسالة للنشر، ووكان مشاركًا فعَّالًا في المشاريع العلميَّة في جمعية نشر العلم، بالإضافة إلى أنه تاجر صدوق فعَّال. وابنـه الثاني: الأستاذ الدكتور محمد علي يكتا سراج رئيس اللجنة العليا للتعليم العالي سابقًا والمستشار التعليمي لرئيس الجمهورية حاليًّا، بعد أن كان أستاذًا معروفًا في كلية الآداب في جامعة إسطنبول.

تلامذتـه النُّجَباء

قام شيخنا فورَ عودتـه من مصر بالتدريس أوَّلاً في مدرسة الأئمَّة والخطباء في منطقة فاتح، كما قام بالتدريس في مركز (خاسَكي) للتخصُّص الشرعيِّ للواعظين والمفتِيِّين التابع لرئاسة الشؤون الدينيّة، مع زملائه المشايخ الكرام: العلامةِ الشيخِ علي يعقوب أفندي، والمقرئِ الشيخِ محمد رُشْدي عاشق قوطلو، والمقرئِ الشيخِ عبد الرحمن كُورْسَس إمامِ وخطيبِ مسجد السلطان بايزيد في إسطنبول، وهو من أواخر القُرَّاء في الدولة العثمانية، وقد وفَّقه الله تعالى في نشر علم القراءات توفيقًا باهِرًا، إلى أن لـقيَ ربَّـه بعد عمرٍ طويلٍ مباركٍ يناهز مائةَ سنةٍ رحمهم الله، والفقيه الشيخ محمد صَاوَاش والفقيه الشيخ خليل كُونَنْج حفظهما الله ورعاهما، حيث تخرَّج بـهم نخبةٌ من الواعظين والمفتيِّين.

وقد قام شيخنا بتدريس العلوم الإسلاميّة في جامع السلطان محمد الفاتح لمدة ستين سنة بدون انقطاع من عام 1958م إلى عام 2018م حيث درَسَ لديه أكثرُ من ألفين وخمسمائة طالبٍ جامعيٍّ، يشغلون الآن مناصبَ ذات منزلة عاليةٍ علميَّةٍ أو تعليميَّةٍ أو دعويَّةٍ أو إرشاديَّةٍ أو سياسيّةٍ أو تجاريّةٍ في أنحاء تركيا.

وكان من أشْهَر تلامذتـه: الأستاذ الدكتور عثمان أوزتورك رحمه الله، والأستاذ الدكتور أحمد طوران آرسلان أوَّلُ عميدٍ لكليَّة العلوم الإسلاميَّة في جامعة السلطان محمد الفاتح الوقفية، والأستاذ الدكتور عرفان كُونْدُوز، والأستاذ الدكتور حسن كامل يِلْمَاظ مفتي إسطنبول سابقًا، والأستاذ الدكتور رحمي ياران مفتي إسطنبول سابقًا، والأستاذ الدكتور محمد أمين مَاشَالي مفتي إسطنبول سابقاً، والأستاذ الدكتور علي أرْبَاش رئيس الشؤون الدينية حاليًّا، والأستاذ الدكتور إبراهيم خطيب أوغلو، والأستاذ الدكتور سيد باغجوان، والأستاذ الدكتور علي بولوط، والأستاذ الدكتور عبد الله أمين جِيمَن، والأستاذ المشارك الدكتور خليل إبراهيم قُوتْلَاي، والأستاذ المشارك الدكتور محمد بَيْلَرْ، والدكتور أحمد أفه، والدكتور عبد الله أوزجان، والدكتور سالم صانـْجَاقْلي، والدكتور أحمد آيْدِين، والدكتور سيد علي كُوشَنْ، والدكتور محمد حمدي يلديريم، والدكتور مسعود جاقير، والدكتور إسماعيل يُوكْسَك، والدكتور محمد عيسى يُوكْسَك، والأستاذ أحمد يُوكْسَك، والأستاذ المقرئ مصطفى دميرقان، والأستاذ حمدى آرسلان، والأستاذ حافظ عثمان شاهين إمام وخطيب جامع الفاتح سابقًا، والأستاذ يوكسل سلمان، والأستاذ محمد فاتح قايا، والأستاذ نور الدين يِلْدِيز، والأستاذ حبيب صالح أمره، والأستاذ محمد أَرَل، والأستاذ مراد أوسْطَه قورْط، والأستاذ سعد الدين بارلاق، والأستاذ سعد الدين أكِينْجِي وكثيرون. وكان من أقدمِ تلامذتـه المرشد الموجِّه المربِّي فضيلة الشيخ عثمان نوري طوب باش، وكان من أواخر تلامذتـه حفيدُه أحمد سلمان بن يَكْتَا سراج من طلبة الدكتوراه في الفقه بجامعة مرمرة حاليًّا.

وقد وصف الأستاذ الدكتور الداعية المربِّي فضيلة الشيخ عبد المجيد أسعد البيانوني تلامذة الشيخ محمد أمين سراج بقوله: "تعرَّفتُ على بعض ثمراتِ عمَلِه، من أولئك التلَامِذَة الأبرارِ، الذين يملأون ساحاتِ العمل العلميِّ والدعويِّ والسياسيِّ، وكلُّهم يذكرون الشيخَ على رأسِ حديثهِم في الــمَجالس، يذكرونَ مناقبـَه في كلِّ مناسبة، ويستشهدونَ بكلامه، ويُثْـنون على مواقفه."

وقد اقترح الأستاذ الفاضل على تلامذتـه عملاً مباركًا بـرًّا منـهم لشيخهم ووفاءً، حيث قال: "إنّ الشيخ رحمه الله لم يؤلِّف كتباً تُقرأ، ولكنـه ربَّى رجالًا ملأوا ساحاتِ المجتمع علمًا وخيرًا وبِـرًّا، فمِن حقِّه عليهم أن يصوغوا حياتَـه وشخصيَّتـه، ومنـهجَه وسيرتَـه فصولًا في كتابٍ، توثِّق حياتَهُ للأجيال القادمة، فهو لم يَعُدْ حقًّا قاصرًا على الجيل الذي عاش فيه، بل أصبح ملكَ الأمَّةِ كلِّها، وصفحةً مباركةً في تاريخ علمائها ودعاتـها، فهل إلى ذلك من سبيل؟ بأن يتداعى خيار تلامذتـه ومُـحِبِّـيه إلى لقاءٍ جامعٍ، يتدارسون فيه حياة شيخهم رحمه الله، ويتَّفقون على ما يكتبون من فصولِ حياتـِه التي عاشوها وعاينوها، فيكونون شهداءَ قِسْط وعدل، وأهل بِـرٍّ وفضل؛ برٍّ بشيخهم الذي مضى إلى ربـه بخيرِ ما قدّمَ من عملٍ، والله يجزي المحسنين، وفضلٍ على أمّتـهم وهو فضلٌ حقٌّ واجبٌ، لا يُسقِطه أيُّ عذر ولا يبرَّر فيه التأخير."

مزاياه الحميدة

من ملامح أخلاق شيخنا الطيبة ومن سجاياه الفاضلة التي كان يتحلَّى بـها أنـه كان وقورًا هيوبًا لا يحب المزاح، ولكن يحب أصحاب اللطائف مثل والدي الكريم، وكان حليمًا كريمًا مع طلبته، يعطيهم قيمةً كبيرةً ويحضُرُ في أيّام زواجهم، ويهتمُ بحفَّاظ كتاب الله منهم أشدَّ الاهتمام، ويرى إجازة حفظ القرآن الكريم أفضلَ من الشهادة الدراسيَّة. وكان غيورًا على دينـه، لا يخاف في الله لومة لائم، وكان يعمل في صَمْت، ولا يحب الشهرة أو الظهورَ في وسائل الإعلام، وكان يبذل قصارى جهده ووقتـه للتدريس، ولم يكن يتأخَّر عن أيِّ درس، لأنَّـه كان يخرج من بيتـه القريب من المسجد للدرس الصباحيِّ قبل الموعد بساعة.

ومن أهمّ مزاياه في دروسه أنَّـه لم يكن يدرِّس إلَّا ويذكُرُ في درسِه مناقبَ صحيحةً عن الصحابة والتابعين والأئمة والصالحين، وكان في دروسِهِ ذكرياتٌ تاريخيَّـةٌ مهمَّـةٌ عن المشايخ الذين صاحبـهم، وكان يردِّد دائمًا قولَ الإمامِ المحدِّثِ سفيانَ بن عيينة رحمه الله: "عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة."

وقد وجدت فرقًا شاسعًا في توجيهات الشيخ المغفور له بين ما كان منها في عمر خمسين سنة وبين ما كان في عمر سبعين سنة، حيث إنـه سئل عن فكرةٍ لشخص معاصرٍ يُخالِفُ فيها معتقَدات أهلِ السنة والجماعة، فقال وهو ابن خمسين سنة: "دَعْنا عن مثل هؤلاء الأشخاص، فإنّنا مشغولون بأخبار الصحابة والصالحين". ولكنَّـه في السن السبعين وفيما بعدها كان شديدَ الكلامِ ضدَّ المنحرفين عن الجادَّة ويُشبّـِهُ كلامَهم بنُبـَاح الكلاب، حيث إنَّـه زادت عنده حساسية ضدَّ من يخالف أهلَ السنة والجماعة بسبب أنّ جُرأة المنحرِفين زادت في السنوات الأخيرة وقلَّ علمهم وحياؤهم، حيث أصبح كلُّ ثعلبٍ ماكرٍ واليًا، عندما وجَدَ الوادي في مجال الديانة في زعمه خاليًا، ولكن شيخَنا المغفورَ له مع ذلك كان يجتنِبُ ذكرَ أسماءِ المنحرفِين في الغالب، وإنما ينتقِد الأفكارَ السَّخيفة الصادرة منهم، هداهم الله إلى الصواب.

ولشيخنا الجليل اهتمامٌ شديدٌ بقضايا العالم الاسلاميِّ، وكان له اهتمامٌ خاصٌّ بالقضيَّة الفلسطينيَّة، يدعو الله للمجاهدين الفلسطينيين ويشجِّع على دعم هذه القضيَّة، كما كان له اهتمامٌ كبيرٌ بالقضية السوريَّة، ويعتبرها قضيَّتـه ويتحدَّثُ عنـها أمامَ المسؤولين الذين يلتقي بـهم، وعلى كلِّ المستويات. وأمَّا قضيةُ تركستان الشرقية فكانت تظهر بجلاءٍ حينما يتحدَّث مع الطلاب التركستانيين المغلوبين على أمرهم المعذَّبين في الله.

وكان شيخنا الجليل من أعضاء الهيئة الخيريَّة الإسلاميَّة العالميَّة الكويتيَّة، ومن أعضاء المجلس الأعلى العالميِّ للمساجد، وهي إحدى هيئات رابطة العالم الإسلاميِّ بمكَّة المكرَّمة، وكان يمثِّل تركيا في الجمعيَّات العامَّة لهذه الهيئات العالميَّة مع صديقه الحميم فضيلة الشيخ لطفى دوغان رئيس الشؤون الدينيّة التركيّة سابقًا. وكان شيخنا من دعاة إدارة التوعية الإسلاميَّة في موسم الحجِّ بمكَّة المكرَّمة، وكان من مؤسِّسِي وقف دراسات العلوم الإسلاميَّة في إسطنبول (İSAV) الذي تأسس في عام 1961م مع نُخبةٍ من العلماء والمشايخ، وكان من كبار المستشارين لدى جمعيَّة نشر العلم، وهي أوَّلُ جمعيّةٍ إسلاميّةٍ في تركيا في عهد الجمهوريَّة.

وقد ابتعثَ شيخنا نخبةً من تلامذتـه إلى جامعة أم القرى بمكَّة المكرَّمة لمواصلة دراستـهم اللغويَّةِ والشرعيَّةِ وكان بينـه وبين أساتذة الجامعة وعُمَدائها صلةٌ وثيقةٌ بسبب طلبتـه الذين كان يتعهَّدُهم دائمًا، ويطلب من كلٍّ منـهم أن يكون لَبِنَةً في بناءِ الحضارةِ الإسلاميّةِ. وكان شيخُنا الفاضلُ يزورنا يومَ أن كنّا طلابًا في جامعة أمّ القرى بمكَّة المكرَّمة، وكان دائم التعهُّد والرعاية لنا، وكان يُوصينا دائمًا بعدم الدخول في الخلافات المذهبيَّة والمناقشات غير العلميَّة ويقول لكلٍّ منا: "دارِهم ما دُمتَ في دَارِهِم، وأرضِهم ما دُمتَ في أرضهم، واشتغِلْ بما هو أهمُّ من ذلك كلِّه، وهو تعلُّم لغة كتاب الله وتفسيره وحديث حبيبـه الكريم وفِقهِ شريعتـه الغرَّاء، فإنَّ الوقتَ ثمينٌ وغالٍ ولن يُعوَّض أبدًا."

وعندما زرت عميد شؤون الطلاب في جامعة الملك عبد العزيز فرع مكَّة المكرَّمة مع شيخنا في بيتـه، سأله العميد ونحن على المائدة: "يا فضيلة الشيخ، أنت من الصوفيَّة أم من السلفيَّة؟" فقال شيخنا بكلَّ وضوح: "أنا أقول مثلما قال الإمام الشهيد حسن البَنَّا: "نحن دعوة سلفيَّة، وطريقة سُنِّـيَّة، وحقيقةٌ صوفيّةٌ." وقد شرحَهُ بقوله: إن كان المرادُ من السلفيَّة طريقَ الصحابة والتابعين فنحن نسلُكُه، وإن كان المراد من الصوفيَّة الالتزامُ بطريقةِ التقوى والإخلاص والزهد فنحن منـهم، ولكننا نبتعد عن جميع الشَّطَحاتِ الصوفيَّة."

وفعلاً مشى شيخُنا الجليل طوالَ حياتـه على طريقة السلف الصالح من المحدِّثين والفقهاء، ولم يكن يدخل في الخلافات السياسيَّة ولا الخلافات المذهبيَّة ولا الطائفيَّة، وكان يبتعد عمَّا يُشغِلُه عن عملِه الأساسيِّ وهو إحياءُ الحضارة الإسلاميَّة من جديدٍ، وإنشاءُ جيلٍ مسلمٍ واعٍ جديدٍ، وبناءُ شخصيَّاتٍ يُتوقَّع أن يكون لهم آثارٌ إيجابـيَّةٌ فاضلةٌ في المجتمع إن شاء الله تعالى.

وكان لشيخنا العزيز توجيهاتٌ كريمةٌ للعاملين في السياسة والحكم، عندما زاروه في غرفة الإمام في الجامع أو في بيتِه، وكان يخاطبـهم في ضوءِ الآياتِ الكريمةِ والأحاديثِ النبويَّـةِ ويجهِّزها لهم قبل موعد الزيارة، مع أنّـه كان يرفُض رفضًا شديدًا الدخولَ في السياسة الراهنة وكان يشجِّعُ على الخير كلَّما وجدَ عند السياسيين ما فيه خيرٌ للإسلام والمسلمين، وينتقدُهم بانتقاداتٍ معتدلةٍ مفيدةٍ كلَّما وجدَ عندهم ما فيه مخالفةٌ للكتاب والسنة.

وكانت له صلةٌ وثيقة قوية بالمهندس المشهور الأستاذ الدكتور نجم الدين أربكان رحمه الله من أيام شبابـه إلى آخر حياتـه، حيث إنّـهما كانا قد عاشا في شبابـهما في نفس الحيّ، حي إسكندر باشا في منطقة فاتح، وكان يجمعهما مشايخُ فضلاء شاركوا في نشأتـهما الإسلامية. وكان قد طلب منه الأستاذ الدكتور نجم الدين أربكان الإمامةَ والخطابةَ يومَ الجمعةِ في مسجد أوّل مصنعٍ للمحرِّكات في إسطنبول أسَّسه بعنوان (كوموش موطور) في منطقة (رامي) في إسطنبول، وكان شيخنا يشجِّعه على الالتزام بالاستقامة ويدعو الله تعالى له دائمًا في غيابه، سائلاً اللهَ تعالى بقوله: "سدَّد الله خُطَاه، ووفَّقه لما فيه خيرُ الإسلام والمسلمين". ولكن لم يقبل ما اقترحه عليه الأستاذ نجم الدين أربكان أن يكون نائبًا في مجلس النُّوَّاب التركي عن حزبـِهِ، لأنَّـه لم يفكِّر في يومٍ من الأيام أن يُغادِرَ دروسَهُ في جامع السلطان محمد الفاتح، كما كان يوجِّه للرئيس رجب طيّب أردوغان بتوجيهات إسلاميّة وتوصيات كريمة من أيام شبابـه إلى أن أصبحَ رئيسًا لبلديَّة إسطنبول ثم رئيسًا للوزراء، ثم رئيسًا للجمهوريَّة، وكان يشجِّعه أيضاً على الالتزام بالاستقامة ويدعو الله تعالى له دائمًا في غيابه، سائلاً الله تعالى بقوله: "سدَّد الله خطاه، ووفَّقه لما فيه خيرُ الإسلام والمسلمين".

ولم يكن درس من الدروس لشيخنا الكريم خاليًا عن التوجيهات والتوصيات والآمال وتشجيع الطلاب على المشاريع الخيريَّة، وكان يردِّد كثيرًا في السنوات الأخيرة الحديثَ النبوي الشريف الذي يبشِّر بنشر الإسلام في نواحي المعمورة كلِّها، والذي رواه مسلم في "صحيحه" (برقم 2889) بسنده عن ثَوْبَانَ رضي الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ اللهَ زَوَى لِيَ الْأَرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَها ومَغَارِبـَهَا، وإنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغ مُلكُها مَا زُوِيَ لِي مِنـْها".

وفاتـه:

بعد حياةٍ عامرةٍ بالعلم والعرفان والتدريس والتوجيه والإرشاد، تُوفِّي شيخُنا الجليل محمد أمين سراج يومَ الجمعة 7 رجب 1442هـ الموافق 19 شباط/فبراير2021م، عن عمرٍ ناهز الواحدة والتسعين. ودُفن في ظلِّ مَآذِن جامع السلطان محمد الفاتح، كي لا يغادرَ ظِلَّ مآذِنـه، كما كان يوصينا دائمًا بعدم المغادرة من ظلِّ مآذن جامع السلطان محمد الفاتح. رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنـه فسيحَ جناتـه.

علمّا بأنَّ دروسه في جامع السلطان محمد الفاتح لن تنتـهيَ أبدًا، حيثُ إنّ تلامذتـه ما يزالون يلازمون نصائحَه الكريمة ويواصلون دروسه، حيث إنني أقوم بتدريس كتاب "صحيح البخاريّ" صباحَ كلّ جمعة في جامع السلطان محمد الفاتح، وزميلي الأخ الفاضل حمدى آرسلان يقوم بتدريس كتاب "الشفاء للقاضي عياض" صباح كلّ أحدٍ في الجامع، وزميلي الآخر الأخ الفاضل الدكتور أحمد أَفَه يقوم بتدريس كتاب "الغُرَر والدُّرَر" للعلَّامة الفقيه مُلاَّ خُسْرَو يوم الأحد قبل الظهر في الجامع، وأما الآخرون من طلبته فكلٌّ منهم يحاول أن يؤدِّيَ ما عليه من الواجب التعليمي والإرشادي والتوجيهي حيثما كانوا، مع أن تلامذتـه يعلمون جيِّدًا أنَّـهم لن يسُدُّوا الفراغَ الملموس برحيلِ شيخهم المغفور له، قوَّاهم الله وحفِظَهم من كلِّ مكروه، وأيَّدهم بتأييدٍ من عندِهِ. اللهم آمين.

يتبع...

الحلقة السابقة هـــنا