الظلم مؤذن بخراب العمران 

 

عنوان المقال هو عنوان الفصل الثالث و الأربعين من "مقدمة ابن خلدون"، وغني عن البيان ذِكْر أسبقية "ابن خلدون" لعصره وبُعْد نظره وعمق تحليله الاجتماعي بما يجعله في طليعة مؤسسي علم الاجتماع.

وسنجتهد في توصيل فكرة "ابن خلدون" المسطورة تحت هذا العنوان وسنتصرف في النقل وفي تغيير أساليب التعبير ، مع عدم الخروج عن أمانة عرض فكرته .

فهو يربط بين الظلم وخراب العمران من عدة زوايا أهمها:

١- العدوان على أموال الناس وما ينشأ عنه من قعود الناس عن السعي وبالتبعية كساد الأسواق:

(اعلم أن العدوان على الناس في أموالهم ذاهب بآمالهم في تحصيلها واكتسابها لما يرونه حينئذ من أن غايتها ومصيرها انتهابها من أيديهم، وإذا ذهبت آمالهم في اكتسابها و تحصيلها انقبضت أيديهم عن السعي وقعدوا عن العمل، فتكسد الأسواق، ويعم الفقر، ويهجر الناس بلادهم سعياً في الآفاق، فيخِف سكان القُطر وتختل معها حال البلاد.)

٢- انتشار الفساد في الجهاز الإداري للدولة:

(لا تحسبن الظلم إنما هو أخذ المال أو الملك من يد مالكه من غير عوض و لا سبب؛ بل الظلم أعم من ذلك، فكل من أخذ ملك أحد أو غصبه في عمله، أو طالبه بغير حق، أو فرض عليه حقا لم يفرضه الشرع -مثل الرشوة- فقد ظلمه، ومَنْع حقوق الناس - بالمحسوبية وفساد القضاء مثلاً- ظُلْم .. ووبال ذلك كله عائد على الدولة بخراب العمران الذي هو مادتها لإذهابه الآمال من أهله.)

٣- إذا تعاطى الحاكم التجارة، فسد الحكم وفسدت التجارة:

(ومن أشد الظلامات و أعظمها في إفساد العمران تسخير الرعايا في الأعمال بغير حق، وأعظم من ذلك في الظلم وإفساد العمران؛ تسلط الدولة على أموال الناس بشراء ما بين أيديهم بأبخس الأثمان، ثم فرض البضائع عليهم بأرفع الأثمان على وجه الغصب والإكراه في الشراء والبيع، وتعود خسارة ما بين الصفقتين على رؤوس أموال الرعايا، ويعم ذلك أصناف التجار و الواردين من الآفاق -القادمون للدولة بغرض التجارة والعمل- وأهل الدكاكين وأهل الصنائع فتشمل الخسارة سائر الأصناف و الطبقات فيقعدوا عن الأسواق لذهاب رؤوس الأموال، ويتثاقل الواردون من الآفاق لشراء البضائع وبيعها، من أجل ذلك تكسد الأسواق ويعم الفقر والخراب.)

٤-غصب أموال الناس لصالح ترف الجهاز الإداري للدولة:

( تزداد حاجة الدولة والسلطان إلى الإكثار من المال بما يعرض لهم من الإكثار في الترف، فتكثر نفقات السلطان وحاشيته، ويحتاجون لمزيد من الخراج الوارد من أموال الناس ليفي بمتطلباتهم من بناء القصور وامتلاك الضياع، ثم لا يزال الترف يزيد والحاجة إلى أموال الناس تشتد، وينشأ عن هذا الهرج والفوضى المفضية إلى الانتقاض -الثورة-، حتى تُمحَى دائرة الدولة ويُذهَب برسمها.)

ويؤكد ابن خلدون في ثنايا مقدمته على: (أن حصول النقص في العمران بسبب الظلم والعدوان على الرعايا أمر واقع لا بد منه، ووباله عائد على الدول لا محالة).

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين