الطّمأنينة

الدكتور أحمد الشرباصي
 
كلمة «الطمأنينة» تفيد معنى السكون والاستقرار، ومن ذلك طمأنينة الأعضاء، أي: استقرارها وعدم حركتها، وقد جاء في الحديث النبوي: «ثم‏ اركع حتى تطمئن راكعا» (أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه).
والاطمئنان: هو السكون بعد الانزعاج، وطمأنينة القلب سكونه، وعدم اضطرابه وقلقه، وقد يراد بطمأنينة القلب أن يسكن فكر الإنسان إلى شي‏ء يعتقده فلا يرتاب فيه ولا شك، ومن هذا قال الله تعالى: [إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ] {النحل:106} أي: أن الإيمان ثابت في قلبه، مطمئن‏ إليه صاحبه، لم يخالطه شكٌّ أو ريب.
وقد يُراد بطمأنينة القلب الثقة في أمر، أو توقعه برجاء عميق، كما في قول‏ الله تعالى : [وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ] {آل عمران:126} أي: وما جعل‏ الله الإمداد المتتابع لكم بالملائكة في غزوة بدر إلا أن يكون بشرى لكم، ولتسكن به قلوبكم وتثق فيه وترجو من ورائه الخير والنصر.
ويقول الصوفية: إنَّ الاطمئنان يقويه أمن صحيح شبيه بالعيان، أو هو سكون أمن في استراحة نفس.
والطمأنينة خلق من أخلاق القرآن الكريم، تحدث عنها في أكثر من‏ موطن، فقال جلَّ وعلا: [قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي] {البقرة:260}. وقال سبحانه: [الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ] {الرعد:28}، وقال تعالى: [يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً] {الفجر:28}...الخ.
وبتدبرنا لحديث القرآن الكريم عن الطمأنينة نفهم-والله أعلم بمراده- أنه يقصد بها الثبات والاستقرار، ويتحقق هذا بأمور منها:
1) أن تكون النفس‏ موقنة بالحق لا يخالجها فيه ظن أو تردد.
2) وأن تكون آمنة لا يستفزها خوف ولا حزن.
3) وأن تنتهي بآمالها ورغباتها إلى ربها، فليس وراءه أقوى منه ولا أقدر.
 
ولذلك يقول الإمام الرازي:
«إنَّ حاجات العبد غير متناهية،وكل ما سوى الله تعالى فهو متناهي البقاء والقوة، إلا بإمدادٍ من الله، وغير المتناهي لا يصير مجبورا بالمتناهي، فلا بد-في مقابلة حاجة العبد التي لا نهاية لها - من كمال‏ الله الذي لا نهاية له، حتى يحصل الاستقرار، فثبت أن كل من آثر معرفة الله‏ لشيء غير الله فهو غير مطمئن، وليست نفسه نفسا مطمئنة.
أما من آثر معرفة الله لا لشيء سواه، فنفسه هي النفس المطمئنة، وكل‏ من كان كذلك كان أنسه بالله، وشوقه إلى الله، وبقاؤه بالله، وكلامه مع الله، فلا جرم يخاطب عند مفارقة الدنيا بقوله: [ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً] {الفجر:28} ، وهذا الكلام لا ينتفع الإنسان به إلا إذا كان كاملا في القوة الفكرية الإلهية، أو في التجريد، والتغريد».
وينبغي أن يكون معني قول الرازي: «أن حاجات العبد غير متناهية، معناه أن حاجات الإنسان كثيرة موصولة ما دام حيا، والبقاء الأبدي الذي لا نهاية له إنما هو لله وحده: [كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ] {الرَّحمن:27}.
والطمأنينة خلق أصحاب العقول الراجحة، والعلم الراسخ، والإيمان‏ القوي، والذكر الخالص، والحق الثابت، فهم لا يزدهيهم متاع، ولا يؤتهم‏ تعب، وما داموا قد أقبلوا على الله، واعتصموا بحبل الله، وحرصوا على ذكر الله، فإنهم لا يذلون لما عداه في هذه الحياة، ولذلك قال سهل بن عبد الله: «إذا سكن قلب العبد إلى مولاه، واطمأنَّ إليه، قَويت حالُ العبد، فإذا قويت‏ أَنِس بالعبد كلُّ شي‏ء».
ولقد أشار البصراء بدقائق الأخلاق إلى أنَّ الطمأنينة مراتب ودرجات:
1) فهناك طمأنينة القلب بذكر الله؛ فإن القلب إذا أخلص في ذكر الله هدأ واطمأن، وسكن واستراح.
2) وهناك طمأنينة السالك على بصيرة وهدى إلى استقامة طريقه، وتوصيله إلى غايته،ولعله مما يشير إلى هذا قول الحق جل جلاله: [قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي] {يوسف:108}.
3) وهناك طمأنينة من المؤمن إلى‏ لطف الله وسعة رحمته، فربه هو القائل: [وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ] {الأعراف:156}.
 
والرجل المطمئنُّ لا يحزن على ما فات، ولا يفرح بما هو كائن، ولا يخاف‏ مما هو آت، وهو لا يضجر من أداء واجب، فإنَّ الطمأنينة فيها معنى الإقامة والدوام، ولذلك يقال: اطمأنَّ فلانٌ بالمكان، إذا لزمه وأقامَ فيه، وهولا يملُّ مجانبة الإثم؛ لأن الإثم والطمأنينة لا يجتمعان، فالإثم حيرة، ولكن البر سكينة، والحديث يقول: «الإثم ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطَّلع عليه الناس» أخرجه مسلم من حديث النواس بن سمعان الأنصاري رضي الله عنه.
ويقول: «البر ما اطمأنت إليه النفس،واطمأن إليه القلب» رواه الإمام أحمد.
 
والمطمئن لا يجزع من قضاء، ولا يضيق بقدر، بل يردد مع القائل:
ما قد مضى يا نفس فاصطبري له         ‏ ولك الأمان من الذي لم يقدر
وتحققي إن المقدر كائن                 يجري عليه، حذرت أم لم تحذري
ولقد كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في التخلق‏ بخلق «الطمأنينة»، فما استطاعت الأهوال المتوالية أن تخرجه عن وقاره‏ ورزانته، ولا استطاع النصر العظيم أن يزدهيه أو يغره، ولا ضعف يقينه أو رجاؤه في أحلك الظلمات وأشد الأزمات، والقرآن يترجم عن هذا حين يقول: [إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ العُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ] {التوبة:40}.
وراودته الجبال الشم من ذهب            ‏ عن نفسه فأراها أيما شمم
 
ومن مفاتح الطمأنينة ذكر الله تعالى، بالإقبال على تلاوة كتابه وتدبر آياته؛ وذلك لأن القلب يطمئن بالإيمان واليقين، والقرآن الكريم هو أصدق‏ رائد إلى هذا الإيمان، وهو أقوى قاطع لذيل الشك والريب، ومن هنا جاء قول الله تبارك وتعالى: [الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ] {الرعد:28}؛ لأن هؤلاء إذا ذكروا ربهم، وقرأوا كلامه، وتدبروا مغزاه، خشعت قلوبهم واطمأنَّت.
ويعلل الفخر الرازي ذلك بقوله: «إن القلب كلما وصل إلى شي‏ء فإنه‏ يطلب الانتقال منه إلى حالة أخرى أشرف منها، لأنه لا سعادة في عالم الأجسام‏ إلا وفوقها مرتبة أخرى في اللذة، والغبطة، أما إذا انتهى القلب والعقل إلى الاستسعاد بالمعارف الإلهية والأضواء الصمدية بقي واستقر، فلم يقدر على الانتقال منه البتة؛ لأنه ليس هناك درجة أخرى في السعاة أعلى منها وأكمل، فلهذا المعنى قال الله: [أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ] {الرعد:28}.
وقد يحلو لمعترض أن يقول: إنَّ القرآن هنا يقول: [أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ]، وفي مكان آخر يقول: [إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ] {الأنفال:2} والاطمئنان ضد الوجل؟. والجواب عن ذلك: أن المؤمنين إذا ذكروا العقاب، وعدم العصمة من المعصية، وجلوا وخافوا، وإذا ذكروا الثواب‏ والرحمة اطمأنَّت قلوبهم، فالوجل عند ذكر العقاب، والاطمئنان عند ذكر الثواب.
ويمكن أن يقال: إنَّ علمهم بكون القرآن مُعجزاً يجعلهم يطمئنون إلى صدق‏ الرسول صلى الله عليه وسلم، ويكن خوفهم من عجزهم عن الاستقامة الكاملة على الصراط المستقيم يوجد الخوف في قلوبهم.
وقد تكون الطمأنينة عن طريق التطلع إلى تحقيق اليقين وتأكد الإيمان‏ بالمشاهدة والعيان، كما في قول الله جل جلاله: [وَإِذْ قَالَ إبراهيم رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي المَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي] {البقرة:260} .
وهذا تطلُّعٌ لا بأس به إلى الطمأنينة التي تحقق اليقين وتثبته، ولنلاحظ أن إبراهيم‏ عليه الصلاة والسلام يسأل عن حالة شي‏ء موجود مُتقرِّر الوجود عند السائل‏ والمسؤول، فقوله:[كَيْفَ تُحْيِي المَوْتَى] ؟ ليس نفيا للإحياء، ولكن السؤال‏ استفهام عن هيئة الإحياء، مع التصديق بتحقيق الإحياء ووقوعه.
فإبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام قد سأل أن يشاهد كيفية جمع أجزاء الموتى بعد تفريقها، وإيصال الأعصاب والجلود بعد تمزيقها، فهو قد أراد أن يحصل عنده الفرق بين المعلوم سماعاً والمعلوم عياناً.
ولم يكن إبراهيم عليه الصلاة والسلام شاكا في إحياء الله الموتى قط، وإنما طلب المعاينة، لأن النفوس تتطلع إلى مشاهدة العجيب من الأحوال، مع‏ تصديقها له، ولهذا جاء في الحديث: «ليس الخبر كالمعاينة» رواه الإمام أحمد، منم حديث ابن عباس.
والحديث الذي‏ يقول: «نحن أحق بالشك من إبراهيم، [وَإِذْ قَالَ إبراهيم رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي المَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي] {البقرة:260} (أخرجه البخاري(3372)، ومسلم(151)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه) معناه: أنَّ إبراهيم لو كان شاكاً لكنا نحن أحق بالشك منه، ونحن لا نشك، فإبراهيم أحرى ألا يشك، فالمراد من الحديث تأكيد نفي الشك عن إبراهيم.
وفي هذا يقول تفسير: «فهم بعض الناس من هذا السؤال أن إبراهيم‏ عليه الصلاة والسلام كان قلقاً مُضطرباً في اعتقاده بالبعث، وهذا شك فيه، وما أبلد أذهانهم، وأبعد أفهامَهم عن إصابة المرمى. وقد ورد في حديث الصحيحين: «نحن أولى بالشك من إبراهيم» أي: إننا نقطع بعدم شكه، كما نقطع بعدم‏ شكنا أو أشد قطعا.
نعم ليس في الكلام ما يشعر بالشك، فإنه ما من أحدٍ إلا وهو يؤمن بأمور كثيرة إيماناً يقينياً، وهو لا يعرف كيفيتها، ويود لو يعرفها، فهذا التلغراف الذي‏ ينقل الخبر من المشرق إلى المغرب في دقيقة واحدة، يوقن به كل الناس في كل بلد يوجد فيه، ويقل فيهم العارف بكيفية نقله للخبر بهذه للسرعة.
أفيقال فيمن طلب بيان هذه الكيفية إنه شاك بوجود التلغراف؟.
طلب‏ المزيد في العلم، والرغبة في استكناه الحقائق، والتشوف إلى الوقوف على‏ أسرار الخليفة، مما فطرَ الله عليه الإنسان، وأكمل الناس علماً وفهماً أشدهم‏ للعلم طلباً، وللوقوف على المجهولات تشوفاً، ولن يصل أحد من الخلق إلى الإحاطة بكل شي‏ء علماً، وقتل كل موجود فقهاً وفهماً.
وقد كان طلب الخليل عليه الصلاة والسلام رؤية كيفية إحياء الموتى بعينيه‏ من هذا القبيل، فهو طلب للطمأنينة فيما تنزع إليه نفسه القدسية من معرفة خفايا أسرار الربوبية، ولا طلب للطمأنينة في أصل عقد الإيمان بالبعث الذي عرفه‏ بالوحي والبرهان، دون المشاهدة والعيان».
وقد زكَّى القرآن المجيد مكانة النفس المطمئنة، وبشَّرها بحميد مآلها وجمال‏ عاقبتها، فقال: [يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي] {الفجر: }. ومعنى«النفس المطمئنة» هنا: هو التي‏ لا تأمر بالسوء، وهي النفس المؤمنة الموقنة، المخلصة الساكنة، التي أيقنت أنَّ‏ الله تعالى ربها، فأخبتت لذلك، ورضيت بقضاء الله تعالى، وعلمت أنَّ ما أخطأها لم‏ يكن ليصيبَها، وما أصابها لم يكن ليخطِئَها، والتي عملت على يقين بما وعدَ الله ‏في كتابه، وهي واثقة بالبعث، وما لها عند الله من ثواب.
وقد ذكر المفسرون نماذج للذين اطمأنَّت نفوسُهم من أهل السلف الصالح، فذكروا حمزة وأبا بكر وابن عباس وعثمان بن عفان وحبيب بن عدي، رضوان‏ الله على الجميع. وقد كان من دعاء السلف: «اللهم هبْ لي نفسا مطمئنة إليك».
 
وقد تحدَّث القرآنُ الكريم عن نوع سيء من الطمأنينة؛ لأنها طمأنينة كاذبة تقوم على الاغترار والانخداع، فقال تعالى [وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الخُسْرَانُ المُبِينُ] {الحج:11}  فليست الطمأنينة هنا هي تلك‏ الطمأنينة الراسخة الثابتة المستقرة، وإنما هي صورة طمأنينة موقوتة مُضطربة قلقة.
ويقرب من هذا الوادي قول الله تعالى: [وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ] {النحل:112}.
وقال الله تعالى: [إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آَيَاتِنَا غَافِلُونَ(7) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ(8) ]. {يونس}.
أي: أنَّ الذين لا يؤمنون بالبعث، ولا يطمحون في ثوابنا، اكتفَوا بملذَّات الدنيا وشهواتِها، وركنوا إلى الدنيا واغتروا بها، وغفلوا عن‏ آيات الله وأهملوها، سيكون مصيرهم النار بما كفروا وفجروا.
وقد علَّق الإمام‏ الرازي على هذه الآية بقوله: «صفة السعداء أن يحصل لهم عند ذكر الله نوعٌ من الوجل والخوف، كما قال تعالى: [إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ] {الأنفال:2} ، ثم إذا قَويت‏ هذه الحالة حصلت الطمأنينة في ذكر الله تعالى، كما قال تعالى: [وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ] {الرعد:28}  .
وصفة الأشقياء أن تحصل لهم الطمأنينة في حبِّ الدنيا، وفي الاشتغال بطلب لذاتها، كما قال في هذه الآية:[ وَاطْمَأَنُّوا بِهَا] فحقيقة الطمأنينة عند هؤلاء أن‏ يزول عن قلوبهم الوجل، فإذا سمعوا الإنذار والتخويف لم توجل قلوبهم، وصارت كالميتة عند ذكر الله تعالى».
والإنسان في أشدِّ الحاجة إلى خُلُقِ الطمأنينة ليجعله يندفع في شعاب الحياة ومسالكها، يَمشي على نور الإيمان، ويعمل بثقة اليقين، ويواجه المتاعب بالصدر الرحب، ويلقى المسرَّات بالاتزان والاعتدال، وبذلك يسعد في حياته، وينعم‏ برضوان الله جلَّ جلاله عليه، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
المصدر : منبر الاسلام » السنة السادس و العشرون، شوال 1388 - العدد 10

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين