الطب النبوي.. وقفات منهجية (1)

يدور جدل في الأوساط الدينية والعلمية، حول ما بات يُعرف بـ «الطب النبوي»، وقد شاع هذا المصطلح بعد انتشار كتاب بهذا الاسم، وهو مقتطع من كتاب «زاد المعاد» لابن القيّم -رحمه الله- حيث طبع طبعات عديدة، وأصبح مرجعاً رئيسياً في هذا الباب، وشكّل ثقافة واسعة بتصورات مختلفة، بعضها صحيح وبعضها باطل، والمشكل الأكبر هو أن بعض المشايخ قدّموا أنفسهم على أنهم مختصون بهذا الطب، ويعالجون المرضى على أساسه، وقد رأيت حالات لا أستطيع أن أفهمها، إلا أنها جرأة على دين الله وعلى عباد الله، جرأة ممزوجة بالجهل وربما بالطمع أيضاً، ومن أجل توعية القارئ الكريم، أضع هذه الملحوظات المتعلقة بالكتاب أولاً، قبل تناول الموضوع نفسه:

أولاً: إن كثيراً مما ورد في هذا الكتاب لا يستند إلى حديث صحيح ولا حتى ضعيف، وإنما هو خبرة بشرية بحتة تتناسب مع إمكانيات ذلك العصر، ومن ذلك مثلاً، أنه ذكر عشرين سبباً للصداع، ليس فيها سبب واحد مستند إلى حديث، ومثل ذلك حديثه عن الطبائع الحارة والباردة، واختلاف الشعوب في ذلك، وذكره لبعض العادات والتجارب البشرية البحتة.

ثانياً: إن كثيراً مما ورد في الكتاب مما له صلة بالأحاديث الشريفة، جاء ممزوجاً بتحليلات المؤلف وتفسيراته، وفق خبرته المحدودة في ذلك العصر، فهو مثلاً يذكر حديثاً في التمر، ثم يتوسع هو في بيان خصائص التمر وفوائده، فيظن القارئ أن كل ذلك من حديث رسول الله ?، مع أن المؤلف نفسه يعزو بعض هذه المعلومات إلى أطباء عصره، أو العصور السابقة، فهو ينقل عن «القانون» لابن سينا، وعن الجرجاني وأبي عبيد وبقراط وغيرهم، وأحياناً يعزوه إلى جمع من الأطباء دون ذكر أسمائهم، كما قال في شرحه لحديث ذات الجنب: «قال بعض الأطباء: وأما معنى ذات الجنب ..».

ثالثاً: لقد وقع المؤلف -رحمه الله- في الاستشهاد بأحاديث كثيرة لا صحة لها، وقد خرّجها المحققان القديران، شعيب الأرنؤوط وعبدالقادر الأرنؤوط، وعليه فلا يصح العمل بهذه الأحاديث، وليس في هذا مثلبة بحق المؤلف، فغالب كتب المرويات والسنن كذلك، فهي تحوي الصحيح وغيره، إلا صحيحي البخاري ومسلم، وهذا معروف عند أهل هذا العلم.

رابعاً: إن المؤلف لم يدّع ما يدّعيه بعض مشايخ التطبيب اليوم، ويكفي أن نقتبس هذه الجملة من مقدمته: «ولا ينكر عدم انتفاع كثير من المرضى بطب النبوة، فإنه إنما ينتفع به من تلقاه بالقبول واعتقاد الشفاء به، وكمال التلقي له بالإيمان والإذعان»، فها هو من الأساس يعلن أنه لا يتكلم عن علم قابل للملاحظة والقياس كما هي العلوم المعروفة، وإنما يتكلم عن استشفاء باليقين والإيمان، أكثر منه استشفاء بالأسباب العلمية والعلاجات المادية المدروسة.

خامساً: إنه احتاط لنفسه، فأكد أن الطب النبوي قد لا يناسب إلا فئات مخصوصة، فقال في حديث الحجامة: «إشارة إلى أهل الحجاز والبلاد الحارة»، وقال في علاج عرق النسا: «هذا خطاب للعرب وأهل الحجاز ومن جاورهم، ولا سيما أعراب البوادي»، بمعنى أن ليس كل حديث ورد يصح تعميمه على كل المرضى، وإن كان الحديث صحيحاً في نفسه.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين