الطَّالِبُ الْمُتَدَيِّنُ

 

قوة  في نفسه لذاته ، قوة لوطنه ، قوة لأمته  ، «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ"[1] ، المراد بالقوة هنا عزيمة النفس والقريحة في أمور الخير بكافة جوانبه ونواحيه ، فيكون صاحب هذا الوصف أكثر إقداما على عمل الصالحات ومحافظة عليها الفريضة منها والنافلة ، وأسرع نفورا واشمئزازا مما سوى ذلك - محرمات ومكروهات-، وأشد عزيمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على الأذى في كل ذلك واحتمال المشاق في ذات الله تعالى ، هذا كله فضلا عن جِدِّه واجتهاده وحيوته ونشاطه فى طلب العلم ، لا يألوا جهدا فى هذا : يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ"[2] " وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ"[3]وهو بهذا يُعدِّه تدينه  للرجولة  الكاملة ، وبهذه الرجولة يُرشحه تدينه الصادق  الجاد الوثيق الصلة بالكتاب العزيز والسنة المطهرة ، للحياة العاملة ، حيث يُمكنه تدينه هذا من امتلاك ناصية عظائم الأمور ومفاتيح الخير من مثل الرأي الصائب ، فيما يعرض له من أمور ، والهدف الصحيح من الحياة ، والفعل الخيِّر  لوجه الله ، والقول الطيب السديد ، والحياة القويمة الرشيدة الهادفة ، والجهد المنتج ، والإدراك السليم لحقيقة مجريات الأحداث من حوله ، والتأمل العميق فى آيات الله المنثورة والمسطورة ، ومتى تكاثر هذا النوع من الطلاب والطالبات كان ذلك من اقوى العوامل لبناء مجد الأوطان وإعزاز شأنها ، ولكن ما هي معالم طريق الطالب المتدين ؟؟ هو الذي يأخذ نفسه بأحكام الدين فى العبادات ، فيطهر نفسه ويرضي ربه ويكتسب حبه : فالله "يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ "[4] يأخذ نفسه بأحكام الدين فى حسن المعاملة فيحبه أفراد المجتمع من حوله : «الْمُؤْمِنُ يَأْلَفُ وَيُؤْلَفُ، وَلَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يَأْلَفُ، وَلَا يُؤْلَفُ، وَخَيْرُ النَّاسِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ»[5] ، يأخذ نفسه بأحكام الدين فى رفع مستوى تحصيله وإدراكه العلمي وتحسين قدراته العقلية، فيرفعه الله "يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ"[6]ويرفع مستوى نفسه الأخلاقي بالاستقامة فيكون النجاح قرين خطوه ،(حيثُما تَسْتَقِمْ يُقَدِّرْ لَكَ اللهٌ نجاحاً في غابر الأزمان)"إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ*نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ*نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ"[7]يدخل مدرسته أو يجلس على مكتب الدراسة – فى المدرسة أو فى البيت – بنية معقودة على مواصلة الدرس والنهم فى طلب العلم ، دونما كسل ولا توانى ، لا يشغله عن طلب العلم لهو أو لعب ، ولا يصرفه عن ذلك عبث أو استهتار ، كيف وقد دفع الله تعالى كوكبة من الملائكة لخدمته ، رضا بما يصنع وسهل له طريقا إلى الجنة ،مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِي فِيهِ عِلْمًا، سَلَكَ اللهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ"[8] يعرف  الطالب المتدين للمعلم حقه عليه ، فلا يلقاه بما يكره ، ولا يلفت بصره عنه ، ولا يغلق سمعه دونه ، فيكتسب محبته ، ويقطف ثمرة عمره ، وعصارة عقله ، وخلاصة تجاربه وقطوف ذهنه ، ويجنى حرصه على بذل معونته فى تعليمه وإفهامه ، "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا! وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ"[9]

 

إن المعلّم والطبيبَ كلاهُما ... لا ينصَحانِ إذا لم يُكرما

 

يحسن عشرته لزملائه فيعذب لهم لسانه ، ويصفو لهم قلبه ، فيثنون عليه ، ويطوون له الجوانح ، على الحب والود ، ولا يكون ممقوتا معادى

 

أحسنْ إلى الناسِ تستعبدْ قلوبَهمُ ... فطالما استعْبدَ الإنسانَ إحسانُ

 

ويتحرون إفادته ، بما فاته من دروس العلم ، وهو كذلك معهم : "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى"[10]وكان عمر رضي الله عنه وجار له من الأنصار يتناوبان النزول من عوالي المدينة على النبي صلى الله عليه وسلم لأخذ العلم.، يبر والديه ، بخفض لهما الجناح ذلة وانكسارا وعرفانا بالجميل ، وذكرانا للمعروف ، وإقرارا بفضل الله بهما ،وسعيا حثيثا نحو تحقيق أملهما فيه وإجابة رجائهما منه ، وليس لهما من أمل ولا رجاء إلا أن يكون رجلا ناجحا يسران به ويطمئنان على مستقبله فيكون لأسرته مجدا جديدا ، وحلقة طارفة فى سلسلة مجد الأسرة بله الأمة ، يؤمن بأن الله محاسبه على كل صغيرة وكبيرة ، وتسجل  له ذلك ملائكته ،" أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ"[11] "وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ "[12] ويوم القيامة يجدونه كتابا " لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا"[13] ، لهذا لا تسوغ له نفسه ،أن يخون إذا اؤتمن ، وأن يكذب إذا حدَّث ، وأن يغش إذا وثق به ، وأن يخدع إذا طلبت منه النصيحة، يعتقد أن مستقبله بيد الله – وحده – فلا يدفعه إخفاق إلى اليأس والقنوط ، ولا يدعوه نجاح إلى البطر والخيلاء ، ولا يغالب أحدا على شيئ  ليس من حقه ، ولا يتعجل شيئا مرغوبا فيه بوسيلة غير مشروعة فى دينه ، بل يجري فى أموره على سنن النزاهة والعدالة راضي النفس بما يكتبه له القدر المحتوم، وبذلك تجتمع له كرائم الخلال وخصال الرجال ،ويكون فى الآخرة من الصالحين ، ولِمَ لا يبلغ هذا  الشأن ولم يترك الدين فضيلة من الفضائل إلا حث عليها وإليها دعا ، ولم يدَع صفة من حميد الصفات التي تبلغ بالمرء غاية من غايات الكمال الخلقي إلا رغَّب فيها وحبَّبَّ ، فأحكام الدين الإسلامي بيان مفصل بمكارم الأخلاق التي أجمع المفكرون والحكماء قديما وحديثا على أن سعادة الناس متوقفة على التعلق بأهدابها والتمسك بعروتها يجدون الطريق أمامهم ممهدا فإن ائتمروا بما أُمروا ، وارعووا عما عنه زُجروا كانوا سعداء الدارين ،  مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى"[14]وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى*قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى "[15]

 

[1] صحيح مسلم كتاب الْقَدَرِ بَابٌ فِي الْأَمْرِ بِالْقُوَّةِ وَتَرْكِ الْعَجْزِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِاللهِ وَتَفْوِيضِ الْمَقَادِيرِ لِلَّهِ

[2] مريم :12

[3] الأعراف : 145

[4] البقرة: 222

[5] صحيح الجامع حديث رقم: 6662

[6] المجادلة : 11

[7] فلصت : 30-32

[8] صحيح وضعيف سنن الترمذي (6/ 182، بترقيم الشاملة آليا)

[9] صحيح الجامع حديث رقم: 5443

[10] المائدة : 2

[11] الزخرف: 80

[12] الانفطار : 10 -11

[13] الكهف:49

[14] طه :2

[15] طه : 124-126

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين