الطائفية أكثر عمقا مما تظن!!!

( في عموم البلوى تلمس للوجع العام )

زهير سالم*
(ليس التعصب أن تحب خيار قومك ولكن التعصب أن تجعل شرار قومك فوق خيار الناس)
القراءة المستبصرة لتطورات المعطى السياسي في منطقتنا، وطريقة الأكثرين في فرز القوى واحتساب المواقف، والانحياز إلى هذا الفريق أو ذاك ستؤكد أن (الطائفية) أكثر تجذراً  في وجودنا الجمعي مما يعترف به الأكثرون.
نظريا يعلن هؤلاء الأكثرون براءتهم من الطائفية، وإدانتهم للعصبية القائمة على أساسها، وإعلانهم الحرب عليها، ومطالبتهم بالتخلص منها؛ ولكن لا يلبثون في حركة التفافية لا شعورية أن ينغمسوا فيها...
حقيقة لا تستثني أحدا، ولا يستطيع أن يتمرد عليها أحد، هي نهر الجنون الذي يصبح المقتضى العقلي الأول أن تشرب عن وعي منه، على ما قرر توفيق الحكيم أو على ما قررت العامة لدينا ( إذا جُن ربعك عقلك ما ينفعك ).
تحاشيا للاصطدام بالمواضعات العصبية المستقرة لن أقارب التمثيل بالوقائع الملجئة التي دفعت إلى كتابة هذا المقال، ولكنني أذكر مثلا سمعته منذ الخمسينات من أحد مشايخنا ، مع الاعتذار المسبق لأهلنا في بيروت كونهم موضع المثل،( كإسلام أهل بيروت ).. وتسأل الشيخ منذ الخمسينات عن سر المثل المضروب بأهل بيروت؟! يقول إنهم يلحون على ضرورة بناء المسجد فقط لأن النصارى بنوا كنيسة في المنطقة نفسها!!!
كلام عمره نصف قرن ولا شك أن إسلام أهل بيروت اليوم بألف خير، مع الأخذ بالاعتبار أنه بعد نصف قرن من التعليم والتثقيف تعمق الشعور الطائفي وامتد أ كثر ليشمل الحسينية والكنيسة والمسجد وامتدت الحالة البيروتية تلك أو انكشفت فإذا هي تمثل الأرضية الأعمق لمجتمعات محور طنجة – جاكرتا بلا استثناء... 
تتابع القراءات السياسية لحركة الواقع السياسي على جميع المستويات، لترى أن مقولة أبي طالب ما تزال هي الباقية ففي ساعة الحقيقة، على جميع مستويات الحقيقة، على كل فصيل أن يأوي إلى أمه، والفصيل في سياق أبي طالب هو ولد الناقة الذي يعرف أمه غريزيا وسط القطيع. يقول أبو طالب لقريش وقد طالبته أن يسلمها محمدا مقابل أحد أبناء الوليد بن المغيرة: انتظروا حتى تروح اللقاح فإن أوى فصيل إلى غير أمه فعلت!!!
الفصيل والغريزة والقطيع ربما تساعدنا قليلا على الشرح في حقل الألغام الذي نكتب فيه،
يطالب الكثيرون القوى والأحزاب والتيارات والحكومات ببرامج تفصح عن الأهداف والتوجهات؛ ولكن ماذا يفعل الناس بكل هذا في عالم لا تحكمه إلا عصا السلطة أو غريزة العصبية المستقرة في العقلين الباطن والظاهر على السواء...
لا أحد يوالي البرنامج أو المشروع....
لا أحد يواثق الإنسان باعتبارات الإنسانية فيه...
الولاء الأول في عالم الغريزة والقطيع للغريزة والقطيع...
حتى عندما يمتلك الأكثرون حريتهم وإرادتهم فإنهم ينصاعون لصوت الغريزة والعصبية أكثر من استجابتهم لمقتضيات العقول التي في رؤوسهم والقلوب التي في صدورهم.
وداوني بالتي كانت هي الداء. وعصبية ابن خلدون التي لمحها في سيرورة العمران ما تزال تسيطر على السياسة والثقافة والاجتماع.وتسقط تحت سنابكها العقائد والأفكار والبرامج والمشروعات...
هذا الكلام ليس احتجاجا على فريق أو انتصارا لفريق. ليس تأييدا ولا تنديدا إنما هو محاولة للإشارة لدائرة للشر تحكم وجودنا، كان المنتظر من تطور الوعي، وانتشار الثقافة والانخراط في بحار العولمة على مستويات الكثير من المظاهر أو المصالح أن تعين على تجاوزها...
الإخوان المسلمون في سورية استقبلوا ذات يوم الداعية الإيراني نواب صفوي واحتفوا به، جماهير الحركة الإسلامية احتفلت بانتصار الثورة الإسلامية في إيران، درسنا ودرّسنا في مناهجنا الإخوانية كتاب الإمام باقر الصدر ( اقتصادنا ) لم نشعر يومها بل لم نتوقف يومها عند كون نواب صفويا أو باقر الصدر شيعيا! وآية الله العظمى خامنئي ترجم إلى الفارسية بعضا من كتب سيد قطب رحمه الله...
ولكن  المشروع ( الإسلامي ) في إيران وفي العراق وفي لبنان وفي الكويت وفي البحرين عجز حتى الآن أن ينجز قائمة انتخابية إسلامية تقوم على المشروع وعلى البرنامج وليس على الطائفة ...!!!
مخيف هذا المرض الذي نعاني منه، هذا الداء الذي نتراشق به، هذه المنتنة التي ماتزال تحتوينا منذ أيام (البسوس) و (داحس والغبراء) و (بعاث) و( الجمل ) و(صفين ) و( الحرة ) و( كربلاء )....
ونعود إلى الإمام زين العابدين بن الحسين رضي الله عنهما ( ليس التعصب أن تحب خيار قومك ولكن التعصب أن تجعل شرار قومك فوق خيار الناس..)
ألا ترون أيها الناس كيف تتعصبون ؟!

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين