الضّمائر الحيّة صلاحٌ للرّاعي والرّعيّة

عناصر المادة

1- ما المقصود بالضّمير الحيّ؟2- أثرُ المراقبةِ في صلاح الفردِ والمجتمعِ3- الضّمير الحيّ يولّد الشّعور بالمسؤوليّة

مقدمة:

إنّ الدّول والحكومات تَسنُّ القوانين، وتُوجد التّشريعات، وتُحدّد العقوبات؛ الّتي تكفل لها ولأفرادها الحياة الطّيّبة الآمنة فتحفظُ الحقوق، وتُؤدَّى الواجبات، وتُكافح الجرائم، على أساس وجود هذه القوانين ليس إلّا، وأمّا في شريعة الإسلام فإلى جانب ما شرعته من أحكامٍ وحدودٍ وعقوباتٍ، فإنّها سعت لتربية الفرد المسلم على يقظة الضّمير، والخوف من الله تعالى، ومراقبته وطلب رضاه، حتّى إذا غابت رقابة البشر، وهمّت نفسه بالحرام؛ تحرّك ضميره الحيّ يصدّه عن ذلك، ويذكّره بأنّ هناك مَن لا يغفل ولا ينام.

إنّ الضّمير الحيّ هو ركن الرّقابة في داخل كلّ إنسانٍ، بل هو ميزان الحقّ والباطل، والصّواب والخطأ، حيث يأتي مسلمٌ صاحب ضميرٍ حيٍّ يحمل تاج كسرى فيضعه بين يدي أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه: فَيقُولُ عُمَرُ: "إِنَّ الَّذِي أَدَّى هَذَا لَأَمِينٌ"، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَنَا أُخْبِرُكَ، أَنْتَ أَمِينُ اللهِ، وَهُمْ يُؤَدُّونَ إِلَيْكَ مَا أَدَّيْتَ إِلَى اللهِ، فَإِذَا رَتَعْتَ رَتَعُوا، قَالَ: "صَدَقْتَ". [ 1 ]

هذا عندما يكون الضّمير حيّاً، ولكن إذا مات هذا الضّمير، وقُتل الرّقيب، وضَعف الإيمان، فأنّى للقلب السّقيم أن يميّز البرّ من الإثم؟!

1- ما المقصود بالضّمير الحيّ؟

ما أشدّ حاجة المجتمعات المسلمة في كلّ عصرٍ-وفي هذا العصر خاصّةً- إلى الضّمائر الحيّة، تلكم الضّمائر الّتي عوّدت المسلمين في الزّمن الأوّل، أنّه إذا عطس أحدٌ منهم في المشرق، شمّتَهُ مَنْ في المغرب، وإذا استغاث مَنْ في الشّمال، لامسَتْ استغاثَتُه أسماع مَنْ في الجنوب، وإنّه لن يكون ضمير الأمّة حيّاً إلّا بيقظة ضمائر أفرادها، إذ كيف يستقيم الظّلّ والعودُ أعوجُ؟!

الضّميرُ الحيُّ اليقظُ هو: تلك النّفس اللّوامة التي تلوم صاحبها وتزجره إذا ما أخطأ، فسرعان ما يتوب ويرجع إلى ربّه ومولاه، قال الله عز وجل: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135].

الضّميرُ الحيُّ اليقظُ هو: الشّعور والإحساس الدّاخليّ الّذي ينادي صاحبه دائماً بأنّ الله معك أينما كنت، وسيحاسبك على الصّغير والكبير والنّقير والقطمير.

الضّميرُ الحيُّ اليقظُ هو: مقام الإحسانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَوْمًا بَارِزًا لِلنَّاسِ، إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ يَمْشِي، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الإِحْسَانُ؟ قَالَ: (الإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ). [ 2 ]

وهكذا: فإنّ المؤمن صاحب الضّميرٍ الحيٍّ، يُحاسِب نفسه قبل أن يُحاسَب، ويزنُ أعماله قبل أن تُوزَن عليه، يسأل نفسه: ماذا أعمل؟ ولماذا أعمل؟ ولمن أعمل؟

إنّ هذا الإحساس –الّذي يُسمّى الضّمير- شعورٌ إنسانيٌّ باطنيٌّ يجعل الإنسان رقيباً على سلوكه وتصرّفاته، ولديه الاستعداد النّفسيُّ الّذي يميّز به الخبيث من الطّيب في الأقوال والأعمال والأفكار، عَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ لَا أَدَعَ شَيْئًا مِنَ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ إِلَّا سَأَلْتُهُ عَنْهُ،... فَقَالَ: (يَا وَابِصَةُ... الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَاطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي الْقَلْبِ، وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ). [ 3 ]

إنّ صحوة الضّمير دليل الإيمان الرّاسخ، فالمؤمن حقّاً هو منْ يحاسب نفسه ويتدبّر عاقبته، فلا يظلمُ ولا يخونُ، ولا يستكبرُ ولا يجحدُ، بل لا يغيب عن قلبه نظرُ الله إليه، {واتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النّساء: 1].

2- أثرُ المراقبةِ في صلاح الفردِ والمجتمعِ

إنّ الأمّة اليوم بحاجةٍ ماسّةٍ إلى مراقبة الله تعالى وإيقاظ ضمائر أبنائها، ليعود المسلم إلى حياته عاملاً فاعلاً مثمراً مجتهداً، ويعود للأمّة حاضرها، وتمتلك زمام المستقبل، وإنّ يقظة الضّمير مطلبٌ أساسيٌّ للمجتمعات، بُحّتْ لأجله أصوات النّاصحين المخلصين لأمّتهم وشعوبهم، ليحقّق النّتائج الفعّالة والثّمرات اليانعة في صلاح الفرد والمجتمع، حيث إنّ مراقبة الله تعالى وحياة الضّمير تهذّب النّفوس، وتطهّر القلوب، وتنقل الأمّة من الذلّ إلى العزّ، ومن الأثرة إلى الإيثار، فتثمرُ في القلب الخوف من الله تعالى، المفضي إلى جنّة الله ونعيمها الأبديّ، كما قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النّازعات: 40-41]. 

وإذا ما حصل هذا الخوف في قلب الإنسان ابتعد عن المعاصي والمنكرات في العلن وفي الخلوات، فهو دائماً مع الله تعالى مستشعراً رقابة الله عليه في سرّه ونجواه، وأنّ كلّ ما يعمله مسجّلٌ ومكتوبٌ في كتابٍ عند ربّي، لا يضلّ ربّي ولا ينسى، قال الله تعالى: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزّخرف: 80]. 

وما أجمل هذا الشّعور من العبد برقابة الله له في طريقٍ يجد فيها الرّاحة والطّمأنينة الموصلة إلى جنّة الله تعالى، جزاءً بما كان يعملون، قال سبحانه: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} [ق: 31-33].

فهذا يوسف عليه السلام راقب ربّه عز وجل، وكان ضميره حيّاً يقظًا فأنجاه الله من الخطيئة، ووصل إلى السّيادة كما قال تعالى: {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [يوسف: 23].

فكانت العاقبة أن قال الله عز وجل له: {إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ} [يوسف: 54].

وهذا نعيمٌ قبل نعيم الآخرة الّذي يَعِدُ الله فيه أصحاب الضّمائر الحيّة بذلك النّعيم الخالد، قال الله عز وجل: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرّحمن: 46].

تأمّل هذه الصّورة المشرقة لصحابيّةٍ من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رضي الله عنه، وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ يَقُولُ: أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً، فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لاَ أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً، فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟)، قَالَ: لاَ، قَالَ: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ)، قَالَ: فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ. [ 4 ]

انظر إلى الضّمير الحيّ الذي تحمله عُمرةُ وهي-زوجةٌ ثانيةٌ- ترى أنّ زوجها يفضّل ابنها على بقيّة أبنائه من باقي زوجاته فلا تقبل، رغم ما يحصل بين الضّرائر، إلّا أنّ الضّمير الحيّ لأمّ النّعمان دفعها إلى عدم قبول العطيّة لولدها دون سائر أبناء ضرّتها، لأنّها جعلت رقابة الله فوق كلّ شيءٍ.

3- الضّمير الحيّ يولّد الشّعور بالمسؤوليّة

إنّ مقوّمات نهضة الأمم والمجتمعات، ودعائم تشييد الأمجاد والحضارات، يكمن في العناية بقضيّةٍ غايةٍ في الأهميّة، قضيّةٌ تُعدّ بداية طريق البناء الحضاريّ، ولبنة مسيرة الإصلاح الاجتماعيّ.

وإنّ المتأمّل في واقع الأمّة المعاصر يهوله ما يعيشه الغالبيّة السّاحقة من شعوب العالم من حياة الفوضى واللامبالاة، على الرّغم من توفّر كثيرٍ من الإمكانات، وتيسير كافّة التّسهيلات، وإنّ المسلم الحقّ، صاحب الضّمير الحيّ ليتلمّس دائماً طريق الإصلاح، ليعيد للأمّة شيئاً من عافيتها بعد أن اشتدّت عليها الأزمات، وكثرت عليها السّهام والتّحدّيات، وهنا يأتي بيت القصيد في قضيّتنا المطروحة بحرارةٍ كمخرجٍ للأمّة من نفق التّيه المظلم، لتنهض من كبواتها وتُحقّقَ طموحاتها، إنّها: قضيّة المسؤوليّة.

إنّ كلّ لحظةٍ من لحظات حياة المسلم تتجسّد فيها المسؤوليّة بكلّ صورها، أفراداً ومجتمعاتٍ، هيئاتٍ ومؤسّساتٍ، شعوباً وحكوماتٍ، عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) قَالَ: -وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ- (وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ). [ 5 ]

استَوَوا في الاسم، وتفاوتوا في نوع المسؤوليّة، فمنها مسؤوليّةٌ شخصيّةٌ فرديّةٌ، وهي مسؤوليّةُ كلّ فردٍ عن نفسه وجوارحه وبدنه، وعن علمه وعمله، وعباداته ومعاملاته، وماله وعمره، فإن أحسن تحقّق له الثّواب، وإن أساء باءَ بالعقاب.

عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ، عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلاَهُ، وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ). [ 6 ]

وهناك مسؤوليّةٌ جماعيّةٌ في الإمامة العظمى، وفي الوظائف العامّة عدلاً في الرعيّة، وقسماً بالسّويّة، ومراقبةٌ لله وحده في كلّ قضيّةٍ، وكذا الحفاظ على الأموال والممتلكات والمرافق العامّة، فليست المسؤوليّات غُنماً دون غُرمٍ، بل سيتولّى حارّها من تولى قارّها في بُعدٍ عن الخلل الإداريّ، والتّلاعب الماليّ، والتّسبّب الوظيفيّ، فلا تُصان الحقوق إلّا بتولية الأكفاء الأمناء، والأخذ على أيدي الخونة السّفهاء، قياماً بالمسؤوليّة والأمانة كما شرع الله، وهو ما يحقّق مصالح البلاد والعباد، وفي إطار المسؤوليّة الجماعيّة يأتي دور البيت والأسرة في حمل مسؤوليّة التّربية الإسلاميّة الصّحيحة للأجيال المسلمة، وكذا معاقل التّعليم المختلفة في تنشئة الطّلبة، ومسؤوليّة المجتمعات في النّهوض بالأفراد، ودور الإعلام في تهذيب الأخلاق والسّلوكيّات.

ألا إنّ من أعظم مسؤولياتنا الجماعيّة الّتي أمرنا بها الإسلام: الحفاظ على روابط الأخوّة والألفة والتّراحم في المجتمع الّذي يُعتبر سفينةً يعيش عليها المجتمع، وإنّ الضّمير الحيّ هو مضخّة الإيمان الحقيقيّ المثمرِ التّعاطفَ والتّراحم، وهو جامع الأعضاء في جسدٍ واحدٍ وهو جسد الأمّة المتكامل، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى). [ 7 ]

ولذا لو حَاكَمَ كلّ واحدٍ منّا نفسه أمام ضميره، لعَلِمَ أنّ شجرة الضّمير الغافل لا تثمر أبداً، ولذلك تَحتّمَ على كلّ فردٍ منّا أن يستنطق ضميره بالحقَّ، لأنّ الضّمير الصّامت شيطانٌ أخرس، كما أنّ الضّمير النّاطق بالسّوء شيطانٌ ناطق، ولقد جاءت الشّريعة الإسلاميّة سادّةً أبواب موت الضّمير وضعفه، حاثّةً المجتمع المسلم على إدراك ذلك لئلّا يقع ضحيّة ضمير ميّتٍ أو غائبٍ، في حين إنَّ قوامَه وقوّته وتكامله إنّما يكون بالضّمير الحيّ الواعي لا شيء غير ذلك.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (التَّقْوَى هَاهُنَا) وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّات. [ 8 ]

وما إشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صدره ثلاث مرّاتٍ إلّا دليلٌ على وجود الضّمير الحيّ الّذي يجعل صاحبه تقيّاً نقيّاً مراقبًا ربّه، وقائماً بما يُطلب منه على أكمل وجهٍ.

وختاماً: إنّ ماتُعانِي منه الأمّة اليوم من تعدٍّ للحدود، وخيانةٍ للعقود، وضياعٍ للحقوق، وازديادٍ في العقوق، وسرقةٍ للأموال، وهتكٍ للحرمات، وارتكابٍ للموبقات، وانحراف النّاس عن منهج الله تعالى، كلُّ ذلك راجعٌ في حقيقته إلى غياب الرّقابة وموت الضّمير، واتباع الهوى والشّيطان، وهذا ما ذكره الله عز وجل بقوله: {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} [البقرة: 14].

فلمّا غابت الرّقابة، ومات الضّمير، حصل الفساد والإفساد في الأرض، وعلاج ذلك كلّه إنّما يكمن في أن نوقظ ضمائرنا، ونراقب ربّنا في السّرّ والعلن، ومن ثَمّ نرجو من الله تعالى أن يغيّر هذا الحال إلى أحسن حالٍ، إنه خير مأمولٍ، وأكرم من يُرجى.

 

1 - السّنن الكبرى للبيهقيّ: 13033

2 - صحيح البخاريّ: 4777

3 - مسند الإمام أحمد: 18001

4 - صحيح البخاريّ: 2587

5 - صحيح البخاريّ: 893

6 - سنن التّرمذيّ: 2416

7 - صحيح مسلم: 2586

8 - صحيح مسلم: 2564

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين