الصيام وعلاج النفس

 

فرض الله الصيام على عباده في جميع الأديان السماوية ، حتى روى المفسرون أنه لم تخل أمة من الأمم ، ولا ديانة من الديانات من افتراض الصوم . قال تعالى :[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ] {البقرة:183} .

وقد امتثل المؤمنون في كل أمة أمر ربهم ، فأدوا فريضة الصوم خاشعين متبتلين ، يتقربون إلى الله بقهر النفس البشرية التي طغت وبغت ، وكادت من كبرها وعتوها تنسى أصلها ، حتى قلبت العالم رأساً على عقب ، وحولت قواه إلى التدمير والشر ، وقد كان ينبغي أن تسخر هذه القوى جميعاً للتشييد والخير ، وكان هدف الأديان من هذه الفريضة ، علاج الجسم والنفس معاً ، ونحسب أن علاج النفس هو الهدف الأسمى ، والمقصد الأوفى ، فإن الجسم مآله الفناء ، والنفس إلى البقاء ، وإنما يؤثر الله ما يبقى ، على ما يفنى ، ويعالج ما كتب له الخلود علاج المقاصد ، أما ما كتب عليه الفناء ، فأمره يسير ، ولا يقصد إلا ليكون وسيلة لسواه.

والإسلام خاتم الأديان ، جاء للناس كافة ، وهو بهذه المثابة اشتمل على نظم للعبادات والمعاملات أكمل ، ومن هذه النظم الصيام ، إذ لم يتبع فيه سنن ما قبله من الأديان ، ولكن الله تسامت حكمته ، فرض على المسلمين صيام شهر رمضان كله ، وجعل النهار جميعه صوماً لا يتناول فيه المسلم شيئاً ، ولا ريب أن صيام شهر كامل ، على هذا النمط ، أمر فيه أكبر المشقة على النفس ، وفيه قمع لكثير من شهواتها ذات السلطان عليها ، ولم يكلف الله عباده المؤمنين بهذه العبادة لأن إعناتهم غرض من أغراضه ، والمشقة عليهم غاية من غاياته ، وإنما كان ذلك لأغراض كثيرة ، صحية وخلقية وروحية ، وهي جميعها لمصلحة العباد وإسعادهم ، وقد أدرك عقلاء العباد كثيراً من هذه الأغراض ، فأفاضوا في بيانها ، وما زال كتَّابهم يبدؤون ويعيدون ، ولست أحاول استقصاء هذه الأغراض ، أو الإحاطة بها ، فإن ذلك إلى علام الغيوب ، ولكني أريد أن أنبه إلى مقصد منها ، أرى أنه أهمها وأجدرها بأن يتحمل الناس في سبيله الآلام ، ويعانوا شدائد الحرمان، ذلك هو رياضة النفس ، وشفاؤها من العلل والأدواء.

وأعراض النفس كثيرة ، لا يسهل حصرها ، منها الظاهر ، ومنها الباطن: ودواؤها جميعاً في الصبر ، الذي يتجرع الإنسان مرارته حين تلم به ملمة أو ينتابه حدث من الأحداث ، والصوم نصف الصبر ، كما ورد في الحديث الشريف ، فالصوم بحكم الحديث : أداة المقاومة ، ومبعث القوة النفسية التي تقارع الشدائد والخطوب ، وقد تعددت عند الناس الوسائل في معالجة فتور الإرادة ، وضعف العزيمة ، فمنهم من يتخذ الرياضة البدنية وسيلة ، ويؤمنون بها إيماناً ، وينسبون صبر الأمم التي تفوز في ميادين الصراع الدولي وقوة مقاومتهم في إبان محنتهم الشديدة ، إلى ولعِهم بها واتخاذهم لها مقوماً من مقومات حياتهم ، وأساساً من أسس تربيتهم التي عليها يعتمدون ، ومن الناس من يعالج ذلك في نفسه بركوب الأخطار ، ومزاولة فنون من الرياضة محفوفة بالهلاك ، كصيد الوحوش الضارية ، ومنهم من يعرض نفسه لآلام جسدية شديدة ، ويصبر على تحملها صبراً طويلاً ، وهذه الوسائل وغيرها على اختلافها ، تتجه إلى غاية واحدة ، هي تمرين النفس على تحمل أحداث الحياة التي تهزها هزاً عنيفاً ، والصمود لها ، ومقاومتها حتى تنجلي غواشيها.

والحياة مليئة بهذه الأحداث يتعرض لها الفرد وتتعرض لها الأمة ، ولا يملك بنو الإنسان صرفاً لها ولا تحويلاًَ ، وإنما الذي يملكونه ، أن يعدوا لها عدتها من العزيمة الصلبة ، والإرادة القوية ، والصبر الكريم ، فإذا فجأتهم العاصفة الهوجاء ، تركتهم سالمين ، كما تترك شجرة السنديانة لم تكسر لها جذعاً ، ولم تقصف غصناً .

والشجاعة وهي أفضل مزايا الأفراد والشعوب ، مزيج من عناصر تشمل فيما تشمله ، الصبر وقوة الاحتمال ، والإنسان محتاج إليها في أوقاته العادية ، كما يحتاج إليها في أوقات المحن والكروب.

وقد أظهرت المحن التي ابتليت بها الإنسانية في هذا العصر ، أن الصبر وقوة الاحتمال هما أمجد وأشرف صفات الإنسان ؛ فلولا أن قيض الله لهذا العالم جماعة من أنصار الحرية تحملوا في سبيلها أقسى الضربات ، وأعنف الصدمات ، لكانت عاقبة أمره خسرا ، ولتسلطت البربرية المجتاحة على هذه الحضارة المشيدة فوضتها تقويضاً ، وهدت كيانها هداً ، وستظل هذه الصورة الرائعة من الصبر وقوة الاحتمال ، حديث العالم لآجال طويلة ، وآماد بعيدة .

فهذه الفضيلة التي استطاعت أن تقف أعظم قوة جارفة ، والتي لاذت بها الإنسانية في أحرج ساعاتها ، هي ما قصد إليه الإسلام من الصيام ، وجعله وسيلة لها وصورة من صورها ، وليس الصبر قاصراً على تحمل النوازل ومقابلتها بالرضا والاطمئنان، ولكن أقوى أنواع الصبر هو مقاومة النوازع النفسية التي تنزع بصاحبها إلى السوء وتدفعه إلى الشر دفعاً ، وكل ذلك يتعلمه المسلم من صيامه ، فإنه لا يزال يروض نفسه على التحمل ويكبحها عما تشتهي ، حتى تسري تلك العادة في عروقه ، وترسخ فتصبح ملكة من الملكات ، تردعه عن الشر ، وربما لا يشعر بأنه استفاد جميع ذلك من الصيام ، وأن حرمانه من شهواته شهراً كاملاً في العام ، وصبره على هذا الحرمان ، أفاده وهو لا يدري.

فإذا تذكر الصائم الخاشع أن جميع ما يملكه لا يرد عنه غائلة الجوع ، ولا يطفئ منه لهب العطش ، أكسبه ذلك زهداً في جمع ا لمال الذي هو العالم ، وهو السبب الأكبر في الكوارث والنوازل التي تنزل بالإنسان في حياته ، وذلك الزهد هو الذي يضع حداً للطمع الذي يجعل الإنسان لا يرضى يعيش ولا يقنع بمال ، فتراه يقدم بمهجته على الأسد في عرينه وعلى البحر في هياجه طالباً المال لينال به الجاه ، وطالباً الجاه لينال به المال ، ولا يزال في هذه الدائرة يصرعه الموت وهو منغمس في الشقاء غارق في البلاء ، وكان أجدر أن يقضي أيام الحياة المعدودة براحة وسلام ، متمتعاً بما وهبه الله من الطيبات ولا يطمع في تلك الهنات الهينات.

ألم تر إلى الصائم وهو يسمع كلمة السباب تقرع سمعه ، فيجعلها دبر أذنه ، ويقول امتثالاً للحديث الشريف : > اللهم إني صائم < فيتعلم من ذلك الحلم ، ويداوي حرج الصدر الذي يغري الإنسان فيجعله لا يقف في الانتقام عند حد ، بل يتدفق كالسيل الجارف ، وينقض كالشهاب الثاقب فيبغي ويظلم ، ويعتدي ويبطش ، لا يعرف في ذلك غاية ، ولا ينتهي إلى نهاية ، وكل ذلك أثر من آثار ضعف النفس عالجه الحكيم العليم بالكف عن شهواتها ، والحد من غربها ، وقد تسمو هذه النفس بالصيام حتى ترقى إلى سوى من العظمة تعرف فيه قدرها وتدرك كرامتها ، فلا تتأثر من إساءة ، بل لا تكاد تحسها ، فتفقد شهوة الانتقام فلا تثب له ، ولا تفزع ، وتصبح ثابتة كالطود الأشم ، لا يؤثر فيه ما يرمي من الحصباء ، وترجع متينة كالمجنّ يرد السهم مكسوراً ، والسيف مفلولاً .

ولا يقيسن أحد أثر الصيام في النفوس بما يراه على وجوه الصائمين في شهر رمضان من التقطيب والعبوس ، وسرعة الانفعال ، وربما تصنع بعضهم ذلك فنهروا أصحابهم ، وشتموا أولادهم ، وضربوا خدمهم ، ليتعقد الناس أنهم صائمون ، وهم يعتذرون لأنفسهم والناس يعتذرون لهم بالصيام ، فيفسدون شرف العبادات بأقبح الرذائل ، ويقلبون أعمال القربات إلى الله إلى أحب الوسائل عند الشيطان ، في إلقاء العداوة والبغضاء بين عباد الله ، وهم ينامون نهارهم ، ويسهرون ليلهم ، ويسمون فيه بالغيبة والنميمة ، ويشبعون ألسنتهم بعد أن أشبعوا بطونهم ، ويؤذون الناس بحمقهم وغضبهم ، ثم يزعمون أنهم أدوا واجباً ، وقاموا بفرض ولا يعلمون أن الصيام مفروض لتسكين النفوس ، وقمع الشهوات ، وصفاء الأرواح ، والقلوب ، وأن الصائم حقاً ، هو من فهم معنى الصيام ، فكف عن الرذائل ، وابتعد عن المساوى والمثالب ، وأنه بدون ذلك لا يرضى الله ، فإن الله تعالى ليس له حاجة في أن يترك الصائم طعامه وشرابه ، بل ليس له غرض في أن يعذب جسمه ، تعذيباً لا ينطوي على معنى ولا روح ، وكثير من الناس يحسدون إخوانهم على ما آتاهم الله من فضله ، ومبعث ذلك من الإنسان حب السبق والتعالي على الأقران .

والصوم شفاء من هذه العلة ، فهو يهدي الإنسان إلى الاكتفاء في المعيشة ، والرضا بالحال التي هو فيها ، فلا يشغل قلبه بما ليس فيه يده ، ولا يكون كالسواد الأعظم من الناس لا يلتفتون إلى التمتع بما هم فيه من نعمة أسبغها الله عليهم ، ويذهلون عنها بالتطلع إلى ما في يد غيرهم ، فلا هم يحمدون ما لديهم ، ولا هم ببالغي ما في أيدي الناس ، فتنقلب النعمة عليهم نقمة ، ويقضون حياتهم في هم ونكد، وشقاء وحسد، حتى يفنيهم الحقد كما تفني الشمعة في نارها ، أو كالنار ، تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله.

إن عباد الله الذين أدوا فريضة الصوم عن عقيدة واقتناع رفعتهم هذه الفريضة إلى مكان عليِّ حتى حاربت فيهم شيم النفوس من الظلم والأثرة والمحاباة والجن ، وكانوا بحق هم مقياس الإنسان في أرقى درجاته ، ومثال العظماء في أعلى منازلهم.

وقد حفل تاريخ الإسلام الأول بقوم بلغت فيهم تلك الفضائل غاية أطوارها وأنصع أشكالها ، فكانوا نماذج كاملة في الصبر وقوة الاحتمال وصلابة العود عند الشدائد كما كانوا أمثلة تحتذى في البعد عن الظلم ، وفي الزهد في حطام هذه الدنيا ، وكم نهضوا بأعمال باهرة كرمت نفس الإنسان وجعلته جديراً بالدفاع عن المثل العليا في الحياة ، وأثر عنهم من الصفات الجليلة التي اكتسبوها من الصبر على الشهوات ما يملأ النفس إعجاباً ويهزها هزاً .

لقد تحملوا كل ضروب الآلام البدنية من تمزيق الأجسام في ساحات القتال ، إلى التعذيب الوحشي المضني ، كما صبروا على الجوع ، قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : (إن كنا لنغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما لنا من طعام إلا ورق الحُبْلة وهذا السَّمُر) ، على هذه الصورة كانت مقاومتهم لآلام الجسد ، وبنفس هذه القوة كانت مقاومتهم للنوازع والشهوات ، فقد هذبهم الإسلام بفرائضه التي لا يطيقها إلا أولو العزائم والهمم الكبار اللتي لا ترعى في العقيدة قرابة ، ولا ترقب فيها صحبة.

حدث سعد بن أبي وقاص عن نفسه قال : ( كنت رجلاً براً بأمي ، فلما أسلمتُ قالت يا سعد : ما هذا الدين الذي أحدثت؟ لتدعن هذا الدين أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فتعير بي ! فقلت: لا تفعلي يا أمي فإني لا أدع ديني ، فمكثت يوماً فأصبحت وقد جهدت فقلت: والله لو كانت لك ألف نفس فخرجت نفساً نفسا ما تركت ديني هذا لشيء! فلما رأت ذلك أكلت وشربت ، فأنزل الله  تعالى قوله في محكم آياته : [وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا] {لقمان:15} .

هنا يجد الإنسان نفسه مضطراً أن يكبر هذه النفس القوية ، وذلك الجلد الخارق الذي أشاعه الإسلام في أهله ، فليس في الدنيا من يحارب الغريزة التي فطر الله الإنسان عليها إلا ذلك السلطان القوي القاهر الذي يبدل النفوس ويحيلها خلقاً آخر يلوذ بالصبر ، ويعتصم بالعزم ، فيتخذ منهما دروعاً يتقي بها نبال الأهواء والأغراض.

ولما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر ، اتفق هو واليهود على أن يكون ما تغله أرضها مناصفة بينهما ، وأرسل عبد الله بن رواحة للقسم وتسلم نصيب المسلمين ، فلما مضى في القسم منصفاً عادلاً ، حاول اليهود إغراءه بالمال ليعطيهم أكثر من نصيبهم، فجمعوا حلياً كثيراً وقدموه له ، وطلبوا إليه أن يتساهل معهم ، فردهم وقال : يا معشر يهود! أما والله إنكم لمن أبغض خلق الله إليَّ ، وما ذلك بحاملي أن أحيف عليكم ، أما ما قدمتموه من الرشوة فإنه سحت ، ونحن لا نأكله! فقال اليهود: بهذا قامت السموات والأرض، لقد كان اليهود يدركون ما للمال من قوة تضعف أمامها القوى ، ولكنهم كانوا يجهلون نفس المسلم الذي أدبه ربه وعلمه الجلد واطراح الرغبات فرأوا نفساً أقوى من المال لأنها غذيت بمبادئ الإسلام ، فأصبحت صلبة لا تلينها المغريات ولا توهنها اللذات.

روى زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب حين وضع الديوان ورتب قسم الأموال بين المسلمين جاءه قومه بنو عدي فقالوا : إنك خليفة رسول الله ، وخليفة أبي بكر ، وأبو بكر خليفة رسول الله ، فلو جعلت نفسك حيث جعلك الله تعالى فجعلت نفسك وقومك بعد أبي بكر!

فقال : بَخٍ بَخٍ يا بني عدي! أردتم الأكل على ظهري ، وأن أهب حسناتي لكم لا ، ولكنكم حتى تأتيكم الدعوة وأن ينطبق عليكم الدفتر ـ يعني وأن تكتبوا آخر الناس ـ إن لي صاحبين سلكا طريقاً فإن خالفتهما خولف بي ، ولكنه والله ما أدركنا الفضل في الدنيا ولا نرجو الثواب في الآخرة عند الله تعالى على عملنا إلا بمحمد صلى الله عليه وسلم فهو شرفنا وقومه أشرف العرب ، ثم الأقرب فالأقرب ، ووالله لئن جاءت الأعاجم بعمل ، وجئنا بغير عمل ، لهم أولى بمحمد صلى الله عليه وسلم منا يوم القيامة ، فإن من قصر به عمله لم يسرع به نسبه ، وكذلك يقابل عمر قومه بتلك السخرية اللاذعة ، وهذا التهكم الواخز ، لأنهم أرادوا أن يصرفوه عن العدل ، وأن يتوسلوا إليه بالقربى والرحم ، ولكنهم وجدوا نفساً رباها الإسلام ، وما كان لنفس رباها الإسلام أن تظلم ولا أن تحيد.

امتاز أولئك القوم بالإخلاص في أعمالهم ، فأقاموا دعائم الإسلام ، ونشروا رايته في الآفاق ، لا يبتغون إلا رضوان الله وحسن مثوبته ، فقد علمهم الصوم أن يكون العمل خالصاً لوجه الله الكريم لا تشوبه شائبة ، ولا يخالطه غرض.

وفي الحديث (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) ومع أن جميع العبادات لله فإن الصوم تميز من بينها بهذه النسبة تشريفاً له عليها ، فإنه لا يدخله رياء ولا يمازجه فخر ولا مباهاة.

وقد قال الإمام الغزالي : إن حكمة هذا النسب في معنيين : أحدهما : أن الصوم كف وترك ، وهو في نفسه سر لي فيه عمل يشاهد ، وجميع أعمال الطاعات بمشهد من الخلق ومرأى ، والصوم لا يراه إلا الله عزوجل ، فإنه في الباطن الصبر المجرد..

وثانيهما : أنه قهر لعدو الله عزوجل ، فإن وسيلة الآثام الشهوات وإنما تقمع الشهوات بالجوع ، ومن ذلك يكون المعلم الأول لإخلاص المرء في عمله هو الصيام ، لأن الصائم لا يؤديه إلا مخلصاً محتسباً وجه الله تعلى ، فإذا تكررت تلك العبادة أصبحت عادة ، وسرى منها الإخلاص إلى سائر الأعمال ، وهذا الإخلاص هو أساس النجاح في الدنيا والثواب في الآخرة ، وإذا كان الناس يتحدثون اليوم حديث الأبطال الذين سيَّروا العالم بشدة مقاومتهم وقوة جلدهم ، فإننا نريد أن نريهم صورة أبهى وأروع مما به يلهجون وبحديثه يسمرون ، هي تلك الصورة التي رسمناها من صبر المسلمين الأولين، وجلدهم وقوتهم وثباتهم ، وهي تلك الصورة التي استفادوها مما فرض الله عليهم من الصيام فمكنت لهم في الأرض ، ومنحتهم المجد الذي أعده الله تعالى لعباده الصابرين ، وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين