الصوم ... والتأهيل الحضاري


-1-

بقلم الدكتور ماجد الدرويش

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وبعد:

" الحضارة هي نظام اجتماعي يعين الإنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي"، وذكروا لها عناصر أربعة: "الموارد الاقتصادية، والنظم السياسية، والتقاليد الخلقية، ومتابعة العلوم والفنون" واعتبروا أنها "تبدأ حيث ينتهي الاضطراب والقلق، لأنه إذا ما أمِنَ الإنسان من الخوف، تحررت في نفسه دوافع التطلع وعوامل الإبداع والإنشاء، وبعدئذ لا تنفك الحوافز الطبيعية تستنهضه للمضيِّ في طريقه إلى فهم الحياة وازدهارها".

وعلى هذا فالحضارة نتاج للشعور بالأمن والاستقرار، ونتيجة من نتائج توجيه القدرات البشرية نحو الخير والصالح العام.

دعوة الأنبياء وانعكاساتها الاجتماعية.

لا يخفى على ذي لب من المسلمين أن الوظيفة الأساس التي خلق الله الخلق لأجلها هي عبادته.

وأن مهمة الرسل إرشاد الخلق للقيام بهذه الوظيفة، وأن هذه المهمة تتحقق من خلال وسائل يجمعها دعاء سيدنا إبراهيم عليه السلام:

﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ الآية (129) من  سورة البقرة.

فبين أن مهمة الرسل في إرشاد الخلق لتحقيق وظيفة العبادة، تقوم على أسس ثلاث، هي:

-         تلاوة الآيات. ( بيان دلائل التوحيد ).

-         تعليم الأحكام وكيفية تطبيقها.

-         التزكية.

وقد استجاب الله تعالى لدعوة أبي الأنبياء، وبيَّن هذه الاستجابة في عدَّة مواضع من القرآن الكريم، مع تعديل طفيف في ترتيب مفردات المهمة، فقال سبحانه في سورة البقرة:

﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾ الآية (151).

وقال تعالى في سورة آل عمران: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ (164).

وقال تعالى في سورة الجمعة: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ (2).

في كل هذه المواضع تقديم التزكية على التعلم، مما يدلل على أهمية عملية التزكية قبل تعلم الأحكام الشرعية وتطبيقاتها العملية.

فما هي التزكية؟ ولم هي مقدَّمة على التعليم؟ وما دور شهر الصوم فيها؟

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين